اعمدة طريق الشعب

الإِعْصَارُ! / يوسف أبو الفوز

حينَ دَخلتُ بيتَ صديقي الصَدوق أَبُو سُكينْة، كان السكون يعمُ الجميع، وإذ القيت التحية، ردَ الجميع بخفوتٍ وهم منشغلين بمتابعة تقريرٍ تلفزيونّي عن إِعْصَارِ «إرما»، الذي ضربَ مناطق مختلفة من منطقة البحر الكاريبي وتسبب بأضرارٍ واسعة وفيضانات وهدم مباني وأدى الى مقتلِ البعض من الناسِ لاسبابٍ مختلفة.
كنتُ وزوجتي تابعنا تفاصيل ذلك مسبقاً، وقرأتُ لها ما نشرته وكالات الانباء عن كون «المركز الوطني الأمريكي لمراقبة الأعَاصِير» أعلنَ أن المنطقة لم تشهد إِعْصَاراً مدمراً مماثلاً منذ العام 1928، فالأعَاصِير المصنفة في الفئة الخامسة، تكون نادرة، وان سرعة رياح إِعْصَار إرما والمصنف في نفس الفئة تبلغ 300 كيلو متر في الساعة، وتبعاً لذلك فأن العديد من الدولِ الأوروبية أبدت مخاوفها مسبقاً من نتائجِ الإِعْصَارِ، وتوقعت أن يضرب بالاضافةِ لسواحلِ مدن أمريكية بعضا ً من السواحلِ والجزر الأوروبية، ولهذا أعلنت فرنسا حالة التأهب القصوى، وأستعدت بريطانيا وهولندا وغيرها، وقدرت «الأمم المتحدة» أن نحوَ 37 مليون شخصاً قد يتضرّرون جراء هذه الكارثة الطبيعية وأن التعافي من هذه الكارثة سيستغرق شهوراً طويلة.
ما ان أنتهى التقرير حتى قالت أم سُكينْة: هذا غضب من رب العالمين، على الجورِ والظلمِ في العالم.
سارعت سُكينْة وقالت لامها: وما رأيك بمن يقول ان هذا غضب الارض على البشر، لانهم أخلوا بالتوزان الموجود في الحياة، كثرة أعداد البشرِ والتلوث والاحتباس الحراري والحروب و ...
كنتُ أتابع الحوار الذي تعددت وتقاطعت فيه الاراء، وبنفس الوقت أراقب صديقي أَبُو سُكينْة الذي كان صامتاً وحزيناً، وإذ أنتبه لي سعل وقال: أعرفك تنتظر وتريد مني تعليق حتى تكتبه، لكن مثل ما تعرف أحاول دائما ربط الامور بما يجري عندنا في وطننا، وكنت أفكر صحيح ان العراق بعيد عن منطقة الكاريبي لكن أيضا عندنا أعَاصِيرُ مدمرة، ونادرة ولا تعرفها بلدان العالم. إِعْصَارنا لا يدمر ويفجر خطوط الكهرباء مثل ما قالوا بالتلفزيون لان والحمد لله كهرباء ما عندنا مثل دول العالم،وإِعْصَارنا سرعته عالية جداً ومثالية، لانه يشفط في طريقه الملايين والمليارات، واذا قُتل بالعشرات بسبب إِعْصَار إرما، فإِعْصَارنا من بعد سقوط الطاغية صدام ولحد الان تسبب في حصدِ ارواح الاف العراقيين، وبمختلف الطرق. واذا إِعْصَار إرما دمرَ مباني فإِعْصَارنا دمرَ بلد، واذا التعافي من إِعْصَار إرما يستغرق شهوراً طويلة، فتعال نحسب معاً كمْ سنة حتى يقدر وطنا ان يقف على رجليه من نتائج إِعْصَار المحاصصة الطائفية والفساد وغياب القانون ؟!