اعمدة طريق الشعب

سهل نينوى / قيس قاسم العجرش

خروجاً من أربيل باتجاه الموصل، يجد المسافر نفسه وجهاً لوجه أمام المأساة المستمرة لكارثة داعش وتبعاتها. نعم تحررت المدينة، وزهونا بالنصر جميعاً، لكن هذا الطريق المؤلم يحكي قصّة أخرى.
بمجرد عبور نهر الخازر على الجسر الجديد الذي رحم المسافرين من الانتظار ساعات كي يحين الدور على الجسر القديم، نجد أنفسنا وجهاً لوجه مع سهل واسع وفسيح وممتد تملأه آلاف الخيام، ومئات خزانات المياه التي يستعين بها ساكنو خيام النزوح هذه للبقاء على قيد الحياة.
والى وقت قريب جداً، كان هذا المخيم يدعى (مخيم الخازر)، ولأنه فرّخ مخيمات الى جانبه، جرت الاستعارة وأصبح لدينا خازر 1, وخازر 2، وخازر 3. وما هي الا بضعة كيلومترات حتى تواجهنا صفحة أخرى من المأساة، اسمها مخيّم حسن شام. وهذا فرّخ أيضاً نسخاً منه تعيش الى قربه. خيام يمثل شكلها المرصوص الى بعضها البعض اثارة للأعصاب خاصة حين تعلم ان كل خيمة يسكنها في الأقل 8 من البشر!
أتحدث هنا عن عشرات الآلاف من العوائل التي وجدت نفسها تحت رحمة هذه الكمّاشة المتعددة الفكوك.
لم تعد لديهم أماكن صالحة للسكنى في الجانب الأيمن، ولا يمكن لهم دخول أربيل للبقاء في إقليم كردستان. ولا يمكن لهم الانتشار في سهل نينوى في القرى المسيحية والشبكية لأن المشكلة معروفة الأطراف وواضح ما يعني انتشارهم في السهل. فضلا عن ان هذه القرى والبلدات المسيحية بالكاد تستعيد أنفاسها بعد ما شهدته من حرق وتهديم على يد أوباش داعش.
ومثلما هو معروف عن مخيمات النزوح، تكثر فيها كل أشكال السحق الإنساني من فقدان للعلاج، وفوات لفرصة التعلم للأطفال، وانطفاء بصيص الأمل، فضلا عن المعاناة اليومية من اجل رغيف الخبز الشحيح والرعب الذي يمثله الشتاء الواقف على الأبواب.
باختصار، إن سهل نينوى بسكانه الذين جمعتهم الحظوظ السيئة بهذا الشكل، انما يمثل وصفة جاهزة وممتازة لنمو التطرف وعودته تحت اشكال أخرى، طالما كانت معسكرات النزوح هذه تتسع يوماً بعد آخر، وطالما كان سكانها بلا أمل في أن يستعيدوا حياتهم مرّة أخرى.
وبلا مبالغة أقول: إن إعادة توطين سكان هذا السهل الحاليين(أصليين أو نازحين) انما هو معركة شديدة، لا تقل أهميتها بأي شكل عن أهمية المعركة التي حررت الموصل من داعش.