اعمدة طريق الشعب

رفقاً بالموظفين وعوائلهم ..!/ عبد السادة البصري

قبل شهر غرقت سفينةٌ تابعةٌ لشركة الموانئ إثر اصطدامها بناقلة كبيرة في مياه الخليج فراح ضحيتها عدد من العاملين بينهم غير منتسبين للموانئ ، بل يعملون بالأجر مع مقاولٍ في إحدى الشركات البحرية. هؤلاء أخذوا إجازة طويلة من دوائرهم ليعملوا في مكانٍ آخر بسبب عدم استفادتهم من رواتبهم ، في ظل كثرة الاستقطاعات وقلّة الرواتب مما يضطرهم للعمل كي ينظموا أمورهم وأمور عوائلهم المعيشية.
وأنا استمع الى ما حلَّ بهم من نكبةٍ تذكرت أبي عندما كنّا صغاراً. كان يعمل في الموانئ ، الحقيقة كان راتبه الشهري كافياً في خمسينات وستينات القرن الماضي حيث استطاع أن يوفّر منه ليبني بيتنا الطيني بالطابوق ، إضافة الى ما كان يصرفه علينا من مأكل وملبس وأمور اجتماعية أخرى. بمعنى إن الراتب رغم ضآلته في ذلك الوقت كان يسدّ الحاجة المعاشية للعائلة ، ولم يعمل أبي في مكان آخر خارج دوامه أبداً رغم إن دوامه كان بالتناوب ، أي يشتغل أسبوعاً ويستريح آخر. حينها كان بإمكانه العمل في ايام استراحته لكنه كان مكتفياً بالراتب الشهري ولا حاجة للتعب المضاف!
لكن موظفينا الآن يسهرون الليل والنهار بالكدّ والعمل لتأمين لقمة العيش وكأنهم في صراعٍ مع الزمن.
العاملون جميعاً في أغلب دوائر الدولة من موظفين وعمال ــ رغم إن الصفة الثانية الكبيرة هذه كان قد ألغاها النظام الفاشي المقبور ليتركهم في دوّامة الدرجات الوظيفية المتعلقة بنسب الراتب ــ يعانون كثيراً. فالموظف من الدرجة العاشرة يعاني الأمرّين لأنّ راتبه غيرُ مشجعٍ ولا يكفيه حتى للثلث الأول من الشهر مما يضطره الى العمل في مهن أخرى تضيف الى عنائه عناءً اكبر.
لقد أخذوا منذ الحصار الجائر يبحثون عن أعمال أخرى في شركات وأماكن بعيدة عن وظائفهم ليعينوا عوائلهم على غائلة الفاقة والعوز ، وزاد الطين بلّة ما حصل الآن من ارتفاع في الأسعار وتغيرات في سلّم الرواتب ثم الاستقطاعات التي يقررها البرلمان يوما بعد آخر وكأن الموظف أو العامل جاء من كوكب معادٍ وصار عقبة كأداء لابدّ من تفتيتها شيئا فشيئا!
وها نحن كل يوم نستمع الى قرار تلو آخر يقضي باستقطاع نسبة من راتبه ليظلّ في دوّامة البحث عن مصدر آخر للعيش دون أن يفكّر فيه أحد من أصحاب القرار ذاته!
القرارات التي تُتخذ ليست مدروسة أبدا ، أو تأتي بنيّةٍ مبيّتةٍ لإجهاض قوة تحمّل الموظف لما يحيط به من أعباء معيشية ــ يقررون الاستقطاع من راتب الموظف وينسون أنفسهم ــ وإلاّ كيف وبماذا نفسّر أول قرار للبرلمان في دورته الأولى وتحديداً القرار الذي صوتوا عليه بالإجماع بخصوص رواتبهم ومخصصاتهم ومنافعهم أثناء فترة العضوية وعند التقاعد ، وكأن البرلماني جاء من السماء بهبة إلهية لا موظفا كان ويستلم حاله حال الآخرين راتبا من الدولة!
لهذا إذا أردنا أن نجعل من موظفينا وعمالنا أناسا فاعلين في دوائرهم ومجتمعهم علينا أن نهتمّ بهم ونسعى الى اعتماد قرارات ترفع من شأنهم المعاشي وتمنحهم السعادة في عملهم وبين عوائلهم ، لا أن نحاربهم في أرزاقهم ونجعل منهم أجراء هنا وهناك سعياً لتأمين لقمة العيش. وان التفاتة الى رواتب أقرانهم في شتى دول العالم تجعلنا نشعر بحجم الحيف والغبن الذي ألحقناه بناسنا ووطننا ، ولهذا أقول وللمرة الألف والجميع معي : رفقاً بالموظفين والعمال وعوائلهم أيها السادة المسؤولون !