اعمدة طريق الشعب

الهدية السورية الملغومة / مرتضى عبد الحميد

خلال عقد ونيّف من السنين، قامت الجهات السورية الرسمية بإيذاء العراق شعباً ووطناً مرتين، دون وازع من ضمير او شعور بالأخوة او الجيرة والوفاء، ومن اجل الحفاظ على الكراسي ليس إلا.
كانت المرة الاولى بعد سقوط الصنم مباشرة، عندما اصبحت سوريا ملاذا آمنا لأعتى واقذر منظمة ارهابية في ذلك الوقت، وهي القاعدة، حيث وفرت لها معسكرات التدريب والتسليح والتمويل، ثم ارسال إرهابيها الى العراق بمساعدة كبيرة من دول عربية وغير عربية راعية للإرهاب، بذريعة محاربة الاحتلال الامريكي ودعم (المقاومة الشريفة) في داخل العراق.
وكلنا يتذكر مئات التفجيرات والعمليات الانتحارية التي راح ضحيتها عشرات الآلاف من العراقيين، ودمرت الكثير من البنى التحتية، بل مدنا بكاملها. ومع ذلك تعاملت الحكومة العراقية مع هذا النهج العدائي بطريقة عفا الله عما سلف، وأعيدت العلاقات بين البلدين الى مجراها الطبيعي وقدم العراق مساعدات سخية الى الجانب السوري، قبل ان ينقلب السحر على الساحر ويبدأ تدمير سوريا ايضاً.
في الوقت الحاضر يعيش الشعبان العراقي والسوري معاناة رهيبة بسبب داعش والتدخلات الاقليمية والدولية الفظة في شؤونهما الداخلية، والتي ذهب بسببها الآلاف من الضحايا البريئة من شباب العراق وابنائه البررة، ودفعت مدينة الموصل ثمنا باهضا مقابل تحريرها من مجرمي داعش. حيث تم تدمير الجزء الاكبر منها وخاصة المدينة القديمة، تنفيذا للخطة العسكرية بتطويقها من الجهات الاربع وعدم فسح المجال امام الدواعش للهروب الى سوريا وتعزيز قواتهم هناك.
وقد ردت الحكومة السورية وحلفاؤها الاقربون هذا الجميل بصفقة (عرسال) التي سمحت بنقل مئات الدواعش وعوائلهم بحافلات حديثة ومبردة من الحدود السورية اللبنانية الى الحدود السورية العراقية، واعلنت بزهو كبير ان حدودها مع لبنان اصبحت آمنة بالكامل. فقد انتقل الارهابيون الى حدود دولة الاستباحة المزمنة، ليعيثوا فسادا واجراما بحق العراقيين من جديد.
هنا ينبثق السؤال برؤوس عدة: اين الحكومة العراقية من كل هذا؟ وهل يكفي تصريح رئيس الوزراء في مؤتمره الصحفي الاسبوعي يوم 29/ 8/ 2017 بالقول عن هذه المؤامرة بانها غير مقبولة ومسيئة، او اننا لا نعلم عنها شيئاً؟
ولماذا لم يكن الموقف حازماً مع مدير الامن اللبناني الذي زار بغداد قبل بضعة اسابيع للتداول بشأن هذه الصفقة المشبوهة، والقيام بتحرك دبلوماسي نشيط والضغط على الجانب السوري لمنعه، ومحاصرة الارهابيين هناك بدلا من نقلهم الى حدودنا وسفك المزيد من دماء العراقيين، التي اصبحت رخيصة وكبش فداء للجميع.
وماذا عن مسؤولية القوى والاحزاب السياسية، خاصة المتنفذة منها، التي لجأ بعضها بدلا من ادانتها والسعي لإفشالها، الى تبريرات اقل ما يقال فيها انها بائسة وتفتقر الى الوطنية، بل ما هو موقف الشعب العراقي من هذه الجريمة الجديدة التي ينبغي التصدي لها ووأدها في مهدها بكل الامكانات المتاحة وهي كثيرة قطعاً؟