اعمدة طريق الشعب

خسائر / قيس قاسم العجرش

لنحاول أن ننسى تطوّرات الاستفتاء في إقليم كردستان. وهل النسيان من مظاهر الترف في العراق؟ بالتأكيد لا. لأننا ننسى كثيراً ونتناسى أكثر.
بل إن آفة النسيان هي الوسيلة الأبرز التي استخدمها الطائفيون والمُحاصَصاتيون، في حَرف الأنظار عن الأداء الحكومي كلّما اقتربنا من موسم استحقاقٍ إنتخابي.
قبل عشر سنوات، كنّا إذا اقتربنا من الإنتخابات يكفي أن يظهر نكرة ما في إحدى الفضائيات ويشتم رمزاً دينياً لطائفة ما، فتثور دِماءُ المُنافحين في أوداجهم. فيشتمون رموز المُقابلين. وبعد ذلك تتطاير وتتناثر كلمات التخوين مجاناً في كل مكان. وتنتهي ممارسة الإنتخابات الديمقراطية الدستورية، الى شيء هجين، يعبّر فيه الناس عن غضبهم بدلاً من التعبير عن اختياراتهم ورؤاهم للمستقبل، وبدلاً كذلك من معاقبة الفاسدين والطائفيين والمُمزقين لوحدة البلاد بعدم انتخابهم.
ماكنة الإلهاء هذه هي ماكنة حرّيفة، مع أنّها محلّية الصنع، وقلّما صادفنا شيء محكم الصُنع وكان محليَّ الأصل.
ومن مَظاهر فقدان ترف اللحظة أننا عُدنا الى ترقّب ما ستُقدم عليه الدول العظمى. وكأن المهم أن تقول كلمتها حتى قبل أن نفكّر في صوغ رأينا كعراقيين. ولم لا؟. لأننا وافقنا على أن نتوجّه الى صناديق الإنتخابات بالملايين، ونمارس الديمقراطية بالملايين، ثم بعد ذلك نعاقر شاشات التلفاز لنتابع وقائع المباريات الدولية التي ستحدد اسم رئيس وزرائنا المقبل! وكأن هناك تسليما عاما بأن من يصنع الحكومة والسلطة، ليس هذا الصندوق الشفاف ذا الفتحة المنفردة.
والآن، حين يرن جرس الحقل معلناً إنطلاق موسم جني العوائد، هل سيكون غريباً أن نجمع الأعشاب الشيطانية من حقولنا؟ أبداً، ليس هناك الكثير من الغرباء( لا أعشاب، ولا سرّاق)، إنما هي مَعاولنا ومناجِلنا التي غضّت الطرف عن نمو الأشواك، وافترضت أنّها ستتيبس تلقائيا.
سجلّ خسائر العراقيين لن ينتهي إلّا بانتهاء حالة اللامبالاة هذه. ولا أظنّها حالة مستوطنة ومتجذّرة بقدر ما هي «مكسب» حققه السياسيون المتعكزون على الطائفية والقبائلية والمحاصصة وإثارة الشارع نحو المزيد من الدّم.
هؤلاء لا ينتظرون محاكمة، إنما علينا أن ننتظر تحرّكاً شعبياً يعزلهم، ويفضح سلوكهم، لعلّ الجماهير ترى فيهم غير ما ترى فيهم الآن.