اعمدة طريق الشعب

تكميم الافواه سياسة العاجزين / مرتضى عبد الحميد

لم تكن محاولة اغتيال المرجع الديني الكبير فاضل البديري في مدينة النجف الاشرف استهدافاً شخصيا له فحسب، على اهمية ذلك، لأنه اعلن رأيه بصراحة تثير الاعجاب والتقدير ضد اتفاقية «عرسال» المشؤومة، التي جعلت من الحدود العراقية ساحة لتصفية الحسابات الدولية والاقليمية فضلا عن توفير فرصة ذهبية لـ (داعش) وسائر الارهابيين في العودة الى العراق من الشباك بعد ان طردتهم قواتنا المسلحة البطلة من الباب، ولكي يظل العراق رهين المحبسين، بين صراعات الفرقاء والسياسيين العبثية من جهة، والتدخلات الخارجية في شؤونه الداخلية من جهة اخرى.
ولا لأنه يغرد خارج السرب، كما يتهمه بعض الأفاقين، وإنما لغايات اكثر شمولية، رسمها المخططون بعناية، ويمكن تلخيصها بالتصدي المبكر لظاهرة جديدة نوعا ما في الاوساط الدينية، تهدف الى تجاوز حالة الانكفاء والنكوص صوب الهويات الفرعية، وخاصة الطائفية منها، الى الفضاء الأرحب الذي يضع الشعب والوطن في المرتبة العليا من الولاءات الشخصية والجمعية.
ان منسوب الوطنية الآخذ بالتصاعد على حساب التشبث بالهويات الجزئية التي تسبق عادة قيام الدولة الحديثة، هو امتداد للدور المشرف الذي لعبه رجال الدين المتنورون في ثورة العشرين وما بعدها، الامر الذي يدركه جيداً، ويعاديه الطائفيون والفاشلون والعاجزون عن استيعاب واحترام الراي الآخر، دع عنك التفاعل معه، لا نه يعرّيهم ويجردهم من ورقة التوت التي يتبرقعون بها، للحفاظ على امتيازاتهم ومصالحهم الانانية ونهبهم للمال العام والخاص، وكل ما تصل اليه ايديهم.
لقد كان الشيخ الجليل، البديري، شجاعاً، شجاعة متميزة حقاً، ينبغي للعراقيين الاقتداء بها، عندما اصدر بيانه التاريخي الذي ادان بشكل لا لبس فيه صفقة «عرسال» وعدم رضوخه لكل التهديدات الاجرامية التي وجهت اليه، مسجلا نصراً رائداً للضمير، وللوطن ولرجل الدين الحقيقي.
وكما يقال فقد بلغ السيل الزُبى، ولم تعد عملية تكميم الافواه والتهديد بالتصفيات الجسدية مقتصرة على المدنيين والديمقراطيين وكل معارضي الفساد والخراب، وانما انتقلت بدعم واسناد من وراء الحدود الى رجال دين اجلاء، يعرفون حق المعرفة ان الساكت عن الحق شيطان اخرس، وهم سائرون في هذا الطريق المشرف، رغم قلة سالكيه!
الملفت للنظر ايضا ما جاء على لسان مرجع ديني كبير آخر، هو السيد فاضل المالكي، من ان الذين حاولوا اغتيال المرجع الديني السيد فاضل البديري، هم انفسهم الذين مارسوا الغدر والكذب، واغتالوا الكفاءات والكوادر العراقية والشخصيات الوطنية، فماذا تنتظر الحكومة واجهزتها الامنية لتمارس دورها وتضرب بيد ثابتة (ولا نقول بيد من حديد، فربما يكون هذا مطلباً صعباً او تعجيزياً في الظرف الراهن).
على هؤلاء الذين لا يريدون للعراق خيراً سواء كانوا طائفيين او ارهابيين او مجرمين عاديين، فمسؤوليتها الاولى هي حماية ارواح مواطنيها واملاكهم وكراماتهم، وعدم السماح بمصادرة حرياتهم والعبث بالدستور، وبالتالي تطبيق شريعة الغاب التي تجعل هيبة الدولة في مهب الريح.