اعمدة طريق الشعب

فاضل خليل ليس لوحده / قيس قاسم العجرش

رغم ان الموت قانون أزلي، لكن الحزن أيضاً لا مفر منه. ومع رحيل الفنان فاضل خليل أضع تساؤلاً، هل نحزن على الانسان الذي رحل(والذي لا بدّ يوماً أن يرحل)، أم إننا نحزن على المعنى؟.
ومع كل رحيل لفنان، أو أديب، أو كاتب، أو أكاديمي مرموق، أو طبيب بارع، أو شخصية ابداعية مهما كان فرع الابداع فيها يتحدد السؤال، هل بالإمكان تعويض هذه الخسارة؟، أم أن النضوب عن الابداع هو الآخر صار حتماً أزلياً وقدراً علينا أن نتعايش معه؟. صحيح أن هناك أجيالا تنمو وتخرج وتصنع نفسها الآن، وصحيح أن الابداع لن ينقطع من دم الشعوب، لكن من الصحيح أيضاً أن ننظر الى المرحلة الراهنة وكأنها تحارب الابداع، وكأن الابداع صار ترفاً لا يحق للعراقي المزكوم والموجوع بالإرهاب وفوضى السياسة أن يتمتع به. هل قلت انها مرحلة؟، وقديما قالوا أن المرحلة هي المسافة بين موضعين يضطر الرحّالة بينهما الى وضع متاعهم عن قافلتهم للاستراحة.
طبعا لا نحتاج الكثير من التفكير والتبصّر لنعرف أننا، وبسبب من آفة السياسة، والطائفية، والارهاب، والفوضى، والفساد، مازلنا عالقين مع هذه الرزايا مثل مخنوقٍ وجد نفسه في مِصعد معلّق ومتعطل بين السماء والارض.
فاضل خليل يرحل ويترك وراءه إرثاً مسرحياً وفنياً صار من الصعب على(المرحلة)الحالية أن تقدم مثله، و الأمر ذاته يسري على باقي الفنون الابداعية، فأي حديث عن الفنون والوطن بنفسه يتعرّض الى التمزق؟.
ليس من باب الترف الحديث عن الفن في وقت ترتجف فيه خارطة العراق وتكاد تتمزق، لكن هل من حيلة ممكنة تعالج التعلق بالوطن بوصفه مرضاً؟.
لا أظن أبداً ان هذا الأمر مجاني، بل ستكون كلفته مضاعفة بأضعاف ما نتصوّر.
رحل فاضل خليل ومعه فن قدّمه الى وطنٍ صار يصعُب عليه أن يمتع أطفاله وشبابه بهذا النوع من المعرفة، فأي مصائب هذه التي نحن فيها؟..ربما سنعرف عندما نفقد فاضل خليل آخر، وربما سنعرف طعم الفنون عندما يصير من الصعب جداً شرحها للجيل القادم، الجيل الذي لن يجد الكثير من الفنون أمامه.