اعمدة طريق الشعب

قدسية العلاقات الإنسانية / حسين فوزي

لست ممن يعتقدون بقدسية الحدود الوطنية قدر إيماني بقدسية العلاقات الإنسانية، وفي قناعتي فأن العلاقات الإنسانية المبنية على المودة والتراحم والتعاون الواعي هي التي ترسم اقوى الحدود لأي وطن.
ونحن العراقيين العرب وبقية الأطياف، بدون منة على احد، نعي بضرورة ان نقدم كل ما يأتي من عوائد نفط البصرة المعطاء وبقية محافظات الجنوب لأشقائنا في كردستان وبقية ارجاء الوطن العراقي الكبير. شراكة بدون منة، شراكة بكل الاحترام والحرص على التعاون الأخوي. وهذا ربما هو السر في ان يقول لي صاحب متجر في اربيل وصاحب مطعم في السليمانية وموظفون من كل ارجاء كردستان، انهم عراقيون، وهم يجدون الخير في ان لا تكون حدود ولا قيود على حركة العراقيين إلى محافظات كردستان وبالعكس.
إن «الشعب العراقي» الذي سعى المرحوم فيصل الأول إلى بنائه في رسالته بمناسبة استقلال العراق وقبوله في عصبة الأمم في الثالث من تشرين الثاني 1932 قد بدأت ملامحه تتبلور من خلال بنى اقتصادية من الانتاج الزراعي والصناعي والسياحي.
نعم كردستان موطن شعب، لكن لهذا الشعب مصالح تصب في بوتقة العراق، وللعرب وبقية «الشعوب» العراقية مصالح تصب في بوتقة وطن اسمه العراق، قدسيته تأتي من التآلف الذي سطره الدستور، من لحمة روابط انسانية، بعضها عائلية عريقة، وقبلها وبعدها علاقات ووشائج مصالح عميقة يكمل بعضها البعض.
والمادة 140 هي محاولة جادة لحل التنازع باللجوء إلى صندوق الاستفتاء تحت مظلة السلطة الاتحادية، وليس تحت سلطة اية جهة مسلحة اخرى. لست مع المليشيات الشيعية، لكن ماذا عن المليشيات المتسترة باسم سلطات الإقليم ولا تلتزم بقانون؟
إن الإيمان بقدسية الروابط بين المواطنين العرب والكرد والتركمان والآشوريين وبقية الأطياف، أو كما يصطلح البعض «المكونات»، هو الطريق لحل المشاكل من خلال اللقاءات والتفاهم، وقد كان السيد رائد فهمي وزير العلوم والتكنلوجيا رئيس لجنة المادة 140، سكرتير الحزب الشيوعي العراقي حالياً، حريصاً على تحقيق المستلزمات الضرورية لاستنفاذ بنود المادة 140. لكن ما جرى من شمول المناطق المتنازع عليها بـ «الاستفتاء» الأحادي خطوة خطيرة، تجاوزت كل حدود قدسية العلاقات الإنسانية من اجل قدسية سلطوية هي حدود دولة الحلم الكردستاني بدون احترام إرادة العرب والتركمان وبقية الأطياف، بل محاولة للهروب من ازمة مستفحلة في كردستان، الشرعية وشفافية توزيع الموارد.
القوى المدنية الديمقراطية حذرت من «قدسية» السلطة واغراءات التسلط، والمرجعية الشيعية عبرت بعمق عن حرصها على قيم الإنسانية في الإسلام وكل الأديان، في طرحها الداعي إلى الاحتكام لدستور المؤسسة الإنسانية العراقية القائمة، وليس مناورات احلام التسلط...وليس قدسية حدود الدولة بالدم على حساب روابط الإنسان العربي بالإنسان الكردي بشقيقهما التركماني وبقية المواطنين ...فهل تستجيب سلطات اربيل، ام أن ازمتها في شرعيتها وعدم شفافية التصرف بمواردها تمنعها من العودة إلى قدسية الأخوة العربية الكردية؟؟؟