اعمدة طريق الشعب

السّعودية / قيس قاسم العجرش

العراق»أقدم»وجوداً من السعودية ببضعة آلاف من السنين! والمملكة نشأت بشكلها الحديث عام 1953 فقط. والمملكة تتسمى باسم عائلتها الحاكمة، لا باسمها التاريخي لأن المكان تاريخياً يعود الى»كل العرب»، فهي الجزيرة العربية وليست غيرها على وجه الأرض بُقعة تستحق أن تسمى بأنها» أريبيا»غير جزيرة العرب.
كل هذه الجُمل تبدو تامة، مبتدأ وخبر، مثلما تبدو متوافقة مع حقيقة المعلومة التي تحملها. إلّا أنها بلا قيمة فعلية في معايير الساحة السياسية والعلاقات الخارجية.
الأمر لا علاقة له بعمر الأنظمة السياسية، أو بطريقة تسميتها وتشكّلها. كل ما في الحصيلة أن السياسة الخارجية لأي دولة بحجم العراق عليها أن تتعامل مع الواقع ولا شيء غير الواقع الدولي حولها.
نعم، السياسة هي فن الممكن في الوقت الصعب. وفن العلاقة في الوقت الذي تصعب فيه العلاقة. وفن التواصل في الوقت الذي يبدو فيه التواصل وكأنه مُغامرة.
السياسة هي فن خلق الأبواب في وقت تضيع فيه خرائط الأبواب التقليدية.
كل ما يمكن أن يقال عن المملكة العربية السعودية، ومزاجها الشعبي العام وأدائها السياسي تجاه العراق قد قيل بالفعل، ورأيناه، واكتوينا به، وعرفنا أمده وسقف ممكناته. ووصلنا الى النتيجة التالية: لا يمكن العيش في هذا الجزء من العالم مالم تكن الترتيبات الأمنية مشتركة، سواء مع الأصدقاء أو أنصاف الأصدقاء، أو حتى الأعداء الذين يلبسون مؤقتاً ثوب الأصدقاء.
وعلى الضفة الأخرى، لا يمكن لأي دولة، أو نظام ، أو جماعة، أو عصبة دولية أن تزعزع استقرار بلد ما، مالم يكن هناك داخل ذلك البلد أحد متوفر ليفتح لهم النوافذ.
لو آمنّا بمبدأ عدم التدخّل في الشؤون الداخلية للآخرين، لكان علينا أن نتساءل: ما هو الخطر الذي تشكّله التجربة العراقية بوضعها الحالي على الاستقرار السعودي الداخلي؟
والى الذين تعوّدوا توجيه اللائمة للنظام السعودي بسبب دعمه المُفترض للأصوات المتطرّفة والإرهابية في العراق(سواء كانت هذه المعلومات صحيحة أم خاطئة، أم بين بين)، عليهم أن يطرحوا هذا السؤال وأن يجتهدوا لإيجاد جواب صادق مباشر.
السعودية لن تغادر مكانها. والمفروض الّا يكون هناك أي عمل على الأرض العراقية يفهم منه السعوديون أن أمنهم وبقاء نظامهم سيتهدد مما يحل في العراق. وفي المقابل، على السعودية أن تفهم أن العراق هو الآخر لن يغادر مكانه، وأن شعبه لن يغير جلده. وعليها أن تتعامل معه كما هو لا كما تتمنى.
الخلاصة أن الطرفين بحاجة الى رسائل تطمين جادة من بعضهما البعض، ربما تكون هذه الأيام مناسبة تماماً لتبادلها بين الرياض وبغداد.