اعمدة طريق الشعب

الشعر بوصفه طريقة إقناع / قيس قاسم العجرش

قول أحدهم(أو أحدنا) بأنه لا يُحب الشعر، لا يشبه قوله: أنا لا أحب الباذنجان مثلاً!. السؤال المنطقي اللاحق هو: ما شدة زمجرتك واكفهرار وجهك لو كان الطعام الوحيد المُتاح في البيت هو الباذنجان( الذي تكرهه بطبيعة الحال) وأنت جائع؟.
الشِعرُ لا ينتظرُ حُبّ أحدنا أو كرهه كي يكون شعراً.
لم أكتب الشِعرَ لكنّي قرأته، فضولاً مرّة واستطلاعاً مرّة أخرى وترنّماً مرّة أخرى. ولديّ حساسية تجاه الشعراء الذين يعملون في فضاء إعلامي - صحفي. في كثير من الأحيان تجمعهم القطيعة مع الفهم الرياضي(من الرياضيات) للأسباب ونتائجها، فيميلون أكثر الى ربط الأشياء بروابط تستخدم لغة الشعر للتأثير والبرهنة. وهذا بالتأكيد ليس ضمن الخيارات الاولى للصحفي المُحترف...بل إن كل (رئيس تحرير) مهني سيبعد اللغة الشعرية عن أنظاره حالما يستلمها من(الشاعر) الذي يعمل صحفياً بعد الظهر!.
لكن هذا الالتواء لا علاقة له بالشعر.
حين نتحدث عن قُبح اللون الأحمر أو الأخضر اذا استخدم في خياطة البدلات الرجالية، فهذا لأن أول صورة ستقفز الى أذهاننا هي صورة سمير غانم في شخصية «فطوطة!»..فيغدو الأمر كوميدياً على الاطلاق.
ايضاً، الأمور لا تقاس هكذا في عالم الشعر.
فالقبحُ والرّداءةُ والرّخصُ والفهلوة اللفظية في اللا معنى والصّور الشعرية الساذجة والكلمات التي تبدو انها تكرر نفسها، ستذهب بالشعر الى خانة الكلام الرخيص حتماً. وعندنا من الشواهد أكوام من القمامة الشعرية التي يطبعها أصحابها على أنها دواوين. لكن!.. ما للسياب العظيم وهذا؟(السياب على سبيل المثال للعُمق الشِعري المُبدع والجميل)... بل. ما للشعر وهذا؟.. الشعر الذي هو المثابة الانسانية الابداعية الباقية ما بقيت اللغة. سيبقى إبداعاً طالما أنّ أجيالاً وذائقة واسعة من المتلقـّين وآراء النُخَب الحقيقية تعدّه إبداعاً.
لكني بثقة أقول، إنّ هناك عددا كبيرا من الأفراد يؤمنون بأنهم شعراء، لكن الفرصة والحظ قد تآمرا عليهم. و هذا أمر يُنذر بالمرض في الحياة الثقافية. مَرضٌ حتماً. بل إنه جزء من الغرق في الوهم الذي يطبــش فيه مجتمعنا باقتصاده وسياسته وتعليمه وعقائده. فلماذا سيشذ الشعر عن الوقوع في هذا الوهم؟...هل سنتسامح مع المَوهومين شعرياً فقط لأننا(غير مؤهلين)للحكم على شعريتهم؟...هم يدّعون علينا( نحن اللا شعراء!) في معرض دفاعهم عن كونهم هُم الشعراء!.. لكن الشاعر ليس من المفروض أبداً ان يخوض حروباً من أجل هوية...فهوية الشعر تثبت نفسها بنفسها. ولا حاجة للدواوين المِسكينة أبداً. بل لا حاجة لأحد أن يُحب الشعر. هو يبقى بذاته فقط.