اعمدة طريق الشعب

الزواج .. بين المُلّه والسيد! / طه رشيد

في مطلع خمسينيات القرن الماضي، حلت على دارنا، الواقع في إحدى قرى ديالى، ضيفة برفقة زوجها وطفلة كانت تقاسمني اللعب في باحة الدار الواسعة. المرأة تختلف عنا بالملبس واللكنة، خاصة حين تتحدث مع زوجها. وكلما اناديها «خالة» كانت تبتسم وتقبلني، وشعرت بحنان غريب من جانبها، ورحت أزيد من مناداتي لها بخالة، حتى عنفتني والدتي، وانا في نهاية العام الرابع من عمري، قائلة: « ولك ليش اتصيحلها خالة؟!»
ولم أفهم اعتراض والدتي حتى شرحت لي بأن هذه المرأة هي أختي الكبرى، وقد تزوجت من رجل عسكري مصلاوي الحسب والنسب يسكن إحدى قرى الموصل، وقد تزوجت في عام ولادتي!
بعدها لم التق بشقيقتي إلا مرات معدودة لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة! لكني كنت اتسقّط أخبارها واخبار أولادها السبعة وأحفادها. وعلمت بعد حين بأن زواجها من هذا الرجل، وهي بنت الخامسة عشر ربيعا، كان تقليديا، اي بحضور « الملّة» أو «السيد» والأمر سيّان.
بعد أربعة عقود من زواجها، اقترن زوجها بامرأة أخرى. وهنا فقط، انتبهتْ الى أنها لم تسجل زواجها في المحاكم المدنية، وهو ما يحرمها ويحرم أطفالها من حق الإرث، وخاصة في وجود «ضرّة « لها!
كانت تلح على زوجها بتسجيل زواجهما رسميا، الا ان المرض الذي داهمه، لم يسمح لهما بما يجب فعله. ومع سنوات الحصار والقلق من مستقبل غامض، وبالرغم من ان أولادها قد كبروا وراحوا يعملون في قطاعات مختلفة، إلا أنها غادرت الدنيا وفي صدرها حسرة الحصول على ورقة رسمية تثبت زواجها من ذلك الرجل الذي حرمها من الميراث!
بعد كل هذه العقود من السنين، وبعد أن أقر العراق قانونا للأحوال الشخصية، رقم 188 في عام 1959، يؤشر ضمنا إلى رقي الحالة العراقية وخاصة وضع المرأة الاجتماعي والسياسي، حيث احتلت أرقى المناصب، والجميع يتذكر المناضلة الراحلة نزيهة الدليمي التي أصبحت وزيرة في تلك الأعوام، ليسجل العراق بادرة أولى من نوعها في عموم الشرق الأوسط. وراحت المرأة تؤسس روابطها التي تدافع فيها عن حقوقها في مختلف المجالات.
وسجل العالم، بقاراته المختلفة، احترامه للتطور الذي حصل في هذا الشأن على ارض وطننا.
وبعد كل هذه العقود من السنين وذلك التطور الذي حصل، يأتي من يريد أن يجعل من المرأة سلعة تباع وتشترى، والعودة إلى عصر الجواري، وبيع النساء في الأسواق العامة والخاصة، من خلال تعديل قانون الأحوال الشخصية لعام 1959! ويبيح هذا التعديل الاقتران حتى بالطفلة في التاسعة من عمرها!!
إنهم يطلقون رصاصة على الطفولة المكتوية بنقص المدارس والكتب والملابس!
اي برلمان هذا الذي يوافق على قانون كهذا في القرن الواحد والعشرين!
تبا للاصابع التي اختارتكم!