اعمدة طريق الشعب

واحات لابتكار الجمال !/ عماد جاسم

يجتهد ناشطون ومثقفون في البحث عن ملاذات آمنة للفرح والحوار، وهم يشاكسون المعتاد ويحثون الخطى لاصطياد الامل الهارب، مبتكرين واحات معرفية يجتمعون فيها وينظمون الامسيات الفنية والادبية، معززين ذلك بادامة الحوار القائم على الفهم المشترك لضرورة انعاش بغداد بتلك الملتقيات، متحدين قتامة الصورة التي يرسمها الوضع السياسي المتأزم.
انهم مناضلون من الطراز الرفيع، اذ انهم يسعون لافتتاح مشاريع ثقافية بقدراتهم الشخصية دون ادنى دعم يقدم لهم من مؤسسات حكومية , ويراهنون على وعي مجتمعي متوارث لابناء بغداد المحبين للسهر والمسامرة المنتجة التي تبقي هذه البلاد ضمن سياقها الحضاري والمدني.
ولعل منتج تلك المشاريع على محدوديتها يعطون انطباعا لا يقبل الشك عن وجود ارادة تغيير مجتمعية وحركة تمدن، يقودها مروجو ثقافة الامل.
ففي كل امسية لعرض فلم سينمائي او حضور امسية شعرية او محاضرة فكرية وثقافية مفتوحة، في ملتقى جديد اسسه مثقفون يتوسط شارع ابي نؤاس ويحمل اسم «بغداد السلام» , اود ان اصفق بحرارة للمبادرين والمجتمعين، الذي كانوا امناء لفكرتهم الاساسية في خلق بيئة حوار معرفي تضم وتجمع محبي الفكر والفن في مكان يطل على دجلة ليكون الجالس في هذا الملتقى ماخوذا بنسمات شارع الذكريات البغدادي، والذي يؤرخ لامسيات الرفقة الحميمة عند اغلب العراقيين.
تلك الملتقيات تتعدى كونها مقاهي او ملتقيات للتجمع فقط فقد امست صورة من صور التحدي للظلام الذي يحاول ان يفرضه منتجو الأزمات من اصحاب التوجهات الاحادية، ممن يكفرون الابداع والفنون والجدل الحر. انها محاولات لصناعة البهجة والتذكير بأن بغداد تستعيد ألقها وسحرها وانوثتها , بغداد التي كانت مرفأ المبدعين وملاذهم تجيد اليوم مقاومة الكسل والاندثار .
في الكثير من عواصم العالم تحتفي الدولة بافكار كهذه وتسعى لاستثمار نجاح هذه المشاريع لادامة السياحة وتنشيط العمل المدني المنتج. لكن في العراق الامر مختلف، بل قد يكون معاكسا لتوجهات العالم. اذ لا تحظى ملتقيات كهذه بأي تعاون او حتى مباركة من أمانة العاصمة او هيئة السياحة او وزارة الثقافة، وبذلك يقف الناشط المبادر الذي ابتكر الفكرة ونجح في استقطاب محبي هذه التجمعات، عاجزا عن الاستمرار في تحمل الخسارات المادية، نتيجة ضعف الايراد وتزايد انواع الضرائب وبدل الايجار.