اعمدة طريق الشعب

لا نريدُ أطفالاً ..! / عبد السادة البصري

قبلَ يومينِ حدّثني صديقي عن معاناتِهِ في المستشفى ساعةَ ولادة طفلته التي انتظرها ثماني سنوات ، قائلاً : إذا كل حالة ولادة عندنا بهذا الشكل، فلا أريد أطفالاً إلى الأبد!!
تعجبت من كلامه فقلت له: لماذا .. البنون زينة الحياة،؟! أجابني: ما رأيته في المستشفى الليلة البارحة أصابني باليأس والقنوط !! وأخذ يسرد حكايته لي:
يوم أمس بدأت علامات الولادة على زوجتي ، فأخذتها إلى المستشفى التي تعمل فيها إحدى قريباتنا لتهتم بها وتكون الولادة يسيرةً على زوجتي التي لم تحمل منذ ثماني سنوات.. ويا ليتني لم أذهب ، حيث بدأت عمليات استدرار ما في الجيب منذ اللحظة الأولى لدخولنا. قطعت تذكرة الدخول للمستشفى ــ الحكومي طبعا ــ بسعر (25 ألف دينار) وبعد دقائق اخبروني بأنها تحتاج إلى عملية، وان تذكرة إجرائها (50 ألفاً)، وما أن جاءت الفرّاشة بالكرسي المتحرك حتى طلبت (10 آلاف ) ثم طلبت أجرة الدفع (10 آلاف ) أيضا .. وبعدها بدأت الطلبات الأخرى: ابر التخدير من الصيدلية خارج المستشفى، و القطن والشاش ومحلول التعقيم والمغذّي و قناني الدم ، وغيرها ــ وهكذا روح وتعال وكأنني جالسٌ على خزانة مصرف ، حتى زهقت روحي وقلت: ياليتني لم أتزوج أبداً وليتها لم تحبل ، فالطلبات والأوامر ابزعتني روحي.. صرخت: يا ناس كيف حال الذي لا يملك درهما في هذا الوقت؟ بالتأكيد ستموت زوجته وجنينها دون مراعاة لأدنى شعور للإنسانية الحقيقية؟
حديثهُ الموجعُ هذا جعل يومي نكداً، رحت أفكّر في حال الفقير كما قال وكيف ستؤول أموره على وفق هذا المنوال، إذا حملت زوجته سيتمنى الموت له ولها وللجنين حتما!
لهذا علينا التفكير بجدٍ وانتماءٍ حقيقيٍّ للناس، ولنُدركَ أنّ الحروبَ والموتَ المجانيّ والأزماتِ والفسادَ أكلت الأخضر واليابس ، ولنُبقِ على شيءٍ صغيرٍ جداً يجعلنا نُحبُّ الحياة، ألا وهو الضمير الإنساني. فإذا صرنا بلا ضمير ــ ونكاد نصير حتما ــ فستؤول حياتنا إلى جحيمٍ لا يطاق ، وسنأكل بعضنا البعض!
على كل مسؤولٍ أنْ يعيَ دورَه الإنسانيّ الحقيقيّ ويعرف انّه راحلٌ ذات يوم وما عليه سوى أنْ يعمل خيراً ولو بقدر حبة الحنطة، كي يذكره الناسُ بالخيرِ بعد سنوات. وليعلم الجميعُ إنّ التأريخ لن يرحم أحدا ، ولنتّعظَ من سير الذين سبقونا في الجلوس على الكراسي ، ولا نترك الشعب يُعاني من شظفِ العيشِ والحرمانِ والأزماتِ صارخاً بأعلى صوته: لا أريد أطفالا .. فالمستقبل مجهول ومخيف إذا كان حاضرنا هكذا!!