اعمدة طريق الشعب

صباحا يا عراق ما بعد التحرير / د. علي إبراهيم

سمع الجميع أن آخر شبر من الأرض العراقية قد تحرر من رجس داعش وأخواته وعماته وخالاته.
هل هذه حقيقة يجب أن نسلم بها، ونعلن أفراحنا ونسمع العالم أناشيدنا وأغانينا التي ازدادت كلماتها حزنا وبكاء ولبست أثواب الحداد المستديم؟
أنا لا أدعو الى ذلك الآن. لأن ذيول داعش باقية. وأسباب وجودها متربعة على كل شبر من أرض البلد تنتظر فرصة أخرى للانقضاض والطريق سالك، مادام المفسدون أحياء ينهبون. ومازالوا في مواقعهم السيادية ويتهيؤون لانتخابات جديدة والنصر حليفهم بفضل القانون المجحف ومفوضية المحاصصة، والوعي الانتخابي المتدني، والجوع أبو الكفار، ولديها من مال السحت تهضم ما تهضم، والقضاء مصطف معها، والشعب يتطلع إلى صبح زاهر، ومستقبل باهر. أحلام وأضغاث أحلام.
هل ما يجري هو بهذه السوداوية أو بهذه العتمة على أقل تقدير؟ نعم هو كذلك، وما خفي أعظم. والكثيرون لا يرون في الأفق جذوة نور تطفئ ظلمة في القلب وفي المشاعر. وربما هذا ما جعلهم يلوذون بالصمت، وهم يسمعون أجراس النصر تدق في أرجاء العام عبر كل الفضائيات والإذاعات، وكأن نصرا لم يتحقق، وكأنه جاءنا هبة، فلم تسفح دماء العراقيين عربا وكردا ،مسيحيين وصابئة، دماء كل العراقيين من شماله إلى جنوبه ومن شرقه إلى غربه، جَلّت هذه الدماء، وهي موضع فخرنا الآن وفي المستقبل.
والشهداء أشرفنا، وعلى الأحياء أن يصونوا هذا الشرف بمحاربة من جعلهم يرحلون لا زهدا بالحياة الحلوة الكريمة، إنما بدافع وطنيتهم الحقة وحب الحياة بشكلها المغاير... ضحوا أملا منهم في أن ترى عيون الأحياء منهم بلدهم بلدا للعدالة والسعادة والرخاء ينمو فيه أبناؤهم في نعيم بلا خوف من الحاضر أو المستقبل.
ولا يوجد مسلك لتحقيق هذا الحلم إلا طريق محاربة المقصرين، وعلى رأسهم الفاسدون، لأن المفسد لا يحارب الفاسد. وأملنا كبير بالعراق الذي لا يخلو من الشرفاء، ومنهم من حرروا العراق بنصر عسكري مبين. لكنه ليس آخر المطاف، فالمعركة القادمة تتطلب إجراءات علنية، قانونية، بعيدة عن الانتقام الشخصي والعشوائي.
نريد إدانة واضحة وصريحة، وأحكاما عادلة تعيد الى الشعب حقه والى الوطن عزته.وعندما يرى العراقي أن ناهبي أمواله، ومخربي اقتصاده، ومرتكبي شتى أنواع الجرائم يساقون إلى الزنازين مهما كانت مواقعهم، عندها ستدق الطبول ويخرج الشعب العراقي عن بكرة أبيه معلنا فرحته الكبرى بيوم النصر.
فرحة تعيد لنا مجد تموز العظيم وأفراحه.