اعمدة طريق الشعب

اتفاقية متأخرة / قيس قاسم العجرش

هناك اتفاقية أممية، تسمّى "إتفاقية العَمَل الدولية ذات الرقم 87 لسنة 1948"، وهي تختص بتنظيم العمل النقابي في البلدان الموقّعة عليها.
وباختصار تقول هذه الإتفاقية: إنه لو كانت هناك مِهنة قانونية، وهناك عاملون فيها يتجاوز عددهم 5 أشخاص، ولو كان هناك ربّ عمل، إذاً لصار هناك حق مطلق في تشكيل "نقابة" تمثّلهم.
وبالتأكيد قد تشوّه دور النقابات خلال عقود طويلة من الحكم الدكتاتوري والشمولي الذي وقع على رؤوس العراقيين مثل قدر سيء العواقب. ولا نبالغ لو قلنا أن النقابات لعبت خلال تلك الحقبة دور "مديرية للتجنيد"، ضمن صفوف المنخرطين في مهنة محددة، ومحطة مخابراتية لجمع المعلومات عنهم.
وبقي الشيء الكثير من هذه المواريث حتى بعد زوال النظام الدكتاتوري، واليوم نحن نرفل بالنظام الديمقراطي على الطريقة العراقية المتفردة ومازالت معظم النقابات تعمل وفق قوانين خاصة. والأصل أن يكون هناك قانون واحد مكتوب على ضوء متطلبات هذه الاتفاقية الأممية التي التحق العراق بها قبل أيام فقط!
هناك جهد يجري حالياً لعقد مؤتمر(للنقابات)، والجهة التي تبذل هذا الجهد لانعرف بالضبط إن كانت تستوعب فضاء الحرية الذي تعنيه الإتفاقية الأممية أم لا. العراق الآن بعد التحاقه بهذه الإتفاقية صار ملزماً اتباع المعايير الأممية في هذا الشأن، وهي الحرية المطلقة في تكوين النقابات والإنتماء لها. وسيتحتم على دوائر الدولة أن تبتعد عن أسلوب التعامل مع أي نقابة على أنها(دائرة حكومية)تمنح التأييدات والدمغات مقابل بعض المال مثل أي عرضحالجي في الشارع.
هذا الدور، هو أسخف الأدوار التي يمكن أن تناط بنقابة كي تؤديها، والدور الأول لأي نقابة هو الحفاظ على مصالح المنتمين لها وفق الأطر القانونية. وهذا يعني أيضاً انه السقوط النهائي لنظرية "الممثل الشرعي والوحيد" لفئة مهنية ما.
لقد انتهى تماماً وقانونياً هذا العصر، وصارت حرية تشكيل النقابات مدعومة من جدارين: الأول هو الدستور، والثاني هو تصديق العراق على الإنتماء الى الاتفاقية الدولية.
الكرة الآن في ملعب أصحاب المهن والنقابيين. دستوركم في يدكم وانتم أحرار في تشكيل نقاباتكم التي يجب أن يكون الهدف منها هو الدفاع عن المصالح، والتفاوض الجماعي مع أرباب العمل، وتنظيم شؤون المهنة.
الحرية بمتناول اليد...لكنها متاحة فقط لمن لديه إرادة على قطف ثمارها.