اعمدة طريق الشعب

هل يتعظ الحكام العرب؟ / مرتضى عبد الحميد

خطوة "ترامب" الأخيرة، بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس، وإعتبارها عاصمة أبدية لإسرائيل، أكدت من جديد أن هذا الرئيس المصنع في أروقة (الوول ستريت) ولم تكن له علاقة كبيرة بالسياسة سابقاً، جيء به إلى البيت الأبيض، ليطمن مصالح الرأسمال المالي، والمجمعات الصناعية والعسكرية الكبرى في الولايات المتحدة، وليعيد إنتاج دور الشرطي الدولي، الذي ضَعُف إلى حدّ ما أيام "أوباما".
قرار نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، أتخذ منذ عام 1995، أي قبل أثنين وعشرين عاماً. ولكن حكمة الرؤساء الأمريكان السابقين، وصواب تقديراتهم، بشأن ردود الأفعال العربية والإسلامية، وخاصة الشعبية منها، والمخاطر التي يحملها هذا الإجراء في حالة تنفيذه، رغم تعاطف جميع الإدارات الأمريكية الجمهورية والديمقراطية بقوة مع أسرائيل، ودعمها المطلق لها، حال دون تنفيذه وأدى الى تأجيله حتى وقت آخر مناسب، قبل الإقدام على هذه الخطوة العدائية.
الاَن حان الوقت المناسب، حسب تقديرات "ترامب" واللوبي الصهيوني، للقيام بها نظراً لـ تشرذم العرب وإنشغال دول المنطقة بحروب الطوائف والمكونات الاجتماعية، ودون ان يهتما بمشاعر ثلاثة مليارات إنسان من المسلمين والمسيحيين، ولا بتعمق محنة الشعب الفلسطيني، والظلم التاريخي الذي يعاني منه.
إنه أيضاً تحدٍ سافر للمجتمع الدولي، ولقرارات الشرعية الدولية، الممثلة بمجلس الأمن والأمم المتحدة، التي تنص من بين أمور كثيرة، على أن القدس هي العاصمة المشتركة للفلسطينيين والإسرائيليين. ولذلك رُفض قرار "ترامب" الذي ينطبق عليه المثل المشهور (مسودن وبأيده فاله) حتى من لدن أقرب حلفائه، مثل بريطانيا، فرنسا، ألمانيا، كندا، وبقية الدول الكبيرة والصغيرة.
إن شعارات الحرية والديمقراطية والدفاع عن حقوق الإنسان، التي تنادي بها الإدارات الأمريكية المتعاقبة زوراً ونفاقاً، تتكشف حقيقتها هذه الأيام بشكل خاص حتى لأقل الناس فطنة وذكاءً، بل ولمن كانت السذاجة لصيقةً به.
ربما يشذ عن القاعدة حكام الدول العربية ، ليس لأنهم مؤمنون بما تقوله الإدارة الأمريكية، بل لانها توفر لهم الحماية من شعوبهم، وتضمن مصالحهم، ونهبهم لثروات بلدانهم.
ولهذا لا أحد يتوقع أن يتعظ أحد منهم، ويتخذ موقفاً شريفاً، ولو كان يتيماً، ضد الأمريكيين، ومن إدارة "ترامب" تحديداً، وان ما أظهروه من غضب على الصعيد الإعلامي، وإصدارهم بيانات الشجب والاستنكار، لا يعدو أن يكون زوبعة في فنجان، وسيعود "الغاضبون إعلامياً" الى سيرتهم السابقة، في تملق الأمريكان والسير في ركابهم بمذلة، وبالتالي تفريطهم بالقضية الفلسطينية التي يدعون كذباً أنها قضيتهم المركزية.
أما الشعب الفلسطيني، الذي أثبت دوماً أنه شعب حي وأصيل، ولا تنقصه البسالة والإصرار الثوري على حماية أرضه واسترداد حقوقه المشروعة، فلن يستكين أبداً. وقد بدأت طلائع إنتفاضته البطولية، تطرق أبواب التاريخ من جديد، تدعمه فيها وتسانده كل شعوب الأرض التواقة إلى الحرية والديمقراطية، والى تقرير مصيرها بنفسها. وهو مصمم هذه المرة على عدم السماح لأعدائه وأعداء الإنسانية بالانتصار، وتحقيق أهدافهم الشريرة، سواء كانوا محتلين إسرائيليين، أو من حماتهم الأمريكيين، أو الخونة من أبناء جلدتهم.