اعمدة طريق الشعب

الحسينية(الزهور)! / قيس قاسم العجرش

فقط عند صبي في العاشرة، وفقط في الزحام الخانق عند مدخل هذه الضاحية، كانت هناك(زهور) يبيعها هذا الصبي. زهور بلاسيتكية اختار أن يبيعها على الضجرين المحشورين في السيارات المتزاحمة. بينما اختار آخرون أن يبيعوا خِرقاً تصلح لمسح زجاج السيارات، وآخرون اختاروا أن يبيعوا كارتات الموبايل، وآخرون اختاروا أسهل من هذا كله وهو أن يستعطفوا باسم الأولياء مشاعر المارّة وان يستجدوا منهم.
بعد ذلك، يقودك الطريق الى شارع رئيس مبلّط يمتد بضعة مئات من الأمتار. وبعدها ينحرف الشارع يساراً ليبدأ أمامك حي كبير وواسع ومترامي الأطراف. تسكنه أكثر من مائة ألف عائلة(وفقاً لتعداد البطاقة التموينية)، وهناك عدد غير قليل ممن لم ينقل بطاقته التموينية، ليصبح العدد التقديري الكلّي لسكّان هذه الضاحية في حدود مليون انسان وفق أرجح التقديرات.
بعد ذلك، تبدأ الصورة الحقيقية الدائمية لمنطقة الحسينية. شوارع ترابية على شكل تلال صغيرة، ومنهولات مفتوحة وحفريات تمدّ ماسورات المجاري التي سرعان ما ستمتلئ بالتراب قبل أن يبدأ تشغيلها الفعلي لأنها تركت مكشوفة. وأرصفة مندثرة جرى تشييدها قبل سنوات دون أن تكتمل فتحوّلت الى حد فاصل بين تراب الشارع(الافتراضي)وتراب الرصيف الذي لا يختلف عن الشارع.
والحال هذه، يصعب الى حد كبير دخول سيارات جمع القمامة بشكل منتظم، فاختار الناس رمي نفاياتهم وأنقاضهم في الساحات الفارغة. بينما رأى آخرون في هذه الساحات مجالاً حيوياً لإقامة مستوطنات عشوائية سيئة الحال والمظهر، طالما أن الوضع والأمني، وسلطة الدولة تغضان النظر عن نشاط كهذا.
عشرات الآلاف من الشباب سيجتمعون مع انتهاء الظهيرة في مقاهي بائسة؛ لا زهور ولا جمال ولا تسلية فيها. بينما يقضون معظم ساعات نهارهم في التسكع فلا عمل يؤدونه ولا مركز للشباب يلمهم، أو أن يتجهوا الى العاصمة القريبة كي يمارسوا نفس ما يمارسونه في الحسينية في العادة.
المكان أشبه بمخيم كبير، يائس من حال شوارعه التي لا تنفع فيها السيارات الصغيرة والبسيطة، واذا حدث وأن أمطرت السماء فالصورة ستكون غير هذه الصورة الترابية تماماً.
تظاهر أبناء الحسينية عدّة مرات، ووصلت اليهم آليات بشكل استثنائي كي تسهم في إكمال العمل في الشوارع لكن يبدو أنها لن تكتمل.
أحسست وأنا أكلمهم أنهم يائسون من الحكومة. وأتفهم سبب هذا اليأس. لكن هذا لن يغير من الأمر شيء، لأنهم متورطون في العيش هناك، ورطة ما بعدها ورطة.