اعمدة طريق الشعب

أمنيات عراقية يتجاهلها المتنفذون / مرتضى عبد الحميد

في بداية كل عام، تتجدد امنيات العراقيين، بالأمان والعيش الرغيد، اسوة بالكثير من شعوب الارض، والعديد منها لا تمتلك عشر معشار خيرات العراق، الذي صُنف واحدا من اغنى تسعة بلدان في العالم.
والغنى العراقي لا يقتصر على الموارد المادية من نفط ومعادن نفيسة، وارض معطاء يضرب المثل بخصوبتها وجودة تربتها، بل يشمل الثروة البشرية من علماء واطباء ومهندسين وتدريسيين، استأثرت باغلبهم المنافي او المقابر الجماعية والحروب الداخلية والخارجية.
السؤال الذي يصدم الجميع هو: لماذا يعيش بلد صغير مثل الدنمارك، لا يزيد تعداد سكانه على الخمسة ملايين، ولا تتجاوز مساحته الاربعين ألف كم2 الا قليلا، بمثل هذه السعادة والامان والاستقرار، بحيث يسمى عن جدارة بـ "دولة الرفاه" وهو ما ينطبق على السويد والنرويج ايضاً، علما بان الدنمارك ليس لديها نفط ولا ثروات طبيعية ذات قيمة، وكل ما لديها نظام ضريبي تصاعدي متميز، وثورة حيوانية وزراعة وبعض الصناعات الالكترونية، بينما تجد العكس تماما في العراق؟
يمكن الاجابة على هذا التساؤل بسهولة ما بعدها سهولة، لكل ذي بصر وبصيرة، وتتلخص بطبيعة النظام السياسي- الاجتماعي السائد في كلا البلدين، فهناك نظام ديمقراطي حقيقي، يلبي مصالح وحقوق جميع الدنماركيين، ويوفر لهم كل ما يحتاجونه من مأكل وملبس وسكن وخدمات على مدار الساعة، ونظام متطور للرعاية الاجتماعية، حيث لا تجد احدا ليس له مورد مالي، عاملا كان او عاطلا عن العمل، وهي بحق دولة القانون والمؤسسات، بالاضافة الى ان سياسييهم ومسؤوليهم رجال دولة يعملون لصالح بلدهم وشعبهم وليس لمصالحهم الشخصية او الحزبية كما هو الحال عندنا.
اما رجال الحكم والمتنفذون لدينا في العراق، فهم من طينة اخرى، فبعد ان ابتكروا نظام المحاصصة والطائفية السياسية، وتقاسموا اموال الدولة التي هي اموال الشعب العراقي، كما لو انها غنائم حرب وأسلاب، شرعوا بعد سقوط الدكتاتورية مباشرة، بالعمل لإضفاء الشرعية المزيفة على هذا النظام البائس، سعيا منهم لتأبيد وجودهم في هرم السلطة، للتنعم بخيراتها وسرقة مواردها الطائلة، دون أي اعتبار او اهتمام بمصالح الناس او حتى مصالح الطائفة او القومية او العشيرة التي يدعون تمثيلها، الامر الذي انتج دولة فاشلة بكل المقاييس وعملية سياسية عرجاء تتطلب الكثير من اجل اصلاحها وتغيير مضامينها.
ان الطموحات والاماني المشروعة لجماهير الشعب العراقي، في تحقيق السلام والخلاص من الموت المجاني، ومكافحة سرطان الفساد، ودفن المحاصصة الطائفية الاثنية، وتوفير الخدمات كاملة، وغيرها العشرات من الامنيات التي يتجاهلها، بل يعاديها المتنفذون في كل عام، لا يمكن تحقيقها، او حتى جزء منها بوجود هؤلاء، وهو ما اكدته المرجعية الدينية ايضاً، ودعت مع باقي الخيرين في هذا الوطن من ديمقراطيين ومدنيين واسلاميين معتدلين ومستقلين الى تفعيل الحراك الجماهيري، وزيادة الضغوط عليهم، وازاحتهم من مواقع المسؤولية التي تربعوا عليها في غفلة من الزمن، عبر المشاركة الفاعلة والكبيرة في الانتخابات القادمة واختيار اصحاب الكفاءة والنزاهة والوطنية، بدلا عنهم.