اعمدة طريق الشعب

لا أمنيات لديّ !/ عبد السادة البصري

في ليلة رأس السنة الجديدة جلست أقلّب دفتر ملاحظاتي خلال العام الذي مرّ، قلت في نفسي :ــ علّني أجد ما يسرّني ، أو أمنية كنت قد دونتها ذات يوم وتحققت ،، حقيقةً لم أجد سوى آهاتٍ وأحزان وأمانٍ ليس لها حدّ لكنّها سراب في سراب!
سرحتُ حيث طفولتي وكيف كنتُ أمنّي النفس بأحلام وأمنيات كبيرة أرسمها على الورق وأظلّ أقلّبها ذات اليمين وذات الشمال وأغنّي ! كم من الأمنيات كنّا نكتبها ونقولها ونجيب معلمنا حين يسألنا : ما هي أمنيتك في العام الجديد؟! أتذكّر إنني دائما أجيبه : أن أنجح وأحصل على درجات عالية !
قبل عام 2003 كنّا نمنّي النفس بالحرية والسعادة وزوال الغمّة التي جثمت على صدر البلاد والعباد، وكانت من بين أمنياتي أن أحصل على بيت يؤويني وعائلتي ، لأتخلص من غائلة الإيجارات وهمومها وقلقها وهواجسها التي لم تبرحني لحظة ــ طبعا لست الوحيد بل هي أمنية أغلبية الشعب ــ وانقشعت الغمّة وزالت الدكتاتورية الفاشيّة بكل مالها وما عليها ، لكن هل تحققت أمنيتنا ، وهي بسيطة جدا قياسا إلى المساحات الشاسعة من الصحاري والأراضي القفر؟! بالتأكيد لا، والدليل لحد هذه اللحظة أنا والآخرون نعاني من هموم الإيجارات و( يومية بمكان ) وكأننا لم ننتمِ لهذا الوطن أبداً، ولم نحمله نبضاً بين ضلوعنا وعشقاً أبديا!
لهذا في كل عام أجلس أقلّب دفتر الأمنيات ، لأجدني لا أملك أمنية واحدة أبداً ، لأن كل الأماني التي حلمت بها ذات يوم أصبحت سرابا، رُبَّ سائل يقول: كم أنت قانط ويائس ؟! فأجيبه : لا أبداً ، أنا جداً متفائل وأحمل أملاً كبيراً ، ولكن كلّما أبصر الفساد المستشري في كل مفصل من مفاصل البلاد أصاب بالإحباط ، لكنني أدوس على إحباطي وأقول : لا بدّ أن يأتي اليوم الذي يكنس فيه الخيرون الفاسدين ويرمونهم في شرّ أعمالهم ليتخلص الناس والوطن من الذين ماتت ضمائرهم ، يسرقون وينهبون المال والأرض ويبنون القصور والعمارات و يملئون البنوك بالمال السحت، والمصيبة الكبرى لم يحاسبهم القانون أبداً يا للسخرية المريرة!
للعراقيين أمنية وحيدة فقط وأنا على يقين تام إنها تراود مخيلة ونفوس الجميع ألا وهي : أن يخلو الوطن من الفساد والفاسدين ويسود العدل والحقّ ويعمّ السلام والأمان والخير وتشيع المحبة في قلوب الجميع ،، وكل عام وأمنيتي مازالت تشاكسني وتقضّ مضجعي ، فامتلاك شبرٍ وسقف بيتٍ هي كل ما نتمناه نحن المستأجرون في هذا الوطن!