ادب وفن

«الباحث عن الاستدامة» ..قراءة في مسرحية / د. زهير البياتي

إذا اعتبرنا أن معظم حياة الفرد تعتمد على التجارب المكتسبة فأن المشاركة في المسرح تكتسب أهمية كبيرة في ذلك من خلال التجارب التي يحصل عليها في أثناء تجسيده عدداً من الشخصيات التي تعيش حيوات مختلفة ومتعددة وتخوض تجارب متنوعة إذ أن كل شخصية من هذه الشخصيات التي وضعها مؤلف النص المسرحي تعيش حالات وتجارب متنوعة يجسدها الممثل من خلال العروض المسرحية التي يشترك فيها. وهذه التجارب نظرا لخصوصيتها تكون بالضرورة أغنى من التجارب التي يعيشها الأفراد الآخرون الذين لم يعيشوا تجربة المشاركة في الأعمال المسرحية ومسرحية (الباحث عن الاستدامة) التي قدمتها الفرقة المسرحية ال?ابعة لدائرة ثقافة الأطفال تطرح هذه المسألة لكونها من نوع المسرحيات التعليمية او الدراما والمسرح في التعليم؛ تحمل خصوصية متفردة مع التجارب التي سبقتها من هذا النوع من العروض المسرحية الموجهة للأطفال خصوصا.
ان هذه المسرحية تؤكد أهمية مسرحية المناهج أي تحويل المناهج الدراسية المقررة من شكلها التقليدي المعمول به حاليا إلى شكل آخر يعتمد على الحوارات في سبيل إيصال المعلومة إلى المتلقي وهذا ما أكد عليه (ادجارديل) في الهرم الذي سمي باسمه "هرم ديل" الذي صممه على أساس الخبرة التعليمية والذي أشار فيه إلى ان هناك عدة طرق بواسطتها يكتسب الفرد خبراته التي تؤدي إلى تكامل شخصيته ولقد أعطى (ديل) في هذا الهرم اهمية كبيرة للخبرات المكتسبة عن طريق الدراما؛ إذ وضعها في المرتبة الثالثة التي تبدأ بقاعدة الهرم المكون من عشرة مجال?ت. لقد اعتمدت مخرجة المسرحية د. فاتن الجراح في رؤياها لإخراج المسرحية على مقولة الحكيم الصيني "كونفوشيوس" التي تقول "قل لي وسوف انسى.. ارني ولعلي اتذكر.. اشركني وسوف افهم" وهذه العبارة الأخيرة "اشركني وسوف افهم" ارتكزت عليها المؤلفة ومخرجة العرض المسرحي كي تجسد من خلالها فكرة المسرحية التي تؤكد الاهتمام بنظافة البيئة والعمل على خلوها من اية ملوثات.
ان المخرجة اشتغلت في إخراجها هذه المسرحية على فكرة عملية المسرح، داخل المسرح من خلال مسرح الدمى الذي طرحت فيه موضوعة نظافة البيئة وسلامتها عن طريق الدمى التي قدمت بشكل جيد استقطب المتلقي اكثر مما شد انتباهه الى المشاهد التمثيلية التي جسدت من قبل شخصية الباحث والابن توني والوالدة القردة والقردة الابنة تونة والقرد الجد. لقد حاولت المخرجة المزج بين هذين الأسلوبين مسرح الدمى والمشاهد الاعتيادية لكن هذه المحاولة لم تصل إلى النتيجة المرجوة بسبب تشتت انتباه المتلقي وخاصة الطفل لمحدودية التركيز لديه.
ان التركيز على أسلوب إخراجي واحد في العرض المسرحي الواحد يؤكد وحدة الموضوع أولا وعدم تشظي العرض المسرحي في الوقت نفسه وخاصة أن هذه العروض المسرحية تقدم لشريحة الأطفال الذين هم غالبا ما يكونون محدودي الخبرة والتجربة بحكم المرحلة العمرية التي يعيشونها.
مسرحية الباحث عن الاستدامة قدمت ممثلين استعرضوا إمكانياتهم الجسدية والصوتية بشكل جيد، وفي أداء اقترب من العفوية وابتعد عن المغالاة وهذا يدعونا ان نؤكد ان العرض المسرحي الموجه للطفل هو لعبة منظمة يقوم بتصميمها المخرج ويقوم بتنفيذها الممثلون لاعبو العرض المسرحي وبقدر ما اقترب هذا العرض من العفوية فمن الضروري التأكيد على جانب اللياقة بشكل عام من اجل ان يوصل الممثل لاعب العرض المسرحي فكرة المسرحية اللعبة الى المتلقي بشكل بعيد عن التشنج الذي يقتل ليس فكرة المسرحية بل العرض المسرحي بأجمعه.
إن عرضا مثل هذا العرض المخصص للطفل ومن اجل ترسيخ القيم الفكرية والجمالية لديه يتوجب التركيز على جميع جوانب مفردات العرض المسرحي ابتداء من سينوغرافيا العرض وانتهاء في الموسيقى والألحان التي تتواءم مع فكرة المسرحية بحيث تعمل على تعزيز فكرة المسرحية وإيصالها الى المتلقي.
ونحن ازاء مثل هكذا عروض مسرحية تقدم للطفل نرى من الضروري ان نؤكد على المخرجة الدكتورة فاتن الجراح شحذ جميع طاقاتها الابداعية وعدم تشتيتها وصبها في عروض مسرحية تشبع فضول المتلقي الذي يتوق الى مشاهدة عروض مسرحية، نأخذ مساحة زمنية كافية كي توصل فكرة المسرحية بشكل مرتاح ومريح في الوقت نفسه. وبقدر ما نقدر الجهود المبذولة من قبل دائرة ثقافة الاطفال للفرقة المسرحية والعاملين في قسم الدراما نتطلع الى مشاهدة عروض مسرحية تنافس فيها الفرقة الوطنية للتمثيل على اعتبارها فرقة متخصصة لتقديم العروض المسرحية الخاصة بالطف?.
ولمعرفتنا بالامكانات الإبداعية التي يتمتع بها الممثلون يوسف جلوب وقائد عباس واحلام علي وفاطمة غالب وعادل جواد وسارة حمود وامير علي رضا وسارة حسام، نأمل منهم ومن الفنيين باسم محمد ونصير احمد علي وقصي ابراهيم وظافر قاسم وشروق رشيد كذلك عادل جواد وامير علي رضا، إضافة لكونهم ممثلين نأمل منهم المزيد من العطاء الممزوج بالإبداع ولتقديم عروض مسرحية نقترب من هموم الطفل وخاصة في هذه المرحلة الحساسة.