ادب وفن

آفاق سينمائية جديدة وفرص ثمينة لاكتشافات فنية نوعية غير مألوفة / عصام الياسري

 

في برلين افتتحت مؤخرا الدورة 64 لمهرجان برلين للفيلم العالمي الـ "برلينالة" Berlinalm وسط اهتمام جماهيري وإعلامي وتجاري وسياسي ملفت.
ويعتبر المهرجان الذي أقيم هذا العام من 6 وحتى 16 شباط 2014 واحداً من أهم المهرجانات السينمائية في العالم. تأسس بعد الحرب العالمية الثانية وخلاص ألمانيا على يد الحلفاء من الحكم النازي الذي جلب للبشرية الويلات والدمار، بمبادرة من أحد الجنرالات الأمريكيين. شكلت برلين آنذاك واجهة للدعاية وبداية للحرب الباردة والصراع الآيديولوجي بين النظام الرأسمالي والاشتراكي. حرص السياسيون الألمان وقوات التحالف في رد الحياة لها وجعلها عاصمة أوروبية للثقافة والفنون ومدينة للسينما. أفتتح المهرجان الأول وسط حضور سياسي وثقافي وإعلامي في 6 حزيران في العام 1951 في قصر "تيتانيا" العريق في برلين، بفيلم "ربيكا" لالفريد هتشكوك وكانت بطلته النجمة السينمائية جان فونتين ضيفة على المهرجان.
تخضع الأفلام المشاركة في المسابقة للبرلينالة كما هو الحال في كل عام إلى شروط متأثرة بطبيعة الانتقاء الخاضع إلى قوانين وشروط المسابقات العالمية التي تنص عليها لوائح الاتحاد العالمي لمنتجي الأفلام. أما الأفلام التي تجتاز اختبار الترشيح أو التأهيل، فلها مواصفات فنية وتقنية عالية. عروض مهرجان هذا العام تكتسب أهمية على جميع المستويات، سيما الأفلام المتنافسة على جوائز المسابقة، الدب الذهبي والدب الفضي.
كعادتها فأن أهم الصحف ووسائل الإعلام قد بدأت تتناول مهرجان برلين السينمائي لعام 2014 في وقت مبكر. وقامت مجلة فوكوس منذ فترة بتغطيته بشكل واسع وقامت بنشر وتوزيع الفيديو أو البث التلفزيوني، وأجرت مقابلات مع رؤساء الأقسام في برلين بشأن قضايا ووقائع المهرجان وبرنامجه الرئيسي. نالت اهتمام النقاد ووسائل الإعلام والقراء. وتم الكشف عن مشاركة نحو 400 شركة إنتاج وما يقرب 8.000 زائر تجاري من 95 بلداً مهتمين بصناعة السينما العالمية في وسائل الإعلام. وتسجيل حضور أكثر من 3.700 صحافي، وأيضاً فنانين ومثقفين وسياسيين ورجال أعمال، ومشاركة أكثر من 500 عنصر من الجيل الجديد العامل في مجال فنون السينما والإنتاج. أيضاً حضور مميز للمهتمين من ذوي الخبرة الدولية في مجال الإنتاج والإنتاج المشترك والتمويل وتوزيع الأفلام وممثلي الوكالات والإذاعات الدولية.
البرنامج العام لمهرجان برلين السينمائي الدولي لعام 2014 يحتوي على عدد كبير من الأفلام من معظم إنحاء العالم ومن جميع الأنواع.. أما مجموع الأفلام التي ستعرض إلى جانب أفلام المسابقة "Wettbewerb" في أكثر من 35 صالة سينما فوصل إلى 500 فيلم "روائي وتسجيلي وقصير والصور المتحركة" من أكثر من مئة دولة، موزعة على مختلف أقسام المهرجان: كالفوروم ومهرجان أفلام الأطفال، والفيلم الألماني الحديث والبانوراما تسجيلي وشبيسيال بالإضافة إلى أفلام الديجتال وعروض التكريم "Hommage" والرتروسبكتيف وبرسبكتيف. تحظى كلها بإهتمام الجمهور وأكثر من مئة مؤتمر صحفي تشارك فيه مختلف وسائل الإعلام المحلية والدولية. وعلى هامش المهرجان هناك أقسام مهرجانية أخرى تقدم عروضاً متميزة ولجان تحكيم خاصة بها توزع جوائز مادية وعينية هامة.
في الأيام القليلة الماضية تم الانتهاء من وضع برنامج المهرجان واختيار 23 فيلماً من 20 دولة للمشاركة في مسابقة الدورة الـ 64 منها 20 فيلماً تتنافس على جائزة الدب "Bär" الذهبية والفضية. تنتمي إلى دول الإنتاج: الجزائر، الأرجنتين، بلجيكا، البرازيل، الدنمارك، ألمانيا، فرنسا، اليونان، بريطانيا، اليابان، كندا، هولندا، النرويج، النمسا، السويد، إسبانيا، أوروغواي، الولايات المتحدة والصين وقبرص. بالإضافة إلى فيلم الافتتاح "فندق غراند بودابست" للمخرج الأمريكي ويس أندرسون وبطولة باول شلازه، توني ريفولوري، تيلدا سوينتون ورالف فينيس، وهو إنتاج مشترك بريطاني ـ ألماني، عرض يوم 6 شباط 2014 في سينما برلين بالاستالصالة الرئيسية لعروض أفلام المسابقة. ومن بين الأفلام هناك 18 فيلماً تعرض لأول مرة عالمياً وثلاثة في إطار الأفلام المميزة. وتجدر الإشارة إلى إن فيلم المسابقة رجلين في المدينة Two Men in Town من إخراج الجزائري رشيد بوشارب وبطولة فورست ويتيكر، هارفي كيتل، بريندا بلثين، لويس غوزمان و دولوريس هيريديا، انتاج مشترك لكل من فرنسا، الجزائر، الولايات المتحدة وبلجيكا. وعقد يوم السبت 15شباط حفل توزيع جوائز الدب الذهبي والفضي وغيرها في سينما برلين بالاست الشهيرة.
أما لجنة التحكيم الدولية للأفلام المتنافسة على كل من الجائزتين لمهرجان عام 2014 فقد اختير لرئاستها منتج وكاتب السيناريو الأمريكي جيمس شاموس James Schamus الحائز على الأوسكار لفيلم جبل بروكباك Brokeback Mountain ـ وعضوية كل مِن الأمريكية بربارا بروكولي Barbara Broccoli ابنة المنتج الشهير ألبرت بروكلي والتي أخذت بعد وفاة والدها مع شقيقها مايكل جي ويلسون إنتاج أفلام جيمس بوند، والممثلة الدنماركية الشهيرة على مستوى العالم ترينه ديرهولم Trine Dyrholm، وفنانة الرسم والمخرجة الإيرانية ميترا فرحاني Mitra Farahani، والفنانة الأمريكية غريتا غيروغ Greta Gerwig الحائزة على جائزة نقاد السينما، والمخرج الفرنسي ميشال غندري Michel Gondry الذي انتقل أيضاً إلى كاتب سيناريو ومنتج، والممثل الصيني توني لونغ Tony Leung وهو واحد من أشهر الممثلين في السينما الصينية الذي شاهدناه عام 2013 في البرليناله في فيلم The Grandmast، وفنان المسرح والممثل السينمائي النمساوي القدير كريستوف والتز Christoph Waltz الحائز على جوائز مرموقة عديدة منها مرتين على جائزة الأوسكار.
يبقى السؤال: هل سيتيح لنا مهرجان برلين السينمائي لعام 2014 قياساً مع طاقة وحجم الأفلام المشاركة فيه نوعاً وكماً، رؤية آفاق سينمائية جديدة وفرصة ثمينة لاكتشافات فنية نوعية غير مألوفة؟ مؤثرات تعبيرية وتقنية وصوتية راقية، أشكال ومهارات مشرقة. أو يجعلنا نقترب بانفعال شديد لمشاهدة أعمال سينمائية فائقة التوليف خيالا كانت أم "واقعية" من صنع العقل البشري لنتأثر بانطباعات سينمائية ساحرة تجدد باستمرار الحيوية فينا.. لننتظر ونرى ماذا سنكتشف، وبماذا سيفاجئنا مهرجان البرلينالة عام 2014 في برلين؟.