ادب وفن

كل هذا الظلام وأنت ترى / شعر : موفق محمد*

الاهداء
اسمحو لي أن أطبع قصيدتي قبلة
على يد الزاهد الكبير الفريد سمعان اخا و مناضلا ومعلما

 

يا أيها المتنبأُ الطلقُ الأخاذُ المتدفقُ
ما أوسعَ صدركَ
وما ابعدَ جذركَ
فمن كلِ سبّاحِ نخل العراق ومن كلِ دمعةِ طفلٍ كسيرٍ
تعمَّد قلبك
ومن رافديهِ ومن راحتيكَ
تفور السواقي
فيضئُ في الرمان اسمكَ
ومن قمره الذي يغردُ في السماءِ نجوماً
ليصير كل الوردِ ظلك
ومن شمسهِ التي تزقزق في الأشجارِ ذهباً
ليفيضَ بالخيراتِ صدركَ
ومن مسلاته التي رأت كل شيء
نهلتَ
فسما على النعراتِ فكرك
من كل هذا لملمت جناحيك لترفرف فوق رؤوس الطلاب
وهم في طريقهم إلى المدارسِ بأرواح شهدائكَ
فيبتسمُ المدى بالحمام
يا سلام
من أي صخر قُدَّ صبركَ
فكلُ هذا الظلام الذي يفورُ من عيونِ الطغاة ومن قلوبِهم
وكل هذه المصالخ البشرية التي فاقت جهنم قوةً وقدرةً
لم تنلْ منكَ
فأنتَ ترى
كل هذا الظلام وأنتَ ترى
كل شيء ترى
تنام القرى على ساعديك طويلاً
تنام القرى
لتحملَ عنها جراح الذئاب
وتحسنُ للجائعينَ القِرى
.............
لا ضَيرَ
فليبنوا السجونَ
وليحشرونا في قطار الموت
في نكَرة السلمان
في الغرف الظليمة والدوارس
سنُحوَّل
السجانَ
والجلادَ
والسجنَ الرهيب إلى مدارس
(زورها بكير يا عصفور)
لقد نتفوا ريش العصافير التي تقفُ على كوى الزنازين
خوفاً من رسالة حب
واعدموا البلابل التي تحمل لنا تحايا الأهل والأحبة
رمياً بالرصاص
وسدوا الثقوب التي نتنفس منها
فلم يتمكنوا من بصرك وبصيرتك
فها أنتَ تعبرُ الثمانين
فتىً
تحمل العراق على كتفيك
لتنقذه من هذا الجب الدامي الذي لا يعرف قراره احدٌ
فلا سيارةٌ ولا هم يحزنون
( بعد ميفيد نرمز نحجي طكَـ إبطكَـ )
يا أيها المتنبأ بما نصطلي به الآنَ جميعاً
لقد كنت عابراً للطوائف
لأنك عليمٌ ببراكينها التي نتطاير من حممها الآن
تنوراً ينسِفُ تنوراً
فمن يكنسُ لحمَ أبناءنا في الطرقاتِ ؟
ومن لدمائنا التي تنام وحيدةً مع الكلاب في الأزقةِ ؟
فالطوائفُ صباحٌ من اللافتاتِ السودِ التي تلتفُ على أجسادِ أمهاتنا
وليل يبتكر الظلمة والخفافيش
ليلٌ قناصٌ يقتل قمره ونجومه
وذئاب تعوي في العتمةِ
( بعد ميفيد نرمز إحنه أهل الحكَـ )
فالموتُ لا يكتمل حجيجه إلا بالدوران على أجسادنا
فنحن كعبتهُ
أطمأنوا إذن
فما زال احتياطيُ الموتِ كبيراً في العراق
وحكامنا لا يشبعون من المتاجرةِ فيه
فهم يستخدمون حقهم الشرعي في سرقة المال العام
وهدر دم العراقيين
والاستيلاء على المناصب كلها
( يا رجل مناسب في المكان المناسب )
أنهم يقتلون الرجل والمناسب
وليذهب البلد الجريح إلى الجحيم
.............
قالت لي أمي
وكان الحمام الزاجل يتطاير من شيلتِها
حاملاً بمناقيرهِ السنابل المكتظة بالبريد الحزبي
( يمَّه موفق )
كَلهه للحكومة الجديدة لتتحارش بالشيوعيين
تره أيشورون والله أيشورون
فهم ناضلوا واستشهدوا من اجل المعروف
ويكرهون المنكر
وعلى ما أصابهم يصبرون
وهم يحفظون العراق أمانةً في أعناقهِم
ويعرفون حدودهم
وقلوبهم تفيض مودةً ورحمةً
ويطعمون الجار السابع والعاشر وإلى آخره من الجيرة الطيبين
.............
يمعودين كافي عاد تره هذا العراق
وهذه فرصتنا الأخيرة
نوروا قلوبكم بالمحبةِ
مو هذا الحزب أيريد أيصفي ذاك الحزب
ولا فلان ياخذ منصب علان
ونرجع بالبلد إلى ما وراء تل حسونة متشظياً متكسراً
فلقد انفرد الحزب الحاكم بالسلطة خمسة وثلاثين عاماً
تاركاً العراق كعصف مأكول
وما زلنا نبحث عن أبناءنا في مقابرهِ الجماعية
ونتبادل القتلى والأسرى مع دول الجوار
فالحزب الواحد لا يبني وطناً
ولا يترك حجراً على حجرِ
.............
الكتلتان المتصارعتان الآن
اعني الكتل السياسيةَ والكتل الكونكريتيةَ
كلتاهما تتربعان على صدور العراقيين
وتطحن
والناس نيام
.............
أيها الزاهد النبيل
مازلت في محرابك خاشعاً متصدعاً من محنة العراق
فلقد انفطرت قلوبٌ قبلك
ولم تزل يافع القلب خضلاً
ثمانين عاماً
وأنت تضيء ليل العراق الطويل بكوكبة من شهدائك
وتهتف يساراً انظر
لقد أكملت الدورة الوطنية
وكهربت القرى
وابتكرت العراق
بعد أن كان رماداً تذرو به الخرافة والرياح
فلملومٌ هنا
ولملومٌ هناك
فلم يكن العراق قبلك وطناً
ولن تقوم له قائمةٌ بعدكَ
من أي حب قُدَّ صبرك
ثمانين عاماً وأنت تضع يدك على جرح العراق
وهم يوغلون في توسيعه بأحواض التيزاب
والمنكَنات التي سالت دماؤنا عليها طويلاً
ويضربون في كل مفصلٍ من مفاصلهِ
فتسيل الآه من صدور أمهاتنا
ويتفطر جمار النخيل دماً
ثمانين عاماً
وأنت تحود النار بيديك الداميتين إلى خبزة العراقيين
وهم يجربون مسدساتهم بالتوقيع على صدورنا
من أي نار قُدَّ صبرك
فيا أيها الجبارُ العنيدُ المتمردُ
لم تقتلعك العواصف
ولم تنل شعرة من بياضك
لكنك تشتعل شيباً
من دمعة طفلٍ
يبكي أباه الذي غيَّبته السجون والمفخخات
فمن أي طينٍ قُدَّ صبرك .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* القاها الشاعر المبدع في الحفل المركزي للحزب الشيوعي العراقي المقام على قاعة سينما سميراميس ببغداد يوم امس.

**************