ادب وفن

التشكيلية خيرة جليل: حياة المثقف ترتبط بمصالح الشعب / عماد شريف

فنانة مغربية معروفة ومهتمة بمجتمعها الذي يأخذ من وقتها الكثير. فهي بالاضافة الى انخراطها بالعديد من الجمعيات التشكيلية والفنية، تنشط كذلك في العديد من الجمعيات ذات الطابع الانساني والتنموي. منها "جمعية انصات للنساء المعنفات والامهات العازبات" في مدينتها الجميلة بني ملال في المغرب، و"جمعية الأمل للاطفال ذوي الاحتياجات الخاصة" و"جمعية الاطفال المتخلى عنهم" وجمعيات اخرى..

خريجة جامعة المولى سليمان للآداب والعلوم الانسانية بمدينة بني ملال، اختصاص جغرافيا حضرية عام 1994 وهي تعمل الآن كأستاذة علوم المجتمع- تاريخ وجغرافيا وتربية على المواطنة، وأقامت عدة معارض وطنية ودولية. فردية وجماعية.

سألناها بداية عن اهتماماتها المجتمعية وماذا تعني لها؟

اساس كل تنمية اجتماعية واقتصادية وفكرية، هو الانطلاق من الجمعيات الانسانية والثقافية والاجتماعية التي يديرها المجتمع المدني نحو عامة السكان لانه يسهل عبرها التواصل بسهولة مع مكونات المجتمع ويتم اشراك جميع الشرائح الاجتماعية في العملية التنموية. والتواصل يكون ناجحا في تمرير جميع الافكار التي نطمح الى تمريرها الى الناس بسهولة ومرونة. كما نكون قادرين على ملامسة الواقع بجميع مكوناته ومعوقاته، فيصبح تأطير المجتمع اسهل وضبط مساره التنموي أفضل، خصوصا اذا ما اسهمت الدولة في علاقات الشراكة مع هذه الجمعيات.

لديك اهتمامات شعرية كثيرة، هل هناك ارتباط عضوي بين الفن التشكيلي والشعر؟

بالنسبة لي أعتبر أن هناك ارتباطاً قوياً بين الفن التشكيلي والشعر، لأني أعتبر الفنان التشكيلي والشاعر يمتلكان حساً مرهفاً وملكة ذوق راقٍ وادوات تعبيرية لنقل الاحاسيس والتأملات والمواقف إلى لوحات فنية رائعة. قد تكون هذه اللوحة، تشكيلية فينتقي الفنان التشكيلي ألوان لوحته حسب ما يمليه الوضع المعبر عنه من حالة فرح أو حزن فتعكس الالوان الحالة النفسية والاجتماعية المعبر عنها. او تكون قصيدة شعرية فيكون انتقاء الكلمات بدقة، شأنه شأن انتقاء الالوان بالنسبة للوحة التشكيلية. وإذا امكننا ان نعطي مثلا لن نجد أفضل من شعر محمود درويش، ونزار قباني، والجواهري، وفدوى طوقان، وغيرهم، بحيث اصبح النحت اللغوي شبيهاً بالتشكيل اللوني.

إلى أي مدرسة فنية تنتمي اعمالك؟

لن أكون مغرورة وأقول اني حاولت ان اخلق لنفسي مدرسة تشكيلية خاصة. ولكن سأجيبكم اعتمادا على قناعتي الشخصية وما قمت به من أبحاث تشكيلية حول تعدد الروافد الفنية في التراث المغربي كمصدر غني للهوية المغربية ونقلته إلى لوحات تشكيلية غنية بالرموز والأشكال. الواقع اني قمت بدراسة المدارس الفنية التشكيلية: الواقعية- التجسيدية والتجريدية والتكعيب، والانطباعي، او الفطري. في التشكيل المغربي فوجدت انه يمكنني أن أشكل منهجاً تشكيلياً يجمع كل هذه المدارس للتعبير عن موضوع نتناوله كأرضية للوحاتي وبذلك استعمل تقنيات متعددة تجمع بين اللون والخط والطبع والتلصيق لبعض الاشياء. وبذلك مزجت بين التداعيات الوجدانية والرؤى الفكرية والتصورات المختلفة للمحيط الثقافي والموروث الحضاري بكل عناصره ومكوناته القديمة وبين وعاء من الاشكال والرموز والتقنيات الحديثة في حركية زمنية حاضرة.

مشكلة فهم اللوحة أو غموضها بالنسبة للمتلقي، التجريدية مثلا؟

هذا يتوقف على الفئة المستهدفة من كل معرض تشكيلي، فكل ما كان هناك نوع من الغموض في اللوحة تصبح اكثر استفزازاً للمتلقي! ويصبح من واجبه، إستحضار جميع ادواته الفنية والثقافية والمعرفية لقراءة ما يوجد امامه. وأنا افضل ان تكون اللوحة غنية بالرموز والأشكال الهندسية لتصبح ارضاً خصبة لتبليغ رسالة معينة، اما فنية- تشكيلية- جمالية- تعبيرية او اضافة قيمة فكرية انسانية راقية.
ماذا تريدين ان تقولي من خلال أعمالك التشكيلية؟

أنا أعتبر التشكيل لغة راقية ذات جمالية تستقطب انتباه المتلقي. والواقع اني ادعو في لوحاتي إلى التمرد على بعض الافكار غير المرحب بها في عصرنا هذا، كالعنصرية، والحقد، والنظرة الشوفينية الضيقة، والتمييز العنصري بكافة اشكاله. خصوصا وأننا في عصر العولمة والانفتاح الفكري. وادعو إلى ترسيخ ثقافة حقوق الانسان، وبذلك تكون اللوحة التشكيلية غنية برموز وألوان وأشكال مختلفة ومتناقضة احيانا لكنها تشكل في اطارها العام منظرا جميلا يشد انتباه المتلقي.

لوحاتك فيها الكثير من المتناقضات، كالالوان مثلاً؟

ذلك لأني أرفض التقليد القديم في التشكيل الذي يقول ان بعض الالوان لا يجب ان تتجاور مع بعضها لأنها متنافرة مثلا الاحمر قرب الاخضر، أو ارضية سوداء. أتعمد استعمال ذلك لأبرز جمالية في التوظيف، وأن الأحكام المسبقة هي مصدر الرفض للشيء. وهذا لتوعية المتلقي ان الحياة هي مجموعة من المتناقضات الذي هو مصدر غنى وجمال.

هل لديك اهتمامات نحتية؟

كانت لي بعض المحاولات النحتية على الصخر وعلى الخشب لكن محدودة، نظرا لظروف عملي وانشغالاتي الاسرية والأنشطة الحقوقية والإنسانية والجمعوية. لكن هذا لا يعني اني لن اعود اليه، وذلك مع توسيع ورشتي مستقبلا. ولدي مجموعة من المسودات التي رسمتها كمشاريع نحتية على الخشب وخصوصا خشب "العرعار" الذي يستهويني كثيرا.

بمن تأثرت من الفنانين التشكيليين المغاربة والعالميين؟

المجال التشكيلي سواء في المغرب ام العالم غني جدا بالتشكيليين بمختلف مدارسهم التشكيلية، لكني اطلعت على جميع المدارس، وأعجبني بيكاسو اكثر لان فنه مستفز للمتلقي العادي، بغض النظر عن بعد اللوحة الفني. تأثرت بمغاربة كـ "إبن يسف" الذي اتخذ من الحمامة البيضاء رمزا و(إبن الكاهية) الذي ادخل الحناء في التشكيل، والفنان العالمي مولاي اسماعيل بورقيبة الذي استعمل الرسم على الجلد. والشعيبية طلال في التشكيل الفطري، وغيرهم.

مارأيك في الرسم بالكومبيوتر؟

تقنية حديثة تفتح آفاقاً جديدة أمام الفنان للتعبير عن تمثلاته الفكرية والتصورات الذهنية بشكل احترافي كبير، كما تفتح امكانيات لامحدودة من الالوان والأشكال بأبعادها الثلاثية، وهو حقل غني جداً بما تحمله الكلمة من معنى.

هل هناك علاقة إلتباس بين الفوتوغراف والتشكيل؟

في أول الأمر نلاحظ ان الفوتوغراف والتشكيل يلتقيان في نقل صورة ذات خلفية فكرية وأبعاد فلسفية معينة. فالصورة الفوتوغرافية يتحكم فيها المصور بطريقة ميكانيكية حسب زاوية الالتقاط والتحكم في البؤرة وكمية الضوء لنقل خلفية فكرية، ويتجلى ذلك في درجة جودتها من خلال التحكم في ضوابطها. اما اللوحة التشكيلية فلها تقريبا نفس الخلفيات لكنها اكثر غنى وتتطلب التمكن من نقل ما هو ذهني- فكري، إلى شيء واقعي ملموس في متناول المتلقي ما يجعل التشكيلي يبذل جهداً اكثر.

مشاريعك الحالية والمستقبلية على صعيد التشكيل؟

من مشاريعي الحالية المشاركة في الملتقى العربي الثالث بالقنيطرة في شهر نيسان، ومهرجان آخر بمراكش في اطار الملتقيات الدولية، ومعرض تشكيلي بمدينة بيرغامو الايطالية في شهر تموز المقبل وبعده بالعاصمة الاسبانية مدريد.