ادب وفن

أحمد عبد الرسول الشجيري.. أبن الشامية البار / ذياب مهدي آل غلآم

استهلال :في أوقات تبعثر الحاضر والخوف من المستقبل تضطرب أحوالنا ونبحث عن الإجابة ولو كانت واحدة لتحل بعض مشاكلنا.. وهنا يكون دور الذكريات التي تعلمنا والتي لطالما كانت تدربنا في عقلنا الباطن لمواقف كثيرة.. وكأنها تعرف بأن الزمن سيعيد نفسه.. أمجاد الماضي لم تكن من صنعه بل كانت من صنع أحلام في البداية ثم تحولت إلى ثورة من المشاعر الثائرة التي تريد تحويل كل شيء سلبي الى ايجابي منطلقة عبر الأفق الذي يجمع بين الخيال والواقع لتفتح باب الواقع بكل قوة مخترقة جميع حواجز الخوف والقلق والتردد لتسمو أعمالهم و تكتب في التاريخ.. أولئك الذين يرسمون لنا سلم النجاح الذي لا يحتاج سوى للمسة سحرية منا تدعى الإيمان بالأمل.. بمجرد سماع حكاياتهم تأسر أرواحنا وتجعلنا نتخيل وكأننا عشنا حاضرهم بأمله وبصبره ولكن للأسف .. كثير منا يجعل الماضي شيئا محزنا وقاسيا اذا استعدنا ذكراه في أيامنا.. لذلك.. ما زال الزمن يعيد المواقف التي لم يستفد منها البشر لعلهم ينتبهون الى هديته الرائعة التي لو تمعنوا فيها لأصلحوا من انفسهم وأنقذوا العالم بأسره.. ونحن هنا.. وفي هذه اللحظة.. اكتفينا من الإعادة واكتفينا من عدم الانتباه.. والاهم بأننا اكتفينا من خسارة أعز الناس علينا.. الحياة مليئة بالكنوز المختبئة من حولنا تنظر إلينا وتنتظرنا لكي نمعن النظر فيها وأغلى كنز لابد من الانتباه له هو الماضي فمع قسوته يحمل في نهايته نكهة لذيذة و حلوة لا تنسى .

المدخل:

ومن خلال قراءتي لهذا الكتاب البحثي الشيق "الفرات الأوسط وأبرز الأحداث الوطنية في قضاء الشامية خلال العهد الملكي 1921 / 1958" وفيه خصوصية الدلالة المناطقية وبحيادية الباحث الحصيف. وقد مارست المعلومات والاحصائيات والحقائق المستمدة من جهات معروفة، ومصادر مختلفة، وذات مصداقية عالية دورها في التحليل والاستنتاج والتعويض عن الانحياز السياسي لهذا النظام أو ذاك، أو الانحياز الايديولوجي لهذه الجهة أو تلك والباحث "أحمد عبد الرسول الشجيري"، لم يهمل التاريخ السياسي لمدينة الشامية، وانما كان قد درس هذا التاريخ ، من خلال ما توفر له من مصادر ومعلومات ووثائق ومن واكب وعايش تلك الأحداث السياسية الخاصة في مدينة الشامية، وخصص موسعا في بحثه هذا، حيث يشير ذلك الى المؤلف الباحث أحمد الشجيري، وهو على دراية واستيعاب لتاريخها السسيواجتماعي، وهو على وعيه للحدود الفاصلة والجامعة بين السياسي والاجتماعي، ثم ان كتاب "الفرات الأوسط وأبرز الأحداث الوطنية في قضاء الشامية" تناول مختلف جوانب المجتمع في الشامية ، ولم يتحدد بميدان معين وبغض النظر عن المقارنة بين الدراسات التي حاولت الجمع بين السياسة والمجتمع، وبين بحث "احمد الشجيري" فان هذا الكتاب ليس تاريخا فقط وإنما هو دراسة يتداخل فيها الاجتماعي والثقافي والتربوي والتعليمي..ألخ . وتتواصل فيه العقود مع بعضها، بمختلف الجوانب والحقول ، كما انه يقدم معلومات واحصائيات لوضع الشامية في العقود السابقة، وما ينطوي عليه من مشكلات، وما يتطلب من حلول ومعالجات راهنة ، في البحث والتقصي.
والكتاب إضافة إلى ذلك يضع المعلومات والإحصائيات والتحليل لها في إطار خصوصية مدينة الشامية، وانعكاسها على مختلف الحقول والميادين ذات الصلة بمجتمع الشامية بشكل مدونة مزيجة ما بين ثقافات متنوعة مدنية في الغالب وانعكاسها الريفي والعشائري بروح المواطنة والهوية الوطنية. رغم تجاهله قصديا حسب ما " أظن " واهماله لدور المرأة في تلك السنوات التاريخية وعطائها ونضالها، وكانت امرأة تواكب تطلعات الافكار السسيواجتماعية لكونها نصف المجتمع المدني وشريكة فاعلة في الحياة الريفية، رغم بعض القيود العرفية والاجتماعية وخاصة بطابعها العشائري الغالب في مجتمع الشامية ، وهذا سوف نكتب عنه، ليكون البحث معنياً بشكل واف ولا يبخس حق المرأة في تدوين وتسجيل تاريخها النضالي المواكب لمسيرة الرجل في العمل والنضال والتعلم ومن اجل العيش في حياة سعيدة ، هكذا اعتقد.
والكتاب واحد من كتب عديدة تناولت تاريخ وواقع مدن عراقية معينة ، ويطرح هذا الكتاب ضرورة ان لا تأخذ هذه الكتب التاريخ بعيدا عن الحاضر، وإنما تضعه في صميم الحاضر، وان تجعل من نفسها دراسة ووثيقة عملية لتغيير الواقع والموروث إلى الأفضل، وان تعزز من الهوية العراقية الوطنية لكل مدينة عراقية.

صورة غلاف الكتاب

ان النظرة التاريخية بأبعادها الوطنية ومنطلقاتها المحلية تحتم اهتماما خاصا بالواقع المحلي وخاصة السسيواجتماعي، الذي فرضه التراث التاريخي وتقره الثوابت الاجتماعية، هذه الدراسة اسهامة متواضعة لجزء واحد فقط تتعلق بوحدة ادارية من وحدات الفرات الأوسط وهي " قضاء الشامية " من لواء الديوانية للعام 1921 / 1958 م. دراسة أكاديمية في التدوين البحثي عن تاريخية السسيو اجتماعية لهذه الوحدة الإدارية قضاء الشامية ، لذلك تأبط تفاؤله وهيأ الباحث أحمد عبد الرسول الشجيري، هذا البحث التاريخي لينقذ ما أبصمته مدينة الشامية في تلكم السنوات الحافلة بكل المتغيرات في السياسة والمجتمع كما نعرف قسما منها ، لكن همة الباحث وتقصيه لكل ما اتسع له بحثه وفي اكثر من مجال حتى لايغلب النسيان ولا تتراكم على تاريخ هذه المدنية التربان، فيكون في اخبار كان يا مكان؟
وتزاد أهمية هذه الدراسة عن مثيلاتها في العراق، لا لأنها تصدت لجانب من الحياة السسيواجتماعية لأحد أقضية العراق البارزة من حيث الكثافة السكانية والمساحة وعشائره وبصمته في مسار الحركة الوطنية العراقية وخاصة التقدمية والتنويرية وحسب، بل لكونها أزاحت النقاب عن جانب مهم من نشاط الأحزاب السياسية في حقبة شهدت أوج العمل السري للمعارضة السياسية، فمثلا كان للحزب الشيوعي العراقي تنظيمات في قضاء الشامية متميزة بالتضحية والفكر والنضال ، ولقد اورد الباحث أحمد الشجيري الشيء الكثير في هذا البحث القيم والممتع وكأنه سفر تاريخي اجتماعي سياسي يخلد اهل الشامية بكل تعددهم وتنوعهم وطيفهم الفسيفسائي الجميل ، كان قضاء الشامية عراق مصغر بكل معنى الكلمة، تنوع اطيافه الدينية والعشائرية والسياسية والاجتماعية وحتى العلمية والثقافية، ولا ننسى دور المنظمات المهنية الفاعلة في المكون السسيواجتماعي فيه. فلقد شهدت مدونتنا التاريخية هذه ، سنوات لها ما لها وما عليها؟ التي تناولها هذا البحث الرائع ودونها الباحث الألمعي احمد عبد الرسول الشجيري والمدة من " 1921 / 1958 م " فلقد مرت أحداث مهمة في تاريخ العراق المعاصر، وبالضرورة انعكست هذه الاحداث بنسب متفاوته على قضاء الشامية ، فالتحولات متعددة على المستوى الداخلي. اتسمت بالتوتر وبالاحتقان الدائمين وعدم الاستقرار السياسي والصراع الطبقي، هزت هذه الأحداث في الكثير من الأحيان الواقع السياسي ونظامه الملكي الذي سلطه الاحتلال البريطاني على العراق .
اقتضت طبيعة البحث ان تكون من مقدمة وأربعة فصول وخاتمة فيها ابرز ما تم التوصل اليه من استنتاجات تاريخية تعقبها قائمة مصادر ومراجع البحث وملاحق تضمنت صوراً لمجموعة من الشخصيات والوثائق . واكرر كان ينقصها فقط موضوع المرأة في قضاء الشامية ودورها السسيواجتماعي فيه، وللمرأة في الشامية دور فعال في الواقع السسيواجتماعي في تلك الحقبة التاريخية وما بعدها ، لكن لا يعني هذا شيء يقلل من القيمة الموضوعية العالية الهمة والبحث الحصيف والتوثيق الحيادي الرصين في تدوين المعلومة وخاصة من النقل الشفاهي والتذكر قبل ان تندرس ويلفلفها النسيان وتضيع كاوهام .

الخاتمة

أن الأصالة في كتابة التراث لمدينة مهمة كقضاء الشامية ، ودوره السسيواجتماعي والتاريخي ، إشترط الى تحقيقه اكتشاف عمقه وشموليته ، ولا يأتي ذلك اعتباطا، بل عبر معرفة في الذات من خلال ما تثمره إنتاجية الذاكرة وصحائف التاريخ المدونة، اما إذا بقينا عاجزين عن ذلك الإنتاج العملي ليكون منظار الماضي بقدر ما هو شق لطريق المستقبل ، فهذا يعني أننا لا نستحق أن ندعي الانتماء إلى ذلك القضاء الشامية وتاريخه القريب !؟ نحن لا نرتبط بالزمن فقط بل بالمكان أيضاً ، أنه تاريخ وجغرافية يمتلك من طاقة الدفع الذاتي بقدرته الاقتصادية وعلومه الحياتية البسيطة او المعقدة في زمنذاك وكأن تاريخ الشامية يخضع بدوره الى النظرية النسبية . أن الحاجة الى الملل في زمن مزدحم ومنضبط توقيته ربما ضروري ؟ أن العفوية لا تحدث وفق عفو الخاطر إنما يتم استقاؤها من مخزون حسي ثري ومعقد داخل النفس البشرية. وفي الشعور بالخوف القديم نتيجة العجز في مواجهة الظواهر، فعاد الانسان ليقف أمام البحر ويسأل عن مصيره؟ وعن إيقاع الصمت ، أن من يستمع إلى الموسيقى في أشكالها الراقية ، يلاحظ أحياناً توقف العزف بقصد من الملحن ليجعل للصمت وقع اللحن، بل ليجعل لحظة الصمت تواكب لحظة اللحن كي يعزز موقعها . هكذا أخذ القارئ في رحلات تأملية لا تنتهي ، في ذاكرة الشامية ، الباحث أحمد عبد الرسول الشجيري مشكوراً ، لقد دُجّنا على خطأ ؟ كأننا نقول أن العصر الذهبي قد ولى ! لكن العالم الحداثاوي يفكر ويعمل من أجل الوصول الى العصر الذهبي؟ كم هو الفارق ما بين تفكيرنا والآخر؟ من هذا المعنى تبدأ طروحاتي لتتوالد وتتشظى وتنقسم وتتفرع وتقود العقل والذائقة والبصيرة إلى تخوم الاستشراف والاستلهام والتنبوء والنقد والتعريف ... الى آخره ، كما اتأملها في هذا البحث الشيق الرصين ، سعيا للوصول الى الأسباب الأخرى المكونة للحقائق والواقع التاريخي للشامية ، هي نموذج مصغر عن مكان يمثل مدينة تأخذ طابعا ثقافيا ، نضاليا وتاريخيا في حراكها الاجتماعي.