ادب وفن

الشاعر ناظم السماوي طاقة شعرية معاصرة يحتفي به المبدعون / عرض وكتابة: سفاح عبد الكريم

الشاعر ناظم السماوي، ذلك الوهج الشعري الذي اختزنته الذاكرة، هو الغارق بانسانيته وشعره واخلاصه لهما، هو ينحت بالحجر حيث يرسم الاشياء كما يتصورها. وأنه يدرك ما يفعل.. لا ينحني صاغراً الا لمن يحب وبعفوية صادقة.. يعتز بنفسه كثيراً لثقته بها.. شغوفاً بمعرفة وحب الناس المبدعين والبسطاء والمتطلعين. تشغله قضية المبدأ ومواقفه معلنه تقرأ تفاصيلها من تجاعيد وجهه.. ينهل كثيراً من التراث وما يحلو له حيث يحفظ منه الكثير لولعه ولأنه يبحث عن الأصل أجده جاداً فيه.
وهو ينتمي الى عراقيته اولاً ولأنه ابن الفرات ودجلة والارض حاكاهما باقتدار وبعذوبة ويقترن بـ"سوالف أهلنه".. وعاتب بحرقة الشاعر عندما يشعر بالغبن لمن ضحى له مخلصاً ومنذ زمن وانا اتصفح واستمع لقصائده وشجونه لرغبتي الاكيدة بها محتفظاً في ذاكرتي بالكثير عنه من النصوص الشعرية والابوذيات والدارميات والحكايات ولأنه شائع بابجدياته اهتم به الكثيرون وتحدثوا عنه وصدحوا بشعره واعماله الفنية الاخرى، ضميره متجرح دائماً من ألم الناس كتب شعراً يليق به وبانسانيته وكم هو صابر، وانا أقدس شاعريته واحلامه وطقوسه حيث اجد أحلامي الشعرية فيه معافية لاسيما منها القصيدة والاغنية والحديث اللذان يحملان الشجن العراقي الاصيل وكذلك نبرته الالقائية من وراء المذياع والمنصات التي ينطلق منها الشعر والوجع العراقي غناء خالصاً. ومنه "يا حريمه.. دوريتك، حچيك مطر صيف ومثيلاتها وجدته انيساً مثل قصائده ومنذ زمن ولا زال هو في اوج عطائه بعد أن صاهر العذابات والسجون والغربة وارهاصات الوضع وعلى الرغم منها كان متأملاً وهو يشدو بالفرح من خلال توجهاته المعبرة عن ذاته الخيرة وما مشتهياته الا إضاءات توضح لنا طريقنا صوب الحرية والانسانية والمعايشة الكريمة ومن دلال شبابيكه التي لم يسدل ستائرها بعد ليرى مشاهداً اخرى قد تبعث فيه الرغبة للكتابة مجدداً ليرفد بها المشهد الثقافي العراقي وما اصداره الاخير "بس يا مطر".. المجموعة الشعرية التي احتفينا بها جسدت لنا رغبات جميلة نحن المتذوقين من أنصار الشعر الشعبي الخالص المتحضر الواقعي باسلوب ربما يختلف عن اصداراته السابقة وعن الآخرين وهذا ما اجده واضحاً وهو يحمل المعنى من دلائل العنونة ومن بعد التأمل فيها وقراءتها جيداً خاصة آلـ"بّس" التي لا تغني الاكتفاء ولكن ثقلها المعنوي اكبر اي هناك عتاب وتساؤل وعدم الاكتمال والشاعر الكبير ناظم السماوي من رواد القصيدة الحديثة الاكثر شيوعاً في الوضوح والمتأصلة بالجذور والمراد منها حلاوة وملوحة وبما في محتوياتها من معان يفهم من دلالاتها وهو من جيل عرف الناس قيم الشعر وفنيته ومن امثال الشاعر الكبير زهير الدجيلي وعريان السيد خلف واسماعيل محمد اسماعيل ومجيد جاسم الخيون ويعرب الزبيدي الذين شكلوا خطاً واضحاً لاسلوبهم المتميز الرفيع. وسايروا نهجاً وسلوكاً كتابياً آخر للشاعر الكبير مظفر النواب وشاكر السماوي.. وغيرهما من المحدثين في اساليب الشعر الشعبي المغاير لما سبقهما من الشعراء وحيث تشارك هؤلاء المبدعون في ادارة عجلة الشعر كثيراً.
ان الارتحال القسري والمعيشي جعله يتنقل من مكان لآخر حتى استقر به المطاف اخيراً في بغداد واصداره مجاميع شعرية متفردة وكان اخرها "بس يا مطر" الذي حصلت عليه من الشاعر والناقد كاظم السيد علي ونسخة اخرى اهداها لي بخطه وبعد تصفحي لها وجدت عليّ لزاماً أن اضعها بين اعين القارئ واضعاً انطباعاتي عنها في هذا الاطراء والتحدث. ومنذ سنوات وانا أعرفه شاعراً مبدعاً ينطق بالاصلح في توجهه وعطائه بعد أن اعطى زهرة شبابه لمدينته السماوه التي غادرها مجبراً كما اسلفت حيث أحس ببعض الغربة بعد مفارقته لها ولاهلها التي نطق بها شعرا قائلاً:
"إجدواه جديت العشگ منكم إجداوه..
وإنبعت وآنه إبرخص مبيوع يا ليل السماوه"
وكذلك في مخاطبته لحب كان فيه أزلياً لا يفارقه اينما حل.
"إحچايات الك جوه الگلب ما تنتهي
او لا گلبي من عدها اعتذر
او صار إبحدايق دنيتي وردة عشگ فوگه شكر
او سويت إديه بس الك مركب اگرنفل بالبحر...
بس يا بحر.. رسيني كافي يا بحر..!"
ان الشاعر الكبير ناظم السماوي يدافع بشرف عن القصيدة الشعبية والاغنية معاً كما هو حال غيره من المبدعين بالتوجه الصحيح الذي ينأى به سواء كان ذلك في اختيار الموضوع او المفردة او في رسم الصورة الشعرية المتفردة وهو صاحب تجربة امتدت به لاكثر من خمسين عاماً تعرف من خلالها على مناجم اللغة واستمع الى التراث وغناء الحاصودات والامهات ووظف سلوكهما في اغناء وحدة الموضوع ناقلاً باحاسيسه ما تجول به خواطره من انهيالات خيالية وسرديات معقولة تجسد من خلالها وحدة الناس والوطن والحرية التي همها رأسماله الأول والاخير ومن مناخاته الاولى وطفولته وبيئته التي هي منبع التكوين أبحر شاعرنا في رغبته وحقق في ذلك طموحاً لمصلحته وللشعر معاً ورغم خسارته الزمنية لكنه كان رابحاً من حيث تميزه الابداعي والاخلاقي جعلته فوق الخسارات وهذا ما اجده في تجربته واصوله الثابته التي هي منطلقه في التأسيس والوصول.
"آنه دمعة اعيوني اتحير العين
على ياهو اليجي او كل اهلي غياب
أراهن والحزن يلبسني قمصان..،
بس قمصان صبري ابروحي تنهاب.."
ان هذا التعبير الجميل الذي تحدث به الشاعر ناظم السماوي بالصورة الناطقة تعني الحركة دون السكون في التأثيث لمستقبل شعري يؤكد اصراره ومهارته في المضعة الشعرية المطلوبة. ان لمثل هكذا معالجات ورؤى تشكل التحاماً ورؤى صحيحة تغني وحدة النص الشعري الذي يؤهله العبور الى الاماكن التي يرغبها وهو يحلو باشرعته واجنحته التي يحلق بها في فضاءات كان هدفه الوصول وان كان ذلك متعباً لكنه هانئ بسفره الجميل الذي يعتز به احتفاء بملتقاه العراقي حاملاً معه جراحاته وامنياته وما بعدها طالما هو راض ضميره ومتعافي فيه.
" الوطن نگطة ضمير إو عشگ حد الموت
الوطن باب الفرح ننكبله عالبيبان..،
وإله نلتم مناجل فلح غباشه.."
انها ابتهالات موسيقية صميمية اكتسبها من تجربته الطويلة مع الفنون التي شاهدها والزمته نوتات تدل على قدرته فيها وبمهارة يتغنى بها معلناً رغبته في تطوير الذائقة في القبول والاسترخاء متناغماً مع احتياجاته والمتلقي معاً لها وأجد في ذلك شاهداً في مجموعته الشعرية في احدى قصائده.
"أنا دفيتك ابعطفي إبليل ذاك الشته البارد.
- من شفت طولك رجف.
هذي اخلاق البلابل اتسمع الناس الغنه ابكل الفصول..
...، حتى لو تنسجن باقفاص الغرف".
ان مثل هكذا التفاتات تعبيرية وتصويرية توحي لنا بان نغترف من الخيال والواقع معاً لنخلق من الشكل جمالاً نعتز به ونغترف من عذوبته ما نشاء وهذه هي مهمة الشعر الاولى التي لم نصل اليها بعد ونحن في طريق نتلمس الوصول بعد التضحية المتوجبة علينا من اصحاب الحرف والكلمة والانسانية باباء وعزة نفس.
"المثقف عالرصيف إيبيع كتبه والدموع اتحرگه
صدگوني الورد من عطره مو زعلان... لأن أصل الورد يشتم عطر حلگه"
ان الشاعر السماوي بمثل هذه الصور والكلمات والشفافية يكون قد اسس لغيره منهجاً قد يختاره البعض وأنا في رؤية واضحة من نتائجه وما على القارئ الكريم سوى البحث عن لألئ اخرى وسوف لا يجد بينه والآخرين فاصلاً سوى المعانقة والاشتباك الغاية منهما الالتحام دون مفارقة ومن فعله أجد ذلك واضحاً.
"بينك او بين الگمر ماكو أبد فاصل
إهو يعيش إبسمه وانته بارض بابل"
واني على ثقة كاملة سوف تبقى ايها الشاعر الحميم رمزاً قائماً وانت تقف في صف المبدعين متميزاً في التطلع الثقافي الصحيح. دمت فينا حاضراً ومثلك في الشعر اولاً واخيراً.