ادب وفن

دموع الطيور المهاجرة / عبد الإله الصائغ

أنهى إلي صديقي الأستاذ محمد علي محي الدين موت الفنان الأديب حامد الهيتي السبت 12 نيسان 2014!، وهذا يعني أن قلب الهيتي حامد قرر السكوت في دنيا كليحة ليس فيها ما يغري بالنبض!.
إذن ستبكيك طيوري المهاجرة يا حامد وثمة من ينتظرك أولئك العظماء البابليون الذين رحلوا قبلك ليحجزوا لك مكانا إلى جنبهم إنهم جعفر هجول وجاسم الصكر ورؤوف الطاهر وعلي بيعي وقاسم عجام ! إذن لوحة الطيور المهاجرة التي صممتها لديواني الأول لا تدري بأنك مت وأنا أعدك بأنني لن اخبرها خشية أن تبكيك فتخلط دموعها ألوان اللوحة ! ياه كم مضى على تصميمك تلك اللوحة المعجزة كما وصفها الشاعر الكبير عزيز السماوي حين رآها معلقة في مكتبتي في بيتي البابلي ! ياه متى تعرفت على الحامد الهيتي؟.
تعرفت عليه أول الستينيات كشخصية جذابة وهو حدائق مواهب شعر رسم قصة رواية بديهة حاضرة، نكتة تضحك الثاكل وعرفني عليه الحبيبان جعفر هجول وجاسم الصكَر وحين زرت بيت جاسم الصكر في القاسم هالني ما رأيت ! رأيت حامد الهيتي قد جعل من حوائط ذلك البيت القروي لوحات وجداريات وأعجبت بطريقته في تناول الفكرة المجردة وتحسيسها بالخطوط والألوان والفراغات!. اقترحت على هجول والصكر أن يفاتحا حامد الهيتي لكي يصمم لي غلاف أول مجموعة شعرية هي عودة الطيور المهاجرة التي لاقت شهرة ورواجا مباركين!، والتقينا في بيتي البابلي المستأجر ! فوافق حامد الهيتي واشترط شرطين الأول أن يقرأ قصائد المجموعة لوحده كي يستوعبها ! والشرط الثاني هو أن انشد قصائدي أمامه كي يستكمل استيعاب القصائد من الجانب التشكيلي ! وكان له ما أراد ! وبعد شهرين استلمت منه لوحة الطيور المهاجرة وصرخت بعد رؤيتي لها إنها ضالتي يا حامد الهيتي فدعس انفه وهي عادته عهد ذاك لحظات الخجل ! باتت اللوحة المدهشة في حوزتي ! فيا يا حامد يا هيتي كيف أرثيك ولوحتك لم تسمع بموتك حتى الآن؟.
يا من خرج من رحم الرواية وغاب في رحم اللوحة واستيقظ في رحم الشعر وأغفى في رحم الأرض!، دعني أهتك نفسي فرحم الله من قالت:
"يكَلي اسكت إبج واعقل / آني اسكت ؟عيب اسكت / اشكَـ الزيج واتهدّل!".
هل افضح لحظات تجليك في بابل ستينيات القرن العشرين وسبعينياته؟
ذات مساء في ذات بهاء بابلي
دخان السجائر الأزرق يتصاعد حلقات وعبق الشاي بالهيل يبتكران حوارا سيبدأ بعد هنيهات!
كيف افلت العراقيون من فكي القرش الأسطوري ذي الأنياب الشباطية الثنانية صبيحة 1963
قال الراوي هي رواية كتبت في الغرب واختير فرسانها
من الشرق
فرسانها المقنعون بعناية شيطانية
تم تعريقها لنحترق ..
البيوت مغلقة الأبواب لم تعد آمنة
عذراوات البيوت الخجولات وقعن بين سيقان همجية
تنتهك العذراوات مكممات الأفواه
عقدة الرواية أهملتها الحبكة
قال الفنان التشكيلي شباط الأحمر جدارية أريد لها أن تكون موضع نصب الحرية لكن غلطا ما هشم الجدارية قبل أن توضع في المكان الغلط.
قال الشاعر هي مرثية للزمان الجميل والمكان زاهي الألوان!، عسس لوركا ذوو المعاطف السود والبساطيل السود والنظارات السود جاءوا من اسبانيا
هم بحرية يتجولون في بغداد التي غصت بكوابيس من وجوه وسكاكين
سكارى يغنون في دمائنا
يغنون لمقبرة بسعة العراق ! ومن أين لهم أن يئدوا العراق وطن ما نام لكنه أفاق فمزق معاطفهم ودثرهم ببساطيلهم
يا الهي إن الرواية تسخن ..
فجأة يدخل فتى بدين سلم بخنين في انفه متأبطا كتابا في ( هو شي منه) يصف حرب العصابات
جلس البدين طفلا منطويا
قصيا عن كوكبة الصعاليك
الصعاليك الفنانين والشعراء!
قال عرّاف بابلي من هذا الداخل مقهانا في مثل هذي الساعة ؟ قال علي بيعي هو فنان افلت من الموت الشباطي مثل فارس أسطوري!
حامد الهيتي كتب أسماء أصدقائه المغيبين وبدأ يبحث عنهم
ولكن لماذا "هوتشي منه" قالوا أو قال؟ بكى علي بيعي حين قال : رسم الهيتي ثلاث لوحات في حرب فيتنام ولم تعجبه الألوان فأهملها!، هو يبحث للوحته القادمة عن وجوه فيتنامية بألوان خارجة عن أعراف الألوان
وجوه اجترحت قائدها وتخندقت معه!
يا مقاهي الحلة ابو سراج.. حمود هجول .. الكَلج .. الجندول تذكري حامد الهيتي!، فقد كان يخشى ارتيادك ! لم يكرهك ولكنه يكره الضجيج!، حامد الثمل الخجول!، الحزين الظريف المطمئن المرتبك تذكريه فقد كان يغني للفقراء والسجناء والصعاليك المنسيين! حامد كان متنبئا كان شاعرا كان إيقاعا غريبا يكتب بالفرشاة ورساما حريبا يلون بالكلمات والأفكار ! كان هاربا من البعث ممنوعا من صرف الدم وعصيا على الحرس القومي!، يا حامد الهيتي أنت اصغر سنا مني فلماذا مت قبلي؟
لماذا لم تنتظرني؟
لماذا لم تخبرني انك ستموت منسيا مثلي؟
بابل السحر عن فتى حدثينا
عاش بين الصحاب صبا حزينا
ابن هيت ينوء عشقا ورفقا
ثم يمضي الحياة روحا سجينا
ثكلت بابل بفقد فتاها
وهي تتلوه في العذاب سنينا
وهِيَ اليومَ تستعيد فتاها
قل سلاماً على اللجاجة فينا
بابل الخير حامد غاب عنا
غب عمر أمضى الليالي غبينا
قمراً كان في لياليك يوما
وهوى اليوم في ثراه جنينا
قدر الطود أن يداس بظلف
وذراه تلقى الحفي المهينا
ويح قلبي مما أراه أحقا
بات حظ العراق كماً دفينا
بات حظ الإبداع في القاع حتى
باتت الغربة الملاذ ألامينا..