ادب وفن

مهرجان "لهجات مختلفة" في فانو الإيطالية يستضيف الشاعرعبداللطيف السعدي / نهلة ناصر

إستضافت مدينة فانو الإيطالية، في شمال شرق إيطاليا على ساحل البحر الادرياتيكي، في التاسع من أيار الجاري، الشاعر والصحفي العراقي عبداللطيف السعدي، في سياق المهرجان السنوي الخاص بتنمية العلاقات بين الثقافات المختلفة وتحت عنوان:"لهجات مختلفة"، وذلك لتقديم كتابه الشعري الذي صدر في تشرين الأول من العام الماضي "أناشيد للحب والحنين"، والذي سبق وأن تمّ تقديمه في شهر كانون الثاني من العام الجاري في روما وذهب ريعه لأطفال سوريا في مخيمات اللاجئين.
حضر الأمسية منظموها الإيطاليون وعدد من المهتمين بالادب والثقافة واصدقاء من الجالية العربية، الذين أثار فضولهم، فضلاً عن عنوان الكتاب وتصميمه وطباعته الأنيقة، ما تضمّنه من قصائد باللغتين العربية والإيطالية، وقراءتها أيضاً باللغتين، فبالعربية قرأتها زوجة الشاعر، وبالإيطالية قرأها أحد العاملين في المجموعة المنظمة نفسها وزوجته، المهتمة بالقضايا العربية والاقليمية وهي تتطلع لمواصلة تعلمها اللغة العربية.
أدارت الأمسية الناشطة في ميدان التضامن مع المهاجرين في إيطاليا، والمهتمة بثقافات الشعوب، الإيطالية والالمانية الأصل بيتّينا غوذفير. وابتدأت التقديم بسؤال السعدي عن جذوره وكيفية تغذيتها ومنابع نشأته، التي بدت ملامح قوة تمسكه بها في أكثر من مقطع من قصائد الكتاب، رغم البعاد، فكان جوابه أن: "الجذور باقية لا تموت وهي تتأصل بنمو جذوعها والأغصان بتغذيتها من الحب الإنساني العميق الذي رشفت نسغه في وقت مبكر من حياتي، وعمّدته سنوات الحب والصراع من أجل قيم الإنسان والحياة الأفضل".
وعن قربه من اللغة الإيطالية والمعوقات التي صادفها الشاعر للتعبير عن أحاسيسه اثناء الترجمة أوضح السعدي: "لا أعتبر نفسي، ولا أحب أن أُعدّ مهاجرأ باحثاً عن عمل في بلد أجنبي لاني لم أقدِم الى ايطاليا من أجل ذلك، بل لأسباب أخرى قد يكون الحب في مقدمتها. لا أنكر اني عانيت من اختلاف اللغة في الأشهر الأولى من قدومي، حتى اني شعرت بالصغر رغم تجربتي الطويلة في الحياة، ما دفعني أكثر الى تكثيف دورات تعلم اللغة ودورات الوساطة الثقافية حتى تمكنت من اللغة والإلمام بأبعادها محاولاً الاندماج في المجتمع من دون التخلي عن الهوية الأم". وهنا أشار الشاعر العراقي إلى حقيقة المصاعب التي واجهها في الترجمة مع الإحتفاظ بجانبي المعنى والإيقاع الشعري.
ثم فاجأت مقدمة الأمسية الشاعر بسؤالها: الحب والحنين ملامح برزت من عنوان الكتاب، فهل تعبر القصائد عن حب المرأة، خاصة في ما ظهر من قصيدة "اليك يا امراة أحببت"؟ فيجيب السعدي: "الحب في قصائدي ليس للمرأة فقط بل هو للوطن والأم والطبيعة، وهناك قصائد عبّرت عن الحياة والإنتماء والتجربة الممتدة من الطفولة مروراً بالأنصار - مشيرا الى كتابه نصوص من سيرة أنصارية - وانتهاءً بالاستقرار في بلدي الثاني إيطاليا الذي لا أعتبر نفسي غريباً فيه وقد نسجت شبكة من العلاقات مع أهله، وما وجودي اليوم هنا في فانو إلا تأكيداً على ذلك".
وشدّد الشاعر على أن الغربة شعور لا يتعلق بالمكان فقط وإنما بأبعاد قيمية وحياتية أخرى. ثم قرئت قصيدة "في المسافة بين بغداد وروما" التي فيها المعاني التي أشار اليها السعدي، وهذا مقطع منها:
بين بغداد وروما…، صلة في الرحم…، توحد في الحلم… صحوة…، والظلام دامس. في محلات روما…، تنتشر مورقة… أحاسيس الغبن مشاعر الألم…الندم. وتلتهب هواجس… في التسامح…. التضامن. وفي أزقة بغداد القديمة … ينزف الناس دما… تزهق أرواح… وأحلام. بين بغداد … وروما، نسغ للحب…، نهر يصخب…، وسيل في التوقع. بين بغداد وروما…، إرادة… توحدها القناعات… أن عالما أفضل آت… أن عالما أفضل … لابد…آت… يلوح في الأفق.
وعلا صوت المغنية فريدا بأغنية تناجي قصيدة "أغاني مارتسيا" وهي إحدى قصائد الكتاب، حيث قرأت باللغتين العربية والإيطالية، بمرافقة عزف على الكيتار. وقد أضفى ذلك على الحفل سحراً وجمالا في ظل أجواء الطبيعة المحيطة وانشداد الحضور للإستماع إلى المزيد، والذي كان التصفيق يعبر عنه بعد كل قراءة. وأختتمت الأمسية ولم يتوقف بعد شغف الحضور بالتمتع بالمزيد من هذا التنوع والتناسق بين القصائد في تلميحاتها الرحبة وفي معانيها، والغناء الذي اقترب من مناجاة الشرق، تقديراً واحتفاءً بالشاعر الضيف. ثم وقّع السعدي على نسخ الكتاب التي تهافت الحضور للحصول عليها وسط أجواء من العزف على العود والموسيقى العربية وأحاديث عزّزت التواصل الثقافي بين البلدين.