ادب وفن

محمد سعيد الصكار عاشق الحروف

صباح شغيت

حين أتيحت لي فرصة مشاهدته، تأكدت أن هذا الرجل مسكون برائحة ورق الخط وغرام صورة تلك الكلمة التي رسمت بخط الرقعة في "رانيه" منذ نعومة أظافره في الصف الثاني الابتدائي من عام 1942 كان متعدد المواهب والاهتمامات فهو المصمم المبدع والسياسي البارز والمفكر العملاق وصاحب القلم الملتزم الشاعر الخطاط انه كالشجرة الوارفة فيما كان الآخرون يتكسرون حوله وحين يتحدث تجد في حديثه العذوبة والدفء كان دائم التفكير في كل ما يهم الإنسانية ويسهم في تطويرها الى مرحلة أعلى، فهو ظاهرة نادرة تذكرنا بأولئك الذين تركوا بصماتهم الإبداعية على امتداد الحقب التاريخية، يصر في معطياته الفنية والفكرية والأدبية ان يستنبط جديدا لم يسبقه إليه احد، تصفحت كتابه " محنة محمود الشاهد نصوص مسرحية " أربعة نصوص مسرحية وهي.. محنة محمود الشاهد ويا غريب اذكر هلك وسهرة كأس عراقية وداس طاولي. كان النص الأول مكتوباً باللغة العربية الفصحى أما النصوص الثلاثة الباقية فهي مكتوبة باللغة العامية العراقية عن دار المدى سنة 1997 دمشق ، وقد علمت من صديق لي أن أهم انجاز يحسب له هو " ابجدية الصكار " التي سجلت بوصفها براءة اختراع في باريس ولندن وبغداد والذي كاد بسببه أن يعرض نفسه إلى الاعتقال والاعتداء "، إبان النظام السابق في حينها حيث اتهم بأنه صانع الأبجدية الطباعية وعلق موضحا رؤيته في مقال تفصيلي:" الحركة الفضلى للحرف هي ما كانت في الاتجاه الطبيعي لحركة العين أثناء القراءة ، أي أن الميلان يكون من اليمين إلى اليسار كونه لا يتعب العين، أما العكس فهو متعب لها، ومربك لعملية الاستيعاب ، لكن محمد سعيد الصكار ليس الخطاط الماهر فحسب بل هو أيضا الكاتب والصحافي والشاعر الذي اصدر دواوين " أمطار 1962 وبرتقالة في سورة الماء 1968 "
يزهو التمر في البصرة
تهل شواطئ العشار أشرعه وألوانه
وتمسح عن محاجرها النساء مرارة الحسرة
ويعشب قلب أمي من جديد مثلما كان
عاش الصكار محنة شعبه وحملها بين جوانحه كطائر بري مهاجر تتقاذفه المنافي وتحمله هموم العراق على قاربها من يم إلى يم .. كان يردد العراق والعراق
حاضر في كل شيء في كلماته في خطوطه ونقوشه الجميلة في رسومه التي صورت محنة الوطن وتداعيات التاريخ وهو يرسم بلون اليسار الاحمر ليضع في الصورة شهيدا وشهيدا وشاهدا وشواهد فكان الصكار هو العراق بكل حجمه وكان العراق هو الصكار انسانا ومفكرا مغرما بحب الناس وهذا مالمسته من خلال ثلاث جلسات في مهرجان المربد الشعري في البصرة مابعد التغيير لم التق به الا متاخرا ..لكني متابع بامتياز لاخباره واحتفظ باعماله وكتاباته ومخطوطاته.
رحل الصكار بعد ان حمل سنواته التي تعدت الثمانين بعيدا في المنافي ، ترتجف اليد وتظل الذاكرة متقده تجول في اكثر بقاع العالم والمدن العراقية تصطاد حكايات العراقيين واحلامهم وقلقهم وضياعهم وبؤسهم وتشردهم ومسراتهم وافراحهم وتشم رائحة العراق كلما اطلت علينا حروف وقصائد " ابو ريا "
وبقت خطوطه وحروفه ملونه.