ادب وفن

صادق العلي: الشعر أرقى ما أنتجته البشرية

كريمة الربيعي

شاعر متعدد الأسئلة والجدل، هاجر الى الولايات المتحدة الأميركية، مارا بدول عديدة تركت بصماتها على تجربته الشعرية. متمرد، لكنه يحاور بمنطق صارم، صدرت له مجموعتان شعريتان هما: "هؤلاء نحن" وهي مجموعة من القصائد التي كتبها في العراق وبعض الدول التي مر بها، ومجموعة ثانية بعنوان: "أتيقن من شكوكي"، سألناه عن مشواره الثقافي فأجاب في مطلع هذا الحوار قائلا:
أعتقد أن المشوار الأدبي والفني لا يقاس بمدة زمنية معينة ولا بعدد السنين لأنه ببساطة لا خيار فيه ولا هو منهاج ينتهجه الأديب، أنا اعتبره قدراً أو لعنة ربما الاثنين يجتمعان بداخله، يضاف إليهما ما يحفزه من الأسئلة ورحلة البحث عن أجوبة وسط واقع مرير. بالنسبة لي لا أعلم بالضبط متى وأين رصفت أولى الكلمات؟ رصفت الكلمات فبدت شعراً تارة وقصة تارة أخرى رميتها وقطعتها، احتفظت ببعضها وفي نهاية المطاف أدركت انه الوهم الذي نريد تحقيقة لان البعض وضعوا اشتراطات وضوابط جميعها بعيدة عن الإبداع وبعيدة عن الحقيقية.

ماذا يعني لك الشعر؟

اعتبر الشعر أرقى ما أنتجته البشرية على مر التاريخ، الشعر هو شيء وهو التعبير عن هذا الشيء، انه تركيبة معقدة يعيشها الشاعر ويتفاعل معها ويعيش فيها وبالتالي يقدمها للجميع بعد ان يكون قد استنفذ كل مشاعره وأحاسيسه ليعيد ترتيبها مرة أخرى وهكذا.
ان تحّول العالم الى "سجن صغير وليس الى قرية صغيرة" هو الابتعاد عن الشعر والفنون الإنسانية الأخرى. وان الابتعاد المنظم هذا جعل الإنسان جزءاً من الماكنة التي يقف خلفها ليديرها بل هو الجزء الأرخص فيها، على ذلك فإن ما نتعامل معه هو بقايا إنسان، إذ يمكن ان يفيق من غيبوبته "التكنولوجية والايدلوجية" التي وضعوه فيها بالشعر والموسيقى وباقي الفنون، وإلا فأن العالم سيكون بدائياً أكثر فأكثر من خلال: 1- وحدة القوانين والعقوبات الرادعة، 2- وحدة المعلومة المتداولة سواء كانت صحيحة ام خطأ، 3- الحكومة التكنولوجية الموحدة التي تقسم البلدان وفق استراتيجياتها، وسط هذا الخراب الذي نعيشه يمكن ان نرمم النفس الانسانية من خلال الفنون او الادب وبالنسبة لي من خلال الشعر الحقيقي الذي يتناول القضايا الانسانية بدون أقنعة وبدون مسميات والأهم بدون قناعات مسبقة على المنجز الشعري.

هل لديك هوايات أخرى؟

عزلتي وقراءاتي المبكرة خلقت لدي وجهة نظري بما يجري حولي "بغض النظر ان ما اعتقده سلباً او ايجاباً" وهي عزلة جماعية لعائلتي جراء مواقف سياسية كما أسلفت, ولهذه العزلة تأثير كبير على حياتي فيما بعد من خلال العقلانية التي وجدتني أهيم فيها والتشكيك والبحث المبكر عن أجوبة لأسئلة كبيرة لدرجة ان بعض اصدقاء اخوتي ينصحونني بعدم قراءة هذا الكتاب الآن وقراءته فيما بعد، وهكذا، لذلك لم اجد في الالعاب التي يستمتع بها اقراني من الاولاد ما يثيرني ... حتى هذه اللحظة لا اجد السفر مثلاً هواية لانه مقتصر على الاثرياء، ولا الكثير مما يصرح البعض به من هوايات.

كيف تقرأ الان النخب الثقافية الشعرية باستثناء الشباب؟

النخب الثقافية التي اتعامل معها كلما سنحت الفرصة لي لزيارة العراق هي ذاتها النخب التي تركتها منذ عقدين من الزمن رغم اختلاف الوجوه، بمعنى لن تجد في العراق نخبة ثقافية تختلف ايدولوجيا مع غيرها ولكنها تشترك معها في ذات الوقت بالهم الثقافي العراقي، مثلاً ربما بعض الصداقات تجتمع هنا وهناك وفي بعض المقاهي البغدادية المعروفة مما خلق مسميات لا نجدها الا في العراق منها "التجييل الشعري" ولا اعرف كيف يتم تجييل القصيدة، هل لموضوعها ام لعمر الشاعر؟.. ولان التجييل الشعري من أفشل ما انتجه الوسط الثقافي العراقي فلقد عمدوا على ايجاد ما يسمى بـ "المجايلة الشعرية" وهي ان يكون شاعر بعمر الستين او السبعين ويكتب قصيدة غزل بنفس مراهق هذا ما اعتقده بالمجايلة الشعرية لانهم لم يضعوا تعريفات منطقية نستند عليها في طرحنا... الأدهى من كل ذلك لم تلعب النخب الثقافية دورها المفترض امام مجتمعها وخصوصا في هذا الوقت فما زال المثقف تابعاً للسياسي بشكل مباشر وغير مباشر ناهيك عن وقوفها "النخب الثقافية" بوجه كل ما هو جديد في عالم الادب فتبدو هذه النخب كعجوز تتجول في أنحاء البيت ولا تسكت ودائما تجد ما تتحدث عنه... والا كيف تتقبل هذه النخب الثقافية العراقية قصيدة النثر عالمياً ولا تتقبلها محلياً؟، النخب الثقافية الحالية توارثت عن سابقاتها الجلوس في المقاهي والتنظير واستعراض حجم المكتبات التي يمتلونها.

ماذا بشأن قصائدك الشعرية عن الوطن، عن المرأة؟

في اغلب الأحيان يكون موضوع القصيدة خاضعاً للحظة التي يعيشها الشاعر والتي تحركه وتثير بداخله مشاعر معينة قد حفظها لهذه اللحظة، بمعنى افترض بأن ما يحرك الشاعر ويدفعه للكتابة هي حالة يشاهدها او يسمعها ولهذه الحالة بذرة بداخله "فيغيب المنطق لحظة مسك القلم" تكون هذه القصائد أكثر مصداقية من غيرها، وأنا هنا لا أتحدث عن الوحي الشعري ولا الإلهام ولا غيرها من المصطلحات التي تجعل العالم الشعري مقتصراً على البعض وكأنهم ملائكة... هناك قضايا تجعل البشرية تمضي في ظلمها اكثر فأكثر وتكون مصدراً ثراً للكتابة مثل قضية المرآة وتحولها من تابعة بشكل حيواني للرجل في مجتمعاتنا الشرقية إلى أداة جنس رخيص في المجتمعات الغربية فتشاهدين على التلفاز إعلاناً عن حذاء رياضي رجالي وقد وضعوا فتاة نصف عارية فيه مع اني لا اجد مبرراً من وجودها سوى التسويق وبأسهل الطرق وأرخصها وهي صورة المرأة...
هناك الفقر والجوع للملايين من البشرية حول العالم ما اعتبره وصمة عار بجبين العالم الحر ... ايضاً هناك مفهوم الوطن والمواطنة بالنسبة لمجتمعاتنا العربية فانها فردانية بامتياز إذ لا يوجد مفهوم موحد لمعنى الوطن ولا حتى تعريف يكون مرجعنا جميعا ناهيك عن ارتباط الوطن بالقوانين الجائرة التي يكتبها الطغاة.

حدثنا عن اصداراتك الشعرية؟

صدرت لي عن دار الغاوون مجموعتي الاولى "هؤلاء نحن" وهي مجموعة من القصائد التي كتبتها في العراق وبعض الدول التي مررت بها، عشت فيها في غربتي قبل استقراري في الولايات المتحدة الامريكية والتي شكلت جزءاً من ذاكرتي فيما بعد . كذلك ستصدر لي عن دار ضفاف مجموعتي الثانية "أتيقن من شكوكي".

رأيك بالمشهد الثقافي الآن؟

لا يوجد لدينا مشهد ثقافي عراقي رصين يستند إلى مرجعية ثقافية يمكننا الرجوع اليها في هكذا متغيرات مثلا ً... يوجد لدينا تجمعات ثقافية تعتاش على السياسي او على أقل تقدير ما يوفره السياسي لها وهي في طريقها الى الانقراض هذا لا ينفي وجود مثقفين حقيقيين يحملون هموم الثقافة والانسان ويصمدون الى حين، للأسف يتم تهميش هؤلاء لأنهم الصوت الحقيقي الذي يفضح زيف الطارئين, ايضا لدينا بقايا ايدلوجيات تحاول اثبات افكارها وما تعتقده معتمدة على أساليب بالية لم تعد صالحة أمام المد التكنولوجي الهائل...
المشهد الثقافي العراقي الآن يدفع ثمن خمسة عقود من الصراعات الثقافية واثبات ما لا يمكن إثباته في مجتمع مثل المجتمع العراقي وعليه يجب التأسيس لثقافة عراقية رصينة من خلال الأجيال الجديدة التي تجيد التعامل مع الآخر بعيداً عن تعقيدات الماضي وأمراضه.

هل تأثرت بأحد الشعراء المعروفين؟

انا أؤمن بوجود شعر ولا أؤمن بوجود شاعر بمعنى أنني أنطلق في فضاءات القصيدة ولا انطلق من فضاء الشاعر ان كان معروفاً ام غير معروف، هناك قصيدة لا تحرك فينا شيئا فنتركها على الرف بكل اجلال فقط لانها قصيدة وليس لأنها للشاعر الفلاني... لذلك انا أتأثر بقصيدة ولا أتأثر بشاعر وأؤمن بوجود قصيدة ولا أؤمن بوجود شاعر ويمكن ان أتقبل القصيدة دون كاتبها ولا اسقط ما يربطني بالشاعر على القصيدة... هناك اسماء كبيرة ويعتبرها البعض رموز شعرية ولكنها تخرج علينا بكلمات لا تمت للشعر بأي صلة وهذا واضح للمتابع والمطلع على المشهد الشعري فكيف نتعامل مع هذه الحالة؟، يجب ان نكون موضوعيين وان نتعامل مع القصيدة بعيداً عن اسم كاتبها كي نستطيع ان نقيم المنجز وان يبتعد البعض عن المحسوبية بالشعر والمجاملات التي لا تصنع أديبا بل بالعكس إنها تحطم الأديب.
هل هناك تقارب بين الشعر القريض والحديث المعاصر؟

الشعر واحد في كل الظروف والأحوال ومن الضروري ان تكون أحاسيس شاعرين احدهما يكتب القصيدة العمودية والآخر يكتب قصيدة النثر هي أحاسيس واحدة وان تكون القضايا التي يتناولها الاثنان واحدة وما يستجد على شاعر العمودي يستجد على شاعر قصيدة النثر فأين التباين او الاختلاف؟... ما يتحدث عنه البعض وما يحدث في الوسط الأدبي العراقي هو ذاته ما يحدث في جميع مفاصل الحياة العراقية بمعنى هناك اسماء متخصصة في هذا الجانب ولا يحق لغيرها الدخول فيه!.

هل لديك اتجاهات أخرى؟

لا اعرف ما المقصود بالاتجاهات الأخرى ولكني سأجيب على قدر فهمي المتواضع للسؤال كل ما يتم طرحه من خطط واستراتيجيات ونظريات واختراعات ولا يقدم للإنسان بوصفه الأقدس اعتبره أداة قتل للإنسان وبالتالي هي مرفوضة بالنسبة لي! الشيء الذي يجعل المرء يشعر بإنسانيته أكثر ويوفر له ما تعجز عنه السياسة حين تكون هذه الطروحات وهذه الاختراعات مصدر فخر بالنسبة للجميع. بمعنى عندما تتناول السياسة ومحركها الاقتصاد البشرية على أنها أرقام قابلة للأخذ والرد فأنا ارفض وامقت السياسي والاقتصادي معا مثلاً.
كلمة أخيرة من الشاعر صادق العلي يجب ان يدرك الجميع معنى الحياة والوطن والدين بمفاهيم الحداثة وليس بمفاهيم التاريخ الذي لم نتأكد من صحة معلوماته كذلك البحث عن المشتركات في كافة المجالات وان تكون بلداننا كباقي بلدان العالم.

هل من قصيدة قصيرة من قصائدك؟

"في مدينتي امرأة عجوز بعمر العشرين، منذ زمن اعدم لها أخ قبل ذلك مات لها أب بعد ذلك فجروا لها ابنا، بين هؤلاء فقدت وفقدت، في مدينتي لا تقاس الأعمار بالسنين، ولكن تقاس بعدد من رحلوا.