ادب وفن

رواية "فرانكشتاين في بغداد" التناص والنص الغائب / فاضل ثامر

قد يفاجأ بعض القراء والنقاد بالروائي احمد سعداوي في روايته الجديدة "فرانكشتاين في بغداد"(1) الصادرة عام 2013 عن منشورات الجمل (بيروت، بغداد). لكن القارئ المتابع سيتذكر بالتأكيد ان هذا الروائي سبق له وان سجل حضورا لافتا في روايته السابقة "انه يحلم او يلعب او يموت"(2) "التي اعتمدت على تقنية سردية فيها الكثير من اللعب والخوف والتمويه، وقبل ذلك يمكن للقارئ ان يتذكر بدايته الواثقة في روايته الاولى "البلد الجميل "(3).
لكن احمد سعداوي هنا، بالتأكيد يضع قدما راسخة في ميدان اللعبة السردية ويتقدم بسرعة الى الصف الاول من الروائيين العراقيين الذين اعقبوا جيل عبد الخالق الركابي، احمد خلف، فاضل العزاوي، عبد الرحمن الربيعي ومحمد خضير وتركوا مسافة بعيدة بينهم وبين الجيل الذي أسس للرواية الحديثة في العراق وأعني به جيل غائب طعمة فرمان، فؤاد التكرلي ومهدي عيسى الصقر. واذا شئنا ان نكون منصفين لا يمكن ان ننسى جيل الرواد المؤسسين للرواية العراقية: محمود احمد السيد، ذو النون ايوب، جعفر الخليلي وعبد الحق فاضل وغيرهم.
واحمد السعداوي هنا يقفز قفزة واضحة في روايته الجديدة، فاسلوبه الروائي يفارق ماسبق وانجزه في روايته السابقة "انه يحلم" والتي كانت عسيرة القراءة والملاحقة وفيها الشيء الكثير من الحذف لكنها ربما تشترك مع هذه الرواية في كونها، تعنى بالتقاط جوانب ومشاهد من حياة المجتمع العراقي في فترة الاحتلال وبعد سقوط النظام الدكتاتوري عام 2003 وما رافق ذلك من انقلاب امني وزيادة مظاهر العنف واشتداد الصراع الطائفي مع عناية خاصة باللغة والبناء الفني.
ويبدو ان الراوئي قد افاد الى حد كبير من تجربة الرواية العربية الحديثة خلال العقد الاخير بشكل خاص ورواية الحداثة في الادب العالمي. فهناك وضوح في حركة الاحداث مع الميل للمحافظة على حركة منضبطة للزمن تكاد ان تكون خطية ومتصلة مع اللجوء ولكن بشكل محدود الى حالات الرجع "Flashback" والاستذكار عبر المونولوج وبناء المشهد. وبذا فالرواية تستدرج القاريء الى ملاحقتها بيسر، وربما بسبب مجموعة من الخواص التي توافرت عليها ومنها طبيعة الحبكة المتوترة التي اعتمدتها والتي جعلتها قريبة من حبكة الرواية البوليسية ورواية الخيال العلمي حيث تبدأ هذه الرواية من لحظة توتر من خلال انفجار مفاجيء يهز فضاء المشهد الروائي الذي يتخذ له من منطقة البتاويين في قلب الرصافة ببغداد ميدانا لها، وما يتلو ذلك من ارتكاب سلسلة من الجرائم الغامضة التي تصبح محورا للبحث عن المجهول والذي يقود الى اكتشافات هائلة تقدم تشريحا دقيقا لاوضاع شرائح مهمة من المجتمع العراقي (البغدادي) تحديدا ولمعاناة الناس في فترة الاحتدام الطائفي ونشاط قوى الارهاب والعنف والتكفير في العراق 2005 ـ 2006.
وهذه الرواية بالذات، بدءا من العنوان تستدعي توقفا خاصا مع العتبات النصية التي قدمتها ومنها العنوان والمقتبسات الثلاثة(4) و"التقرير النهائي(5) واخيراً" الاشارات"(6) الختامية التي ذيل بها الروائي روايته هذه. فالعتبات النصية هي موجهات مهمة للقراءة وللتأويل لايمكن لاي قاريء او ناقد ان يتجاهلها. فعنوان الرواية فضلا عن الاقتباس الاول يحيلنا حتما الى رواية "فرانكشتاين"(7) للروائية البريطانية ميري شيللي المنشورة لاول مرة عام 1817 والتي تدور احداثها في القرن الثامن عشر وتتمحور حول رغبة بطلها العالم فكتور فرانكشتاين، المتخصص بالعلوم الطبيعية في الوصول الى "اكسير الحياة" من خلال بث الحياة في احد مخلوقاته غير الحية والذي صنعه من بقايا اشلاء بشرية وحيوانية اخذ بعضها من محلات القصابين والمقابر والمختبرات حيث يتحول الكائن الى مخلوق متوحش مدمر يقتل بشكل عشوائي ودموي حيث يقتل اعز واقرب الناس الى العالم ومنهم زوجته وشقيقه وبعض اصدقائه. وهو ما نجد له شبها كبيرا برواية احمد سعداوي "فرانكشتاين في بغداد" مما يجعل نص ميري شيللي نصا غائبا ونصا مرجعيا وربما نصا موازيا - اذا اعتمدنا اليه المفارقة او "المعارضة" بالمفهوم البلاغي في توليد نصوص جديدة من نص سابق عبر عمليات تمثل وامتصاص واحتذاء تقوم على قواعد التناص Intertextuality الحديثة بعيدا عن اطروحات السرقة التقليدية القديمة.
ويمكن القول ايضا ان رواية احمد سعداوي، وقبلها رواية ميري شيللي تحيلان الى نص غائب كلاسيكي هو اسطورة بجماليون الاغريقية والتي اعاد الادب الحديث تشغيلها برؤى حديثة كما هو الحال في مسرحية "بجماليون"(8) لبرنادشو، والفلم السينمائي العالمي "سيدتي الجميلة" ومسرحية توفيق الحكيم بالاسم ذاته "بجماليون". اذ تقوم الفكرة المركزية للاسطورة عاى توسل النحات (ويقال بأنه ايضا كان ملكا لجزيرة كريت او قبرص) للالهة لكي تبث الحياة في تمثال صنعه وتتحقق رغبته ليجد نفسه امام فتاة جميلة، لكنها في النهاية تتمرد عليه بوصفه خالقها وتختار شابا اخر. (وهناك تنويعات اخرى على الاسطورة ونهايتها).
ومما يكسب الرواية جاذبية انها تعتمد على تقديم شخصية وحدث ينتميان الى مايسمى بفن الغروتسك Grotesque أي الفن الذي يميل الى خلق شخصيات غريبة وخيالية واحيانا مخيفة او مضحكة. كما هو الحال في فيلم "افاتار" مثلا وفي المئات من الروايات والافلام العالمية التي تعتمد على الخيال العلمي والخيال التاريخي، ومنها مسلسل "هاري بوتر" للكاتبة البريطانية ج. ك. رولنغ ومجموعة افلام الغرباء The alien الشائعة في السينما الامريكية وغيرها كثير والتي تدور حول اشخاص غرباء يأتون من كواكب اخرى مثل "الرجل الحديدي" و"ستارترك" و"مصاصو الدماء". اذ بدأ المتلقي الغربي يميل الى الروايات التي تلتقط مواقف او لحظات او شخصيات غروتسكية تثير الرعب والهلع في الغالب - وبشكل خاص عند قراءته لروايات العالم الثالث، حيث يحمل هذا القارئ افق توقع "استشراقي" ملفق عن الشرق والعالم الثالث فيروح يبحث عما هو غريب واستثنائي وشاذ من حالات انسانية صادقة وغير متوقعة، وهذا ما ادركه مؤخرا بعض الروائيين العرب الذين راحوا يتوجهون لارضاء هذه النزعة الاستشراقية الواهمة لدى القاريء الاجنبي وابهاره. وربما يفسر ذلك سبب نجاح اتجاهات الرواية الايهامية والفنطازية والسحرية في العصر الحديث.
يقال احيانا ان الاسد هو مجموعة من الخراف التي هضمها وافترسها وان الناقد – قياسا على ذلك – هو مجموعة المكتبات التي قرأها وتمثلها. ونقول في ضوء ذلك ان الرواية الحديثة – ومنها رواية احمد سعداوي "فرانكشتاين في بغداد" هي ثمرة ما افترسه الروائي من كتب وما قرأه حديثا من روايات وما مرّ به وبمجتمعه وبالعالم من تجارب ومحن ومعاناة بوصفها مادة اولية لمدخلات وبيانات database تعامل معها خيال الروائي ومهارته لتنتهي بعد عمليات تخييلية خلاقة وابداعية في نهاية السلسة الى عمل روائي مبتكر يعبر عن وعي الخالق / المؤلف ذاته وموقفه من العالم على حد تعبير لوسيان غولدمان ورؤيا شخصية يضمرها النص الروائي للنص والحياة معا.
كما ان الاستهلال الموسوم بـ "تقرير نهائي"(9) والذي يسبق الفصل الاول من الرواية، والذي يرتبط بشكل مباشر بالفقرة الاولى من التذييل الختامي الذي يحمل عنوان "اشارات"(10) والذي ينفى جملة وتفصيلا وجود اية دائرة رسمية عراقية بإسم دائرة المتابعة والتعقيب التي اشار اليها الاستهلال الاول "تقرير نهائي" يؤكد ان الطبيعة الميتاسردية لهذه الرواية تكمن في خلق حالة من المباعدة بين الروائي والنص من جهة وكسر امكانية التماهي مع الشخصيات والوقائع والاشارة الى ان الاحداث هي نتاج مخيال روائي محض وان النص الروائي الحالي هو ثمرة ما دبجه شخص يبعث على الريبة اطلق عليه اسم "المؤلف"(11) والذي تم العثور معه على "نص لقصة كتبها بالاستفادة من المعلومات المتضمنة من بعض وثائق دائرة المتابعة والتعقيب، وهي بحدود المئتي صفحة مقسمة الى سبعة عشر فصلا " وهذه الاشارات تحيل بشكل واضح الى متن الرواية الاصلي وفصولها التسعة عشر. وهذا كله فضلا عن الدور الذي شغله الصحفي محمد السوادي في تقصي اثار الجرائم التي كانت تحدث، كلها تعزز المنحى الميتاسردي لهذه الرواية بوصفها مكتوبة بوعي يقصد التدوين والتوثيق ويعتمد الى حد كبير على الوثيقة المكتوبة وما سجلته آلة التسجيل الصحفي نفسه. بل يمكن القول ان وجود صحفي يحاول تغطية جرائم معينة ليكتب عنها، يحيل ايضا الى سلسلة من الروايات والافلام ومنها السوبرمان و"الخفاش" The Batman والتي نجد فيها صحفيا يحاول ان يكشف سرّ الجرائم التي كانت ترتكب في زمنه ويوثقها بالصوت والصورة.
كما لايمكن اغفال النص الثاني من المقتبسات والذي يدور حول حياة القديس (ماركوركيس)، لانه يرتبط ايضا بشخصية العجوز (ايليشوا ام دانيال) التي كانت تعد هذا القديس شفيعها وتعتز دائما بإنموذج الايقونة المشهورة في عالم الفن الكنسي والمعلقة في بيتها والتي تصوره على هيئة فارس يطعن بشجاعة التنين الذي كان يهدد حياة الناس انذاك ويتهيأ لافتراس اضحيته الجديدة ابنة الملك، فيكتسب بذلك شعبية بوصفه منقذا وفارسا وقديسا. وهي واثقة من خلال دعواتها المتكررة اثناء القداس انه بوصفه شفيعها سيعيد لها ولدها دانيال(14) ذلك ان الملك الذي قرر قتل هذا القديس ووضعه بالمعصرة حتى تحول الى اشلاء متناثرة – وهذا ماجاء ذكره في المقتبس الثاني (15) من العتبات، وفي القصص الكنسي المتداول – كان قد عاد الى الحياة ثانية بشفاعة السيد المسيح، وهذا ما تراءى لها وهي تستقبل الزائر الغريب(16) الذي صنعه هادي العتاك من اشلاء جثث ضحايا التفجيرت الارهابية، معتقدة انه ولدها وقد عاد الى الحياة بشفاعة قديسها الاثير، لانها اصلا لم تصدق يوما بأن ابنها كان قد قتل في الحرب قبل عشرين عاما، أي في منتصف ثمانينات القرن الماضي، وانه بالتأكيد سيعود اليها ثانية، وهو ايضا ماجعلها ترفض الهجرة للالتحاق بإبنتها واسرتها خارج الوطن.
ومن جهة اخرى لايمكن ان نتجاهل التعليق الذي اطلقته الصحفية الالمانية التي كانت تعد فلما سينمائيا عن الصحفيين العراقيين والتي كانت برفقة الصحفي محمود السوداني عند سماعها لحكاية هادي العتاك والذي قالت فيه:
"هذا يروي فلما.. انه يقتيس من فلم شهير لروبرت دي نيرو(17). لم يكن هذا التعليق عرضبا او طارئا وانما يكشف عن شفرة من شفرات النص الروائي. اذ ان روبرت دي نيرو كان قد مثل دور الوحش في فلم "فرانكشتاين" والذي انتج عام 1994، وهو واحد من عشرات الافلام التي استلهمت الرواية الاصلية، لكنها قدمت قراءات مغايرة لها وربما يمكن الاشارة الى ان احدث نسخة من هذه الافلام هو الفلم الذي انتج هذا العام 2014 والذي مازال يعرض في دور السينما العالمية. ولكن هنا لا بد من الاحتكام الى الرواية الاصلية بوصفها نصا مرجعيا حاكما. كانت رواية ميري شيللي تحمل موقفا ايديولوجيا – وربما اخلاقيا ودينيا تجاه توظيف العلم بطريقة خاطئة او معارضة للفطرة الانسانية حيث ينقلب فيه السحر على الساحر. فهي بمعنى من المعاني صرخة ضد التوظيف العشوائي وغير الانساني للعلم والذي ينتج سلسلة من الويلات والمآسي على البشرية حيث يكون الفاعل ضحية لفعله. اذ يتحول الوحش او المسخ الذي خلقه العالم فيكتور فرانكشتاين الى قوة عمياء مدمرة تنتقم من الجميع وتبدأ بأقرب الناس الى العالم ومنهم خطيبته واخوه. ففي المشاهد النهائية للفلم يصغي المكتشف الانكليزي (روبرت والتن) الى قصة فرانكشتاين الذي كان يحتضر كما يصغي الى اعترافات المسخ ذاته عن دوافعه الاساسية لارتكاب هذه الجرائم ملقيا اللوم على العالم الشاب الذي بعث فيه الحياة ووصفه بالمجرم الذي خلق انسانا مجردا من الحب والروح وهذا مايؤكد ان مؤلفة الرواية ميري شيللي كانت تمتلك موقفا فكريا واخلاقيا واضحا في هذه الرواية وتقدم فيه تحذيرا قويا من مخاطر التلاعب بالتوازن الطبيعي للحياة وبإساءة توظيف العلم في كشوفات واهداف غير نبيلة.
وربما تكمن وظيفة النقد في الكشف عن المغزى الذي تخبئه رواية احمد سعداوي ومدى مقاربتها للرواية الاصلية، وهي وظيفة ترتبط اساسا بقدرة الناقد على فك الشفرات والرموز اللسانية والسيمائية والتاريخية النصية والخارج نصية التي تهيمن على الرؤيا الروائية.
لاشك ان من اقوى مصادر الجاذبية في رواية احمد سعدواي تكمن في جاذبية وقوة وغموض شخصية الوحش "الشسمه" والذي يتحول الى شخصية اسطورية مركزية تتقاسم البطولة مع بقية الشخصيات الروائية الرئيسة وبشكل خاص شخصيات الصحفي محمود السوادي وشخصية هادي العتاك، بائع الخردوات، والعجوز الاثورية ام دانيال وشخصيته ورابعة لاعلاقة لها بالروائي هي شخصية "المؤلف" بوصفه مشاركا وساردا وشاهدا في ان واحد.
ولاشك ان لشخصية الوحش – الشسمه جذرا في الذاكرة العراقية او البغدادية بشكل ادق يرتبط بظهور مجرم سفاح ظهر في مطلع السبعينات من القرن الماضي كان يرتكب جرائمه بطريقة وحشية عرف بإسم "ابو طبر" وسادت بين الناس انذاك اشاعة تقول بأن النظام الدكتاتوري كان يقف وراء تلك الشخصية. وقد استلهم الكاتب حامد المالكي هذه الواقعة فكتب سيناريو مسلسل قدمته احدى القنوات العراقية خلال عام 2013.
واذا كان هادي العتاك هو من صنع او خلق هذه الوحش فعليا او تخييليا شأنه شأن العالم فيكتور فرانشكشتاين في رواية ميري شيللي من جذاذات واجزاء بشرية من جثث ضحايا التفجيرات في بغداد، فـان قوى خفية، فنطازية وغرائبية هي التي اسهمت ايضا في صناعة هذا المخلوق الغريب. وكنا نتمنى ان نلاحق منذ البداية مراحل "تجميع" هذا المخلوق الغريب، وان لانجد انفسنا فجأة امام جثة كاملة ينقصها الانف فقط والذي عثر عليه هادي العتاك بعد احد تفجيرات ساحة الطيران في بغداد. كما ان الاشارات اللاحقة التي اظهرت في الرواية من قبل رواة اخرين اشارت الى ان معظم اجزاء هذه تعود الى جثة ناهم عبد كي، صديق هادي العتاك الذي قتل في احد الانفجارات. اذ عندما ذهب هادي الى المشرحة لتسلم جثته وجد جثته مجموعة اشلاء متناثرة مختلطة باشلاء ضحايا اخرين وطلب منه ان يختار منها مايشاء، وفعلا اخذ مجموعة منها ودفنها في مقبرة (محمد سكران) شرق بغداد. ويبدو ان هادي كما يقول عزيز المصري، صاحب المقهى الشعبي في منطقة البتاوين حيث تدور الاحداث قد "محا ناهم ووضع الشسمه في مكانه"(19) كما ان الروح الهائمة للحارس السابق حبيب محمد جعفر الذي قتل في انفجار سيارة نفايات كان يقودها ارهابي سوداني بالقرب من فندق السدير نوفوتيل في ساحة الاندلس في الرصافة، هذه الروح الهائمة التي لم تجد جسدها الاصلى بعد الانفجار دخلت هذه الجثة عسى ان تهدا وتدفن لاحقا: "تلبس الجثة كلها، فعلى الاغلب، كما تيقن في تلك اللحظة، ان هذا الجسد لاروح له، تماما كما هو الامر معه، روح لا جسد له. وفعلا نجد ان هذا المخلوق كما اخبر هادي العتاك لاحقا كان يريد الثأر لمقتل حبيب محمد جعفر حتى تهدأ روحه "فروح حبيب تطلب الثأر ويجب ان يقتل المتسبب في موته(20).
ولكي نكتشف المغزى من قيام هذا المخلوق بهذه الجرائم وفيما اذا كانت مجرد جرائم عشوائية ام انها تمتلك اهدافها ومقاصدها الخاصة علينا ان نتذكر ان شخصيته لم تظهر الى الوجود الا بعد عملية بحث وتقص عن هذا المخلوق قام بها اساسا الصحفي محمود السوادي الذي سمع عنها من خلال حكايات هادي العتاك التي كان يرويها لجلاس مقهى عزيز المصري في البتاوين والتي كان الجميع يسخرون منها ويقولون انها مجرد اوهام وخرافات واكاذيب كان يسردها عليهم هادي الذي استحق بفعل ذلك لقب "الكذاب"(21).
ولكي يوثق الصحفي هذه المرويات العجيبة بدا يسجل كل ذلك في مسجلته، بل وطلب من هادي العتاك ان يسجل صوت ذلك المخلوق الغريب للتأكد من صحة مروياته، وهو ما تحقق فعلا، كما ان عملية الكشف والمتابعة ساهم فيها العميد سرور محمد مجيد الذي كان يقود "دائرة المتابعة والتعقيب"(22). الذي كان يرغب في الكشف عن ذلك المجرم الخطير الذي قوض الامن والاستقرار في المنطقة، كانت عنصرا مهما في البحث والاستكشاف من خلال شبكة عملائها ومنجميها الذين كانوا كما يزعم يمتلكون القدرة على التنبؤ بالاحداث قبل وقوعها.
اذ نجح العميد سرور في الاطلاع على كل ماكتبه الصحفي محمود السوادي ومسجلته، كما اجرى تحقيقات مع هادي العتاك و"المؤلف" واستدل في النهاية على المكان الذي كان يتردد عليه في البتاوين وهو بيت هادي والعجوز ام دانيال.
ومن هنا تتحول الرواية بصورة من الصور الى رواية بحث بوليسي تماما كما نجد ذلك في الروايات والافلام البوليسية، لكن هذا المخلوق الغامض كان يفلت دائما. كما ان الرصاص لم يكن يؤثر فيه وتركه المؤلف في النهاية طليقا – وربما كان يسخر من مطارديه الذين اعتقلوا هادي العتاك ظنا منهم انه هو الشسمه المطلوب مصدقين باعترافات هادي العتاك الذي فقد عقله بعدما تعرض الى حادث تفجير شوه وجهه وجسمه فخيل له ان وجهه هو نفسه وجه ذلك الكائن الذي خلقه من اجزاء وجذاذات بشرية، وبذا اعلن امام المحققين بأنه المجرم المطلوب، وهو امر استقبلته السلطات الامنية بالترحاب لانها كانت راغبة في اغلاق ذلك الملف المغلق والغامض.
وقد ادرك محمود السوادي، الذي انتقل الى مدينة العمارة ان السلطات الامنية ترتكب بذلك خطأ جسيما، اذ من المستحيل ان يكون هادي هو الشسمه(23). وفعلا نجد مشهدا له دلالة مهمة نرى فيها شبح الشسمه يخطو بهدوء وهو يراقب المشهد من خرائب "فندق العروبة" الذي تحول الى انقاض بسبب التفجير بينما كان قط العجوز ام دانيال الذي رفض مغادرة المكان يتمسح بسرواله(24). ومعنى هذا ان الروائي احمد سعداوي قد اختار لروايته نهاية مغايرة لرواية ميري شيللي وحتى لسيناريو فلم "فرانكشتاين" الذي قام بدور الوحش فيه روبرت دي نيرو عام 1994. اذ ان رواية ميري شيللي وكذا فلم روبرت دي نيرو ينتهيان بموت الوحش والعالم الذي صنعه أي فرانك فرانكشتاين في مشهد مؤثر وفي منطقة متجمدة من القطب الجنوبي. والحقيقة ان الرواية والفيلم يبدءان من نقطة النهاية ثم يعودان الى الماضي من خلال السرد الذي يصغي اليه المستكشف المغامر (روبرت والتن)، من العالم فرانك فرانكشتاين وهو يكاد يلفظ انفاسه الاخيرة حيث يبدأ يسرد على ذلك المستكشف قصته ورغبته في ملاحقة الوحش لقتله والانتقام منه بناء على موعد للقاء معه حدده الوحش في هذا المكان بالذات، ولكن العالم الشاب يموت قبل ان يلتقي بالوحش الذي يكمل سرد القصة من وجهة نظره ويقرر ان يموت سوية مع خالقه وابيه العالم الشاب حرقا كما هو التقليد المتبع في دفن الموتى من البحارة والمستكشفين انذاك(25).
واذا ما كان الوحش في رواية ميري شيللي ـ وكذا في الفيلم يرتكب جرائمه البشعة انتقاما لان خالقه العالم الشاب قد تجاوز الحد الانساني وخلق كائنا بلا عواطف وروح، وهو يشير الى مغزى اخلاقي وفكري من قضية توظيف العلم بطريقة غير انسانية. فان لدى مخلوق احمد سعداوي في رواية "فرانكشتاين في بغداد" تبريراته وفلسفته الخاصتين. فهو يرفض ان يوصم بالمجرم (القاتل) الذي يقتل حبا بشهوة القتل وذلك انه كما يقول يحمل رسالة لتحقيق العدالة الاجتماعية الغائبة انذاك.
اذ سبق للصحفي محمود السوادي وان عبر عن اعتقاده ان الشسمه "كان في مهمة نبيلة"(26) كما قال هادي العتاك "ان الشسمه سيقوم بقتل جميع المجرمين الذين اجرموا بحقه، ثم يتساقط ويعود الى وضعه السابق، يتحلل ويموت"(27). وكما اشرنا سابقا فقد اخبر الوحش هادي العتاك انه يريد الثأر لروح الشاب حسيب محمد جعفر لكي تهدأ روحه ولايمكن ان نتناسى احدى العتبات النصية الاستهلالية التي يخاطب فيها الشسمه الذين يسمعون التسجيلات ان لايقفوا في طريقه ان لم يكونوا قادرين على مساعدته(28) وهي اشارة الى انه يحمل رسالة لاقامة العدل الاجتماعي. وهذا ما قاله لهادي العتاك:
"انهم يتهمونني بالاجرام ولايفهمون اني انا العدالة الوحيدة في البلاد."(29) كما ترك في المسجلة دفاعا عن موقفه :
"انا الرد والجواب على نداء المساكين: انا مخلص ومنتظر ومرغوب به"(30). ويبدو انه قد وجد له انصارا ومريدين يؤمنون برسالته تلك حيث نجده في الرواية وقد جمع عددا كبيرا من المقاتلين الذين خاضوا معارك مجتنية في الدورة ادت الى فناء اغلبهم.
لكن قناعة هذا المخلوق تتعرض احيانا الى التزعزع ويجد نفسه بلا هدف محدد. ولذا فقد قرر مع نفسه التوقف عن القتل مادام لايعرف المغزى بوضوح"(31). لكنه احيانا يفلسف وضعه بطريقة اخرى:
"ولانه قاتل استثنائي لايموت بالوسائل التقليدية، فعليه ان يستثمر هذه الامكانية المميزة خدمة للابرياء وخدمة للحق والحقيقة والعدل"(32). وقد تعددت الاراء والتأويلات حول هدف الشسمه من استمرار القتل. اذ يرى احد المنجمين انه "يقتل من اجل ان يستمر فهذا مبرره الاخلاقي الوحيد. انه لايريد الذوبان والفناء. لذلك يتشبث بالحياة"(33).
وهكذا راح هذا المخلوق يتحول الى اسطورة شعبية "اذ راحت صورته تتضخم، رغم انها ليست صورة واحدة، ففي منطقة مثل حي الصدر كانوا يتحدثون عن كونه وهابيا، اما في حي الاعظمية فان الروايات تؤكد انه متطرف شيعي، الحكومة العراقية تصفه بأنه يعمل لقوى خارجية اما الاميركان فيرون انه يستهدف تقويض المشروع الاميركي في العراق، ويذهب العميد سرور محمد مجيد الى الاعتقاد ان الاميركيين هم من خلق هذا الكائن بالتحديد خلق هذا الفرانكشتاين واطلقه في بغداد"(34).
وهكذا تتحول اسطرة شخصية هذا المخلوق الغريب الى كرة ثلج تزداد اتساعا، بل وتغطي على الكثير من الشخصيات والوقائع المهمة في الرواية.
يظل السؤال الذي يؤرق عددا غير قليل من القراء: ترى ما الذي اراد الروائي احمد سعداوي ان يقوله في روايته، وهل استطاع ان يقدم رؤية او قراءة متوازنة للوضع السياسي والاجتماعي العراقي بعد الاحتلال وسقوط النظام الدكتاتوري وبشكل خاص في سنوات الاحتراب الطائفي وتصاعد انشطة المنظمات الارهابية والمليشيات المختلفة وبشكل خاص عامي 2005 و2006.
يبدو لي ان الرؤيا السردية التي انجزها الروائي احمد سعداوي تقوم اساسا على الوصف المحايد والمراقبة الحسية البصرية للاحداث دونما اعطاء مواقف محددة، واحيانا محاولة النظر الى المشهد من زوايا نظر متباينة تؤكد الجوهر البوليفوني في مشهد العنف انذاك: فمن الاهداف التي اختارها للانتفام ضابط فنزويلي يعمل في شركة امنية واحد قادة القاعدة في ابوغريب وقائد ميليشيات شيعية في مدينة الصدر. لكني اعتقد انه يحاول ان يواصل ما بدأه في روايته السابقة "انه يحلم او يلعب او يموت" الصادرة عام 2008 من تقديم رؤيا كابوسية للواقع العراقي بدون اسقاطات سيكولوجية وهذا ما رأيته عندما كتبت عن روايته تلك تحت عنوان "بنية المتاهة والنسخ الميتاسردي للحكاية" والمنشور ضمن كتابي "المبنى الميتاسردي للرواية" حيث اشرت الى ان رواية احمد سعداوي هي رؤيا مأساوية وكابوسية لسنوات صعبة من حياة العراقيين بعد الزلزال الكبير. والمؤلف في غمرة تنضيده للاحداث والمشاهد لم يفكر، كما يبدو، ان يترك بارقة امل للمستقبل واكتفى بالرصد والوصف المحايثين والمحايدين من دون ان يفكر بالارتقاء بمستوى هذا الوعي السالب والقانط الى مستوى التمرد والرفض او حتى الصراخ، فجاءت الرواية مرثاة حزينة كئيبة ومؤلمة لواقع يومي مر. وقد كانت الاحداث تمر احيانا عبر رؤيا ساخرة وموجعة قد تكون لونا من الكوميديا السوداء. حقا كان الروائي يلتقط الاحداث او يصفها عبر "عين الكاميرا" او المسجلة، بالصوت والصورة كما يقال ببرود ودونما حسرة او لوعة. وتساءلت انذاك: "ترى أكانت حياتنا حقا كما تخيلها الروائي؟"
وهل تقتصر وظيفة السارد على النقل البارد والفاتر لمأساة بهذا الحجم؟(35) ويبدو ان الروائي احمد سعداوي يواصل الانطلاق في روايته الجديدة هذه "فرانكشتاين في بغداد" الانطلاق من هذه الرؤيا بالذات مع تعديلات طفيفة في البنية السردية التي صاغ بها خطابه الروائي الجديد.
البنية السردية في الرواية مصنوعة بمهارة عالية تدلل على استيعاب ذكي لشروط السرد الحديث وبالذات السرد ما بعد الحداثي. فالرواية تنطوي على اكثر من مستوى: فهناك من جانب المستوى الغرائبي الفنطازي المهيمن في الرواية والذي تحتل فيه حبكة هذا المخلوق الغرائبي الحيزالاكبر فضلا عن اعمال المنجمين والسحرة وحركة الارواح الهائمة وهناك من جانب اخر المستوى الواقعي او اليومي، وهو مستوى مهم يكشف عن الحياة اليومية لشرائح اجتماعية واثنية ودينية عراقية تعيش في رقعة اجتماعية صغيرة هي البتاوين. ويخيل لي ان هذا المستوى كفيل لوحده بأن يصنع رواية متكاملة لكنه تعرض الى التضاؤل والتراجع امام بريق المستوى الغرائبي الاول. وربما يعود ذلك ايضا الى اعتماد الروائي على خلق شخصية غروتسكية غريبة وغير واقعية تمتلك القدرة على شد القاريء والمشاهد بسحر خاص. كما ان الرواية تنطوي على جوهر بوليفوني من خلال تعدد الاصوات السردية وتنوعها وتجاوز المنظور المونولوجي الاحادي لصوت الروائي او "وكيله" الافتراضي. فقد منح الروائي الفرصة لجميع الشخصيات الروائية الرئيسة والثانوية على السواء للتعبير عن وجهات نظرها فيما يجري من خلال حوارات خارجية او مرويات شفاهية او سلسلة من المونولوغات المبؤرة التي تستبطن وعي هذه الشخصيات الروائية وهو ما اثرى فضاء السرد ومنح الرواية بعدا تعدديا وديمقراطيا بعيدا عن المنطق الاوتوقراطي الواحد. اذ اتاح الروائي الفرصة حتى للكائن الغرائبي ان يكشف عن رؤيته ومنظوره بالافعال والاقوال وبشكل خاص عندما وافق على ان يسجل على المسجلة بصوته وشهادته عن مغزى وجوده وافعاله ونظرته الى العالم.
وهذا يرتبط بتعدد الرواة والمؤلفين الذين شاركوا بصورة مباشرة اوغير مباشرة في صناعة فسيفساء البنية السردية هذه فهناك مرويات شفاهية وحوارات ومدونات وتقارير ورسائل الكترونية وتسجيلات صوتية كانت بمثابة المادة الاولية الخام التي تشكل "المتن الحكائي" والتي اعاد الروائي لاحقا اعادة صهرها في بوتقة خطاب روائي مدروس لتحقيق الصورة الاخيرة لما يسميه الشكلانيون الروس بالمبنى الحكائي.
اذ لايمكن ان ننسى المرويات الشفاهية لهادي العتاك في مقهى عزيز المصري، ومدونات الصحفي محمود السوادي ومتابعات العقيد سرور محمد مجيد ومكتبة الاستخباراتي وتقاريره ونبوءات منجمية وعرافية. كما لايمكن ان ننسى الجهد النهائي الذي وقع على شخصية روائية ممسرحة ومشاركة في الفعل الروائي هي شخصية "المؤلف" وهي بالتأكيد لاعلاقة لها بالمؤلف والروائي الحقيقي احمد سعداوي. وهي شخصية مهمة، لانها في الواقع الشخصية التي اعادت صياغة كل هذه المعطيات في خطاب روائي متماسك. وكان اول ظهور له قد ورد في "التقرير"(36) النهائي بوصفه متهما عثر في حوزته عند اعتقاله على قصة تتكون من سبعة عشر فصلا، لكن التحقيق لم يجد مبررا لابقائه في المعتقل لذا اطلق سراحه، وان تقرر فيما بعد اصدار امر جديد باعتقاله، مما دفعه الى الهروب واستكمال الفصلين الباقيين لتضم القصة او الرواية تسعة عشر فصلا. لكن يجب ان نأخذ بنظر الاعتبار ان "المؤلف" هذا لم يكن بمقدوره ان يكمل مشروعه دون الاستعانة بالعشرات من الوثائق والتسجيلات والمدونات والشهادات والرسائل الالكترونية التي كانت تصله تباعا من جهات مختلفة وبشكل خاص من الصحفي محمود السوادي وشخصية غامضة هي "المساعد الثاني".
ان هذه البنية الروائية المركبة تؤكد الطبيعة الميتاسردية لها، وهي لعبة جربها واتقنها احمد سعداوي في رواياته السابقة "انه يحلم او يلعب او يموت" التي سبق لنا وان درسناها في موضع اخر. فهناك اولا قصد واضح لتأليف عمل قصي او روائي، ربما بدأه الصحفي محمود السوادي بتشجيع من رئيس التحرير علي باهر السعيدي وظهر بشكل قصة او تحقيق نشر بإسم محمود السوادي مع تعديل طفيف من قبل رئيس التحرير اشار فيه انه اطلق فيه عنوان "فرانكشتاين في بغداد" على التحقيق مع نشره لصوره من فيلم "فرانكشتاين" الذي قام ببطولته روبرت دي نيرو 1994.
كما اعتمدت الرواية في تشكيلهاعلى مجموعة من المخطوطات والوثائق والمدونات الورقية والصوتية منشورة بصيغتها الاصلية أومبثوثة ومتشظية داخل الفضاء الروائي، وهذه كلها عناصر تعزز المنحى الميتاسردي في الرواية المرتبط هنا بحس مابعد حداثي Post Modernism حيث شيوع ظاهرة التشظي وعدم الايمان بوثوقية المدونة التاريخية من خلال صناعة تاريخ تخييلي خاص، ونفي أي يقين حول ماجرى، من خلال خلق حالة تشوش لدى القاريء الذي يعجز احيانا عن الوصول الى يقين محدد او قراءة سليمة للرواية، لان كل قراءة حسب مايرى جاك ديريدا هي "اساءة قراءة" ليس الا، وهو هدف مركزي من الاهداف الذي تحاول الحساسية مابعد الحداثية اشاعته في الادب والفن والفلسفة بشكل عام وفي الرواية مابعد الحداثية بشكل اخص.
رواية "فرانكشتاين في بغداد" وهي الرواية الثالثة للروائي العراقي احمد سعداوي انجاز روائي عراقي وعربي كبير تنتمي بجدارة الى المنحى الميتاسردي في الرواية بجوهره مابعد الحداثي وهي تواصل تقليدا غرائبيا جريئا بدأه في الرواية العراقية الروائي العراقي فاضل العزاوي منذ روايته الاولى "مخلوقات فاضل العزاوي الجميلة" وانتهاء بروايته "الاسلاف"(38) مرورا بروايته "اخر الملائكة" اما مايقال احيانا من ان الرواية قد افادت من رواية الكاتبة البريطانية ميري شيللي المطبوعة عام 1817 او افادت من فيلم "فرانكشتاين" المنتج عام 1994 والذي يلعب فيه دور الوحش الفنان روبرت دي نيرو فهو لايقلل من قيمة الرواية. انطلاقا من مفاهيم "التناص" الحديثة. اذ من حق المبدع اعادة انتاج الانماط والنماذج البدئية المركبة archytypes من خلال رؤيا جديدة، مثلما يتم استلهام اعمال كلاسيكية او ملاحم واساطير مثل اوديب وبجماليون وجلجامش وقصة التكوين وغيرها عبر منظور رؤيوي وفني جديد، خاصة وان الروائي احمد سعداوي لم يحاول اخفاء تلك الاصول التي يمكن النظر اليها بوصفها تمثل نصوصا غائبة او مرجعية أو موازية تثري النص الروائي الحديث مادام يمتلك اصالته وخصوصيته وتطبيقه على واقع اجتماعي وسياسي محتدم هو الواقع السياسي العراقي بعد التغيير والذي تميز وبشكل خاص عامي 2005 و2006 بإحتدام الصراع الطائفي وتصاعد اعمال العنف والارهاب التي كانت تقوم بها القوى الارهابية والتكفيرية وبعض الميليشيات والتشكيلات المسلحة والتي كانت تستهدف حياة الالاف من المواطنين الابرياء وتهدد الامن والاستقرار في البلاد.
لذا لم يكن مفاجئا ان تقرر لجنة التحكيم في جائزة البوكر العربية للرواية لعام 2014 اختيار هذه الرواية من بين الروايات الست المرشحة في القائمة الصغرى لكي تحصل على المركز الاول في المسابقة ولتؤكد على ان الرواية العراقية اصبحت بحق تقف في الصف الاول من النتاج الروائي العربي الحديث وهو ما يدفعنا الى الاحتفاء بهذا الفوز وتقديم التهنئة الى الروائي احمد سعداوي بشكل خاص والى الوسط الثقافي العراقي بشكل عام.

الهوامش
1_ سعداوي، احمد "فرانكشتاين في بغداد" منشورات الجمل، بيروت، بغداد، 2013.
2_ السعداوي، احمد "انه يحلم او يلعب او يموت" بيروت 2008.
3_ السعداوي، احمد "البلد الجميل" 2004.
4_ سعداوي، احمد "فرانكشتاين في بغداد" ص 5.
5-المصدر السابق، ص 7- 9.
6- المصدر السابق، ص 351.
7- Harrey ,sir paul (ed)the oxford Companion to English literature ,fourth edition ocford, Great Britain ,1967 ,p.312
8- Avery ,Catherine B,The New Century Classical Handbook, New York ,1962 ,p948
9- سعداوي، احمد "فرانكشتاين في بغداد" ص 8.
10- المصدر السابق ص 351.
11- المصدر السابق ص 8-9 وراجع ايضا ص 323 -339.
12- المصدر السابق ص 323 -350.
13- المصدر السابق ص140.
14 المصدر السابق ص 140.
15- المصدر السابق ص5.
16- المصدر السابق ص63.
17 – لمصدر السابق ص 26.
18- Magill Franf N.(ed) Cycoloprdia of literary choracters Harper and Row ,New York ,1963 .p 385
19- سعداوي، احمد "فرانكشتاين في بغداد" ص 265.
20 – المصدر السابق، ص 143.
21- المصدر السابق، ص 25.
22- المصدر السابق، ص 348.
24 – المصدر السابق ، ص 350.
25- ينظر فيلم "فرانكشتاين" بطولة روبرت دي نيرو هام 1994.
26- سعداوي، احمد "فرانكشتاين في بغداد" 145.
27-المصدر السابق، ص 146.
28- المصدر السابق، ص 5.
29- المصدر السابق، ص 149.
30 –المصدر السابق، ص 57.
31- المصدر السابق، ص 234.
32 - المصدر السابق، ص 234.
33- المصدر السابق، ص 334.
34-المصدر السابق، ص 335.
35- ثامر، فاضل "المبنى الميتاسردي في الرواية" دار المدى، بيروت، دمشق – بغداد 2013 ص 277.
36- سعداوي، احمد "فرانكشتاين في بغداد" ص 53.
38- العزاوي، فاضل "الاسلاف" منشوررات الجمل، المانيا – بيروت 2001 وانظر دراستنا عنه في كتابنا "المبنى السردي في الرواية" ص 323 ـ 326.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الثقافة الجديدة العدد 366
أيار 2014