ادب وفن

خليل شوقي.. بعيدا عن التنظير / عبد العزيز لازم

رغم ثقافته المسرحية والعامة الواسعتين، ورغم استيعابه المعمق للمدارس المسرحية والنقدية، لم ينشغل خليل شوقي في الكتابة عن هذه الفروع المعرفية الهامة. بدلا من ذلك كان حبه الاستغراقي للمسرح ارتباطا بهموم الناس، هو الشغل الاستثنائي له في جميع أعماله وفي جميع مراحل تطور حياته. وقد كان ذكاؤه المتقد وقسماته المميزة خير عون له في المساهمة في تأسيس تقاليد للتمثيل المسرحي والدرامي العراقي من النوع الراسخ الذي لا يمكن للذاكرة الشعبية وكذا الذاكرة المسرحية الواعية أن تهمله.
إن كلاً من ثقافته وذكائه وشكله المعبر قد مكنته من إكتشاف واستيعاب خطورة الدور التعليمي للمسرح وكان ملهمه الأول في ذلك الرائد المسرحي الألماني الأول برتولد بريخت. وبذلك أصبح خليل شوقي رائدا هو الآخر في تعليم أجيال من المسرحيين في كيفية تعزيز علاقة المسرح والدراما العراقية بالشعب، عن طريق التعبير المخلص عن همومه وملامسة مشاكله، خاصة تلك المتعلقة بصراع الجماهير المسحوقة مع مستغليها ومعذبيها. فلن يستطيع الناس مثلا نسيان دوره المؤثر في مسرحية "النخلة والجيران" الممسرحة عن رواية الكاتب العراقي الراحل غائب طعمة ?رمان ، عالج فيها بكفاءة عالية دور الطفيليين الذين قذف بهم الاحتلال البريطاني للعراق في التسبب بالضرر للاقتصاد الوطني وبالتالي لعموم المغلوبين على أمرهم. فكانت الكوميديا المرة التي تسمى الآن بالتراجيكوميديا التي سادت العمل قد احدثت صدمة تعليمية باهرة لكل من شاهده، شارك معه جمهرة من المبدعين العراقيين الرواد في مقدمتهم الراحلة زينب وناهدة الرماح وازادوهي صموئيل وفاضل السوداني وغيرهم.
ولعل مما يذكر بوضوح للرائد خليل شوقي هو استخدامه للهجته البغدادية الصافية في انجاز أعمال درامية تتناول مشاكل متأصلة بالريف العراقي، لكنه بدلا من أن يغير لهجته الى اللهجة الريفية حيث يقتضي الدور،استطاع تقديم اللهجة البغدادية وجعلها مقبولة ومستساغة للتعبير عن مشاكل ليست بغدادية في المكان والزمان، كما يفعل الفنانون المصريون على سبيل المثال. ورغم ان هذه المسألة خاضعة للجدل، إلا أن خليلا كان مستقلا عن هذا الجدل، فلسانه الذي تربى في اجواء مدينته بغداد وتكون عليها كان عظيم الولاء لتقاليد الكلام البغدادي الذي جعله?مستساغا للمشاهدين في الريف والمدينة على حد سواء. وهذه هي واحدة من اوجه موهبته الاصيلة رغم معارضة الكثيرين. لقد تكشفت تلك الموهبة بجلاء في فيلم "الضامئون" المستمد عن رواية الكاتب العراقي عبد الرزاق المطلبي حول شغل اجتماعي يحدث في منطقة نائية من ريف ميسان. ورغم ان الكاتب كان يعيش في تلك المنطقة واستلهم أحداثها عن طريق عيشه ومعايشته عن كثب فيها، الا إن كل من خليل شوقي وزملائه في العمل " سامي قفطان وناهدة الرماح وآخرون" واصلوا استخدام لهجتهم البغدادية لتمرير سيرورة العمل الممتع. وهذا مثار جدل من منظور فني علىا أية حال.