ادب وفن

«فاضل ثامر» وأسئلة النقد المعاصر / علوان السلمان

العملية الابداعية أطرافها "المؤلف ـ النص ـ القارئ".. فالنص الذي يخلقه المؤلف هدفه القارئ "الجمهور".. لذا فالخطاب الأدبي هو "الحوار الذي يقيمه الكاتب بينه وبين الجمهور لغاية ما"..
وقد اهتم النقد الادبي بالمؤلف الذي عد محور العملية الابداعية.. واهتمت الدراسات الحديثة بالنص ومن ثم انبثق الاهتمام بدور القارئ "ذلك الشخص او تلك الفعالية التي تعمل على فك شفرات النص وتحقيق نوع من التواصل الجمالي والسايكولوجي او المعرفي معه او استثمار معطياته وممكناته واعادة بنائه وانتاجه.." وفعل القراءة.. فكانت نظرية التلقي.. وكان الاتصال الأدبي الذي يوضحه "ايزر" من منظري نظرية "جمالية التلقي" على انه "نشاط مشترك بين القارئ والنص يؤثر احدهما في الآخر في عملية تنظيم من تلقاء ذاتها.. ومــن ثم فـان الــفاعـالـــــية المستمرة للعمل الادبي تكمن في الخبرة بعملية القراءة وتشتق منها"..
وعملية القراءة عنده تسير في اتجاهين متبادلين.. من النص الى القارىء.. ومن القارئ الى النص فبقدر ما يقدم النص للقارئ يضفي القارىء على النص ابعادا جديدة قد لا يكون لها وجود في النص.. وعندما تنتهي العملية بإحساس القارئ بالإشباع النفسي والنصي وتتلاقى وجهات النظر بين القارىء والنص عندئذ تكون عملية القراءة قد أدت دورها".. فكانت سلطة القارئ ومكانته البنائية في العملية الإبداعية.. فبفعل القراءة صار بامكانه ان ينتج نصا ابداعيا قد يفوق النص المقروء بملء الفراغات وسد الفجوات والكشف عن المقموع والمسكوت عنه.. فينقل النص?من حالة سكونية الى حالة انطلاقية فاعلة تؤكد التفاعل بين نص المؤلف ونص المتلقي نتيجة الاندماج في نص المؤلف والاستمتاع باعادة كتابته.. وبذلك يصير المتلقي منتجا من خلال قراءته للنص لا مستهلكا..

العملية النقدية والخطاب الابداعي

"النقد يبدأ وينتهي على انه تنوير النص.."، كما يقول الدكتور محمود الربيعي في "حاضر النقد الأدبي".. كونه فنا متميزا بتخصصه لدراسة النصوص الادبية والابداعية وتفسيرها وتحليلها والحكم عليها معتمدا على اصول وقوانين مستمدة من المتابعة الدائمة لمجريات الحركة الثقافية وطبيعة العمل الادبي.. انه بحث عن حقيقة النص وادراك كوامنه واسراره.. وحكمه يقوم على اساسين مهمين:
أولهما: مدى تحقيق القواعد الفنية للنوع الأدبي..
ثانيهما: مدى ما يحققه العمل الادبي من متعة ومنفعة..
والنقد الادبي بوصفه عملية ادراكية ـ عقلية وظيفته دراسة النص الادبي اشكالا وملامحا ومدلولات وما يسمى "بيولوجية النص" التي من خلالها يحدد موقع المبدع في خريطة الابداع وتحديد مجال ابداعه.. لذا فهو عملية استبصار الحياة من الداخل.. كون المبدع يخــلق الاثر الفنــي والناقــد يعيش المراحل التي مر بها.. أي ان الناقد بوساطة ادواته المعمارية يخلق الاثر الفني من جديد ومن خلال كشفه لجميع العناصر المكونة له.. كونه قارئاً متخصصاً يعرف قواعد فك شفرات النص لان النقد "قراءة للبنى العميقة في النص ومحاولة لتسويغ جمالياته واسهاما في فك شفراته ورموزه".
لذا فالعملية النقدية بوصفها فعالية تهدف الى اكتناز معالم الخطاب الابداعي في مستوياته الاسلوبية والتركيبية والدلالية تقوم على ركيزتين يعتمدهما الناقد منطلقا في تقويم العمل الابداعي هما:
1ـ الرؤية التي هي خلاصة الفهم الشامل للفعالية الابداعية في نواحي النسج والبنية والدلالة والوظيفة.. وهي تشير الى المشاهدة البصرية والنقل الحسي.. متميزة عن "الرؤيا" المصطلح الذي يشير الى دلالته الحلمية والمنظور الفكري والفلسفي..
2ـ المنهج الذي هو "سلسلة العمليات المنظمة التي يهتدي بها الناقد مستخلصة من آفاق الرؤية للاقتراب من الاهداف التي تنطوي عليها الفاعلية الابداعية".. وفي المـعجـم الفلسفـي "هو اسلوب فعل البشر العملي والنظري الهادف الى امتلاك ناصية الموضوع وتحصيل النتائج الجديدة في الفكر".. اما معجم النقد العربي فيرى ان المنهج "هو الاسلوب الذي يقود الى هدف معين في البحث والتأليف والسلوك"..
وفي معجم مصطلحات الادب هو "العمليات التي يؤديها الانسان ليحول موقفاً غير متعين الى موقف متعين".. اما المعجم الوسيط فيرى ان المنهج "هو الخطة المرسومة وهي دلالة محدثة ومنه منهاج الدراسة ومنهاج التعليم".. والدكتور علي جواد الطاهر فيرى في كتابه "منهج البحث" ان المنهج "طريقة يصل بها الانسان الى حقيقته.."..
اما الناقد فاضل ثامر فيرى في كتابه اللغة الثانية ان المنهج "خطوات محددة يتخذها الباحث ضمن نسق معين لمعالجة مسألة وتتبعها للوصول الى غاية معينة"..
والمنهج النقدي وسيلة الناقد واداته التي يتحكم فيها والتي هي عبارة عن خطوات يتبعها الناقد اثناء تقصيه لمعنى النص الادبي.. لذا فهو دليل عمل يساعد الناقد على الاقتراب من فضاءات النص وتذوقه.. عن طريق الوعي المنهجي الذي هو احد المرتكزات الاساسية في نضج الحركة النقدية الجادة التي يشكل الناقد فاضل ثامر احد اعمدتها .. كونه من النقاد الذين امتلكوا مؤهل القارىء الناقد باختراقه آفاق النقد العربي والغربي وامتلاكه خزينا معرفيا اهله لان يحقـــق وجــوده بتمــيز من خــلال منجــزه النـــقدي عـلى نصوص سردية وشعرية.. فبزغ نجهه منذ الستينيات من القرن العشرين بفضل مقالاته وطروحاته النقدية التي اخذت حيزها في مجلة الآداب البيروتية والثقافة الجديدة ومجلة الكلمة وتحديدا مع ابتداء عام 1965.. وهو في كل نقوداته العقلانية نجد ان الموضوعية في التحليل والتجريد والتأمل المهيمن الاول مع مشاركة وجدانية ذاتية.. حتى انه يدعو الى "قراءة تستوعب النص بعينين مفتوحتين.. وتتحسسه وتشمه بكل الحواس الانسانية.. وتخترقه ببـــصيرة الوعي والقلب معا.. وتتــطلــع الى ما قبل النـــــص وبعده وصولا الى السرد الابداعي الجمالي والانساني الذي يزخر به عالم النص العميق الغور".. كون القراءة بتأمل والحوار مع النص تنقل النص من حالة السكون الى حالة الحركة ومن ثم خلق حالة من التفاعل بينه والمتلقي الناقد الذي يعيد كتابته نقدا أدبيا "إذ إن النقد ذا القيمة هو النقد الذي يصبح أدبا.. هو الذي يستمد قراءته لا لحججه وافكاره وانما لكونه نبعا مستقلا للمتعة الأدبية".. كما يرى جرام هيو في "حاضر النقد الأدبي"..
وهذا يتم عن طريق التدخل والتداخل والتأويل الذي هو "مستوى من مستويات القراءة .. الا انه لا يمكن القول ان كل قراءة هي فعالية تأويلية.. فالقراءة قد تنصرف الى رصد مستويات وطبقات في النص لا ينصرف اليها التأويل بالضرورة..ذلك ان هدف التأويل الأسمى هو الكشف عن الثيمات والمعاني والدلالات التي تكمن فيــما وراء البـنيــة والقيم السطحية للنص الذاتي".. ومن ثم الكشف عن القيم والرموز كون النص هو "حصيلة علاقة تربطه جدليا بوعي المتلقي وردود فعله القابلة دوما للتعيين والتجسيد".. وبذلك يكون المتلقي ذاتا فاعلة وليست منفعلة?. فيكشف حيثيات النص الداخلية ويفك شفراته ويحقق نوعاً من التواصل الجمالي والسايكولوجي او المعرفي معه..
وفاضل ثامر احد النقاد المميزين الذين ملأت طروحاته النقدية حيزها بجدارة والتي كشفت عن ناقد لا يركن الى القوالب الجاهزة والاحكام المتعسفة.. بل يعمل بقدرة حركية وجمالية عالية بحكم انفتاحه على الاتجاهات النقدية الحديثة المتمثلة في عدد من المناهج والمقاربات الحداثوية واللسانية والبنيوية والتفكيكية والاسلوبية.. فعالج الناقد المصطلح النقدي "العلم الذي يدرس الظاهرة الاصطلاحية بمسائلها ومشاكلها في مجال خاص هو مجال النقد الادبي".. باهتمام كبير من اجل اثبات الدقة والموضوعية من خلال استقرائه لمراحله التكوينية.. فانطلق?في تنظيره للمصطلح وحدوده من اهمية في كونــــه يمثل مرحلة متقدمة في النضج والوعي.. اذ انه أداة من أدوات التفكير ووسيلة من وسائل التقدم العلمي والأدبي.. ووضعه لضرورة تقتضيها الحياة المتشابكة.. كونه مرتبطاً بالواقع الاجتماعي والثقافي والفني وبالمنهج الفكري الذي يصطنعه المؤلف لنفسه..فهو يرى انه "تعميم او تجريد ذهني لظاهرة او حالة او اشكالية علمية او ثقافية.. وهو من الجانب الآخر مظهر مهم من مظاهر الوحدة الذهنية والثقافية للامة..كما يمثل في الجانب الآخر قاسما مشتركا بين الثقافات الانسانية المختلفة"..
ومن المصطلحات التي نالت اهتمامه مصطلح "التجريب" في القص الذي هو "حالة دائمة ومتجددة وقابلة للاستئناف والاستثمار من قبل جميع الاتجاهات والاساليب والمناهج الادبية والفنية" والذي ظهر في العقد الستيني وأضفى على إبداع القاص فائدته في انماء رؤياه وتكنيكه الفني.. وكشف له طرقا جديــدة للتعبير والممارسة والانتقال من موقف اجتماعي الى موقف جمالي ذاتي.. كما في ظهور القصة القصيرة جدا وقصيدة النثر والومضة..
والناقد فاضل ثامر يرى "ان هناك ثمة ما يرفد مثل هذا التوجه مما يتيح للقاص فرصة طيبة للاطلاع على تجارب قصصية وروائية ونقدية عالمية وعربية جديدة مما جعل القاص يسعى ويتوق بشكل قصدي لخلق صيغة تجريبية حداثية.. فلم يعد الهم الاجتماعي محور العمل القصصي في هذه الفترة بل اصبح التجريب الجمالي هو الجوهر..".. اضافة الى مناقشته مصطلحي "الرمز والقناع" وتمييزه بينهما بعد ان اجمعت الدراسات النقدية على ان "عائشة" التي سيطرت على القسم الاغلب من تجارب الشاعر عبدالوهاب البياتي الشعرية قناعا شعريا بدليل ان البياتي نفسه كان قد ت?دث عنها ضمن حديثه عن تقنية القناع واشارته الى الأقنعة التاريخية والمعاصرة التي وظفها في شعره.

 المتن الحكائي" و"المبنى الحكائي" من المصطلحات النقدية التي اقترنت بأعمال الشكلانيين الروس وتحليلاتهم للبنية السردية والحكائية، إذ يأتي في مقدمتهم "توما شفسكي" الذي يعد "المتن الحكائي"، "مجموع الأحداث المتصلة فيما بينها والتي يقع إخبارنا بها خلال العمل". أما "المبنى الحكائي" فيتألف من الأحداث نفسها.. والناقد فاضل ثامر يهمل هذين المصطلحين ويعود الى مصطلحي "القصة ـ الخطاب" فيتوصل الى رؤية منهجية باعتماد الثنائية البنيوية.. أما مصطلح "الحداثة" فيرى الناقد انه مستعار من الغرب ويفضل إشاعة "الحداثوية" بدلا عنه لكي يجنب الناقد من الوقوع في المزيد من الالتباسات والاشكالات عند تعريب المصطلح..وهناك ?صطلح "التوازي" الذي عرف في الكتابات النقدية والبلاغية العربية تحت عناوين منها "الطباق والتكرار والمقابلة"، وقد درسها النقد العربي تحت أبواب "النظم" وثنائية اللفظ والمعنى كما يقول الناقد فاضل ثامر..
لقــد تبايــن الخــط التحلــيلي الذي انتهجه الناقد عبر مسيرته النقدية التي اعتمدت العقلانية الموضوعية في مجال الفكر والنقد، إذ اتخذ مسارات كـان الأول يعـتمـد المـنهـج الاجتـماعـــي الواقعي كواحد من مناهج النقد السياقي الذي يرتكز على منطق العصر وحاجاته البيئية ومطالب الانسان المعاصر، ولا يكتفي بالنظر إلى الموضوع، بل يتجاوزه الى المضمون، أي ما يفرغه فيه الأديب والفنان من أفكار وأحاسيس ووجهة نظر".
وهو في هذا يقترب من فضاءات "لوسيان غولدمان" في نظرته النقدية التي ترى أن العمل الأدبي "نتاج اجتماعي وشكل من أشكال التعبير عن الوعي الاجتماعي ) وبهذا فهو يتوجه إلى الآخر ليحقق تأثيرا فاعلا في البيئة الاجتماعية .. وقد تبنى هذا المنهج إضافة إلى الناقد في كتاباته الأولى محمود امين العالم وحسين مروة ومحمد مندور ورجاء النقاش وسلامة موسى ولويس عوض وغالي شكري وعمر فاخوري..
بعد ذلك كان تأثره بالفلسفة الشكلانية "الجمالية" والمنهج البنائي فصار يرى "ان الناقد خاضع كليا لسلطة النص ذاتها.. والقراءة الابداعية هي القراءة التي تسعى للكشف عن المكنونات البنيوية والأنساق الداخلية للنص، إلا أن سلطة النص المطلقة هذه لن تستمر طويلا، فالنقد التفكيكي قد انهى سلطة النص ونقلها الى القارئ بوصفه خالقا للنص".
وهنا يلخص الناقد الأفكار الأساسية للمناهج النقدية الحديثة ويستعرض السلطات المتواترة من خلال المناهج النقدية الحديثة "سلطة المؤلف وسلطة النص وسلطة القارئ"، ومن هنا تشكلت المرحلة النقدية الثانية اذ التأرجح ما بين الشكلانية والتفكيكية..
وبعد اطلاعه على أطروحات البنيوية "الظاهرة الفكرية التي تجمع بين عنصري التحليل القائم على استخراج عناصر مختلفة من مجموعات قائمة والتأليف القائم على تكوين مجموعة جديدة من هذه العناصر اللامتجانسة بحيث يعود أي من هذه العناصر الى وظيفته الأصلية". منذ ان ظهرت كمنهج يقوم على البحث عن العلاقات داخل النص.. والتي أحدثت ثورة هائلة في النقد الأدبي حينما نظرت إلى النص بأنه كيان لغوي قائم بذاته.. معزولا عن المؤلف والظروف التي أدت إلى ظهوره مخالفة مفاهيم المناهج النقدية التي سبقتها في الظهور كالمنهج التاريخي والنفسي والا?تماعي والتأثري التي أكدت بمجملها على المؤلف كمبدع للنص وارتباطه بظروف عصره التي ساعدت على ابداعه.. والتفكيكية التي جاء بها جاك دريدا والتي يقصد بها "تفكيك النص من اجل إعادة بنائه..وهذه وسيلة تفتح المجال للابداع القرائي كي يتفاعل مع النص"، والتأويلية ونظرية التلقي..فكان بتأثير هذا كله التحول المنهجي عنده نتيجة مواكبته للتغيرات والتجديدات التي طرأت على النقد العالمي، فاتجه منهجه صوب التكامل واتخاذ التأويل منهجا للوصول الى مستوى الوعي عن طريق تعدد اوجه معاني النص بفضل تعدد القراءات للكشف عن الجزء غير الظاهر المدلول" signifle "التصور الذي يذهب اليه الذهن بمجرد نطق الكلمة" عن طريق "الدال" significant "مادة الكلمة المؤلفة من حروف صوتية متصلة ببعضها" وهو الجزء الظاهر في النص.. ومن هنا انطلقت المرحلة الثالثة..اذ التنظير النقدي ومواكبة الدراسات النقدية الحديثة في ضوء المعطيات النقدية والمعرفية الجديدة وفي هذا يقول الناقد فاضل ثامر ..
"ان النص الأدبي مشروط بتاريخه وبجوهره الاجتماعي وبانتمائه للمبدع.. وفي الوقت ذاته يتوجه نحو الآخر: القاريء" وهنا يعطي الناقد القارئ ـ المتلقي الاهتمام والعناية ويدعو الى قراءة إبداعية شاملة للنص، ومن النقاد الذين حاولوا تحليل العناصر الشكلية والدلالية بحكم تأثرهم بلوسيان غولدمان الذي نادى بالبنيوية التكوينية عام1979 والتي هي "فلسفة متكاملة ذات منظور نقدي يتجاوز سلبية النقد الى استشراق ايجابية تنسجها الجدلية القائمة بين الذات والموضوع"، انها تسعى الى اعادة الاعتبار للعـمل الادبـي والفـكري فـي خصـوصيـتـه دو? ان تفصله عن علائقه بالمجتمع والتاريخ..وعن جدلية التفاعل الكامنة وراء استمرار الحياة وتجددها.. فــكانــت منــهــجا نقديا للنصوص الادبية كونها تسعى الى تحقيق وحدة بين الشكل والمضمون..
لقد ظل فاضل ثامر يبحث عن منهج نقدي لا هو بالسياقي، إذ أن المناهج السياقية "التاريخية والاجتماعية والنفسية والتأثرية" هي مناهج تدرس النصوص الأدبية في ظروف نشأتها والسياقات الخارجية لها والتأثيرات التي يتوقع للنص ان يؤثر بها أي "كل ما حول النص وأثره في النص".
ولهذه المناهج وظائفها المتمثلة في أنها لا تكتفي بتفسير الأعمال الإبداعية الأدبية وتبيان مدى علاقتها بالنظم الاجتماعية.. بل بتقديم مساعدة لعامة القراء على فهمها وإدراك مراميها القريبة والبعيدة.. ولا هو بالنصي الذي بدأ مع حركة الشكلانيين الروس والتي قصرت اهتمامها النقدي على النص وحده من دون الخوض في المعالم الخارجية المتصلة به، اضافة الى المنهج الاسلوبي والتفكيكي والبنيوي.. بل التوفيق بينهما مـن دون اهمــال للنــص الادبي ولا لمؤلفه ولا قارئه ولا العوامل المحيطة به.. وهذه النظرة الشمولية يؤكدها عبدالرحمن ياغي?في كتابه "نحو حركة نقد أدبية راسخة" اذ يقول: والنقد في امس الحاجة لمثل هذه الرؤية الشمولية التي تجمع التيارات المتشاكلة وتستخلص منها القواعد التي تمكن من العبور إلى إيقاع العمل الأدبي"
لذا ففاضل ثامر يدعو الى "ضرورة الدمج الفعال والجدلي بين الادوات المنهجية والاجرائية للرؤيا النقدية الحداثية بما فيها من وصف وتحليل وتأويل من جهة وبين منظومة القيم الانسانية والاجتماعيــــة التي تزخر بها التجربــة الانسانــية وصولا الى الكشف عن "رؤيا العالم" التي يكشف عنها النص على حد تعبير "لوسيان غولدمان" كما يقول الدكتور جمال شحيد في كتابه "في البنيوية التركيبيةـ دراسة في منهج لوسيان غولدمان"، حتى ان الناقد يرى ان رؤياه النقدية الجديدة تشكل تطويرا واغناء لرؤيته السابقة..اذ يرى انه لا يمكن للناقد ان يتجمد?رؤيويا ومنهجيا عند صيغ وقناعات وقوالب ثابتة ونهائية..ولابد له من التطور والاغتناء والتفاعل مع المتغيرات الثقافية والنقدية تجنبا للركود والجمود والاجترار..

قراءة موجزة في منجزه النقدي

1ـ معالم جديدة في ادبنا المعاصر:
فيه ينحو الناقد منحى المنهج الاجتماعي، وهذا الكتاب يشكل بواكير نتاجه النقدي بعد كتابه (قصص عراقية) مع الناقد ياسين النصير..
2ـ مدارات نقدية في اشكالية المنهج والنظرية والمصطلح في الخطاب النقدي:وفيه يعتمد المنهج الاجتماعي، لذا فهو امتداد لمنهجه الذي رسمه في كتابه الاول "معالم جديدة في ادبنا المعاصر".. لكن الرؤية النقدية فيه تندرج ضمن مسعى نقدي يحرص على المزاوجـــة بــيـن المنظورين الجمالي والاجتماعي في الخطاب السردي..
فهو يقول: اننا في الواقع لا نستطيع ان نكتفي بما طرحه الموروث النقدي والبلاغي فقط.. بل لابد من اعادة النظر فيه بروح نقدية معاصرة في ضوء الكشوفات والمناهج النقدية الحديثة، لذا فهو يحاول ان يضع قراءة تقويمية لبعض الدراسات النقدية فيرصد عيوب بعض النقودات "نقد النقد".. فهناك نقده لدراسة الدكتور جلال خياط (الشعر العراقي الحديث ـ مرحلة التطور) اذ غياب الرأي الشخصي والاعتماد على آراء وملاحظات الباحثين واعتماده الاقتباسات المأخوذة عن آخرين ..وليس من فضيلة للباحث فيها سوى الربط والتنسيق..).. اضافة الى عناية الدكتور التقسيم الزمني واهمال الملامح الفنية..
كذلك يقف الناقد على رسالة الماجستير للشاعر يوسف الصائغ/ 1978 (الشعر الحـر في العـراق منذ نشأته حتى عام 1958) ..اذ يرى ان الصائغ قد جزأ النص الشعري الذي يدرسه الى مجموعة من العناصر والمكونات والعلاقات المنفصلة عن بعضها.. اضافة الى انه نحا منحا واقعيا اشتراكيا في نقده ..الا انه كان قاصرا عن فهم الطبيعة الديناميكية لعملية الانعكاس في الأدب والفن.. فقد فهمها الباحث بفهم ميكانيكي مسطح.. اضافة الى ذلك يدرس الشاعـــــــر صلاح عبد الصبور في "اقول لكم" وقصيدة القناع التي تتكامل في ديوانه "احلام الفارس القديم" 1964?. كذلك يقرأ قصيدة "مهيار الديلمي" لادونيس ويجد لجوء الشاعر الى اسلوب السرد القصصي او البناء البالادي بدلا من المنولوجات التي تغلب على معظم قصائده.. فبدلا من استخدام ـ اناـ الشخصية التاريخية (الصوت الاول) يستخدم الصوت الثالث (ضمير الغائب)...
3- الصوت الآخرـ الجوهر الحواري للخطاب الادبي:
وفيه يشير الناقد الى ما اصاب العالم منذ الستينيات من تغييرات معرفية منحت الرؤى النقدية افقا نظريا جديدا، فهو يقول:"لقــد اصبـح من الضروري جدا للناقد العربي ان يعيد النظر في منطلقاته النقدية التي اعتاد عليها وان يسعى لاعادة تشكيل رؤاه النقدية في ضوء جديد"، لذا فهو يدرس فيه بعض النصوص وفق المنظور البنيوي والنصي ولا ننسى المرجعيات السياقية المتعلقة بها وبمؤلفها.. فدرس روايتي عبدالحق فاضل "مجنونان" و"اللعبة" اذ رأى ان الروايتين تنطلقان من عملية اختيار ذاتية تتحول بمرور الزمن إلى لعبة خطرة ومأساوية وبتحــديـد أكثر أنها عملية اختبار لمتانة علاقة الحب بين الرجل والمرأة.. بين صادق شكري وصفية بالنسبة لرواية "مجنونان" وبين الدكتور رافع وزوجته غادة بالنسبة "للعبة".. وفي كلتا الروايتين يشرع البطل بتحديد نوع اللعبة المخادعة واخفاء الشخصية عبر ارتداء قناع تنكري آخر يخفي الذات.. اضافة الى ذلك يدرس قصة "الساعات" للقاصة لطفية الدليمي والتي تعكس فيها الحوار التأملي مع الزمن.. حيث ان امرأة ورجلا يخوضان تجربة مثيرة.. انها اعتزال العالم واقامة سياج بينهما وبين حركة الاشياء في الخارج.. هذه القصة تذكرنا بالابطال اللامنتمين الذين تحدث عنهم كولن ولسن والذين يعيشون تجارب متوحدة مماثلة.. وبطل رواية الشحاذ لنجيب محفوظ وقصة (ساعة كالخيول) لمحمد خضيرالتي يقيم فيها البطل حوارا مع الزمن.. وفيه ايضا يدرس قصيدة "حديقة علي" لرشدي العامل والتي هي عبارة عن خطاب شعري "مونولوجي" داخلي موجه من الاب ـ الشاعر الى الابن المسافر.. وفيها يتداخل الشعر بالسرد من خلال تحولـــــها نحــــــــو الدرامية.. ومن قراءاته السردية (الرجع البعيد) لفؤاد التكرلي.. والتي يعدها الناقد ذروة الصياغة الفنية في الرواية متعددة الاصوات.. فهي من الناحية الفنية تعتمد بنية درامية متنامية.. معتمدة مبدأ تعددية وجهات النظر او "الرؤى".. كذلك توظيف الروايــــــــة ضمير الغائب "هو او هي" واحيانا ضمير المتكلم "انا" ومن جانب آخر يشخص الناقد مظاهر انساق الزمن الاساسية للرواية الى:
1ـ النسق الزمني الهابط 2ـ النسق الزمني الصاعد 3ـ النسق الزمني المتقطع..ويرى الناقد ان هذه الرواية تلتقي مع رواية(خمسة اصوات)لغائب طعمة فرمان في تكريسها لفصل خاص لوجهه نظر كل شخصية روائية ..وكذلك قربها من اسلوب وليم فوكنر في روايته "الصخب والعنف" ورواية "ميرامار" لنجيب محفوظ..
4ـ اللغة الثانية في اشكالية المنهج والنظرية والمصطلح في الخطاب النقدي العربي الحديث:وهو بمثابة القاعدة الرؤيوية باتجاه التكاملية النقدية التي يعتمدها الناقد.. اذ محاولته عقد اندماج بين قيم ومنطلقات نقدية متباينة وبين المناهج والمنطلقات الجمالية الفنية والبنائية من جهة والمناهج السوسيولوجية والتاريخية من جهة اخرى.. وفي هذا حاول الناقد ان يختـط لنفســه منــهجا يوازن بين الجمالي والمعرفي وينطلق من خصوصيات النص الادبي ذاته.. وبذا كــان تنــاولــــه النقدي اكثر اتساعا ومرونة وشمولية وموضوعية لانفتاحه على المستويات الكلية للنص.. كما في قراءته لقصيدة "سيدة التفاحات الاربع" ليوسف الصائغ.. وقصيدة "اعداء" لياسين طه حافظ.. وفـــــي قراءته يتداخل التأويل الذي هو "فعالية ادبية وفكرية ينهض بها القارئ الباحث عن المدلولات الجمالية والايحائية عبر قراءة واعية ودقيقة للنص" كما تقول الدكتورة نادية هناوي سعدون في "القارئ في الخطاب النقدي العربي المعاصر". وتحليل النص كونه "نشاط ضروري لاية محاولة للفهم والادراك" كما جاء في "نظرية الاصول المعرفية لنظرية التلقي" لناظم عودة..
5ـ المقموع والمسكوت عنه في السرد العربي:
وفي هذا الكتاب ينطلق الناقد من خلال المنهج التأويلي للكشف عما هو مغيب وباطني وراء السطح الظاهري للنص، إضافة إلى الكشف عن الآلية التي تشكل الخطاب السردي والخلفيات المعرفية والدلالية والسوسيولوجية.. فهو يرى ان الجزء المغيب في الخطاب السردي يمثل نصا غائبا لا يقل اهمية وتأثيرا عن النص المكتوب.. ذلك ان النص الابداعي العربي لا سيما الروائي يجد نفسه مضطرا في الغالب الى الصمت او السكوت تاركا المزيد من الفجوات الصامتة التــي تتــطلب جـهدا فــاعــلا مــن جهة المتلقي

اقتصرت تحليلات الناقد فاضل ثامر على النصوص السردية والشعريــة، متــنوعــة الأفكار والأهداف والأساليب والتي تنم عن وعي منهجي وعقل متفتح.. فهو يحدد الحداثة ليس باطارها الزمني، بل بتجربة رواد قصيدة التفعيلة، وهو في ذلك ينطلق من روح منهجه السياقي الذي اختاره في بواكيره النقدية لأنه ربط فكرة الحداثة بفكرة التفاعل مع الواقع الاجتماعي والإنساني، فهو يرى أن تجربة الرواد في أواخر الأربعينيات والتي عمقتها تجربة شعراء الخمسينيات هي التي تمثل النزعة العقلانية للحداثة.. أما النزعة الرؤيوية فتحققت مع شعراء الستينيات، وما بعدها كان الجمع ما بين النزعتين.
6ـ فاضل ثامر في مبناه الميتاسردي:
النص الثقافي معطى قابلا للاستنطاق والتثاقف، واللعبة الميتاسردية لعبة قائمة على قصدية الكتابة كأدب تخيلي ينتمي لتيار ما بعد الحداثة يتناول بوعي ذاتي أدوات السرد ليكشف عن خدع النص الداخلية عبر حكي خيالي يتحدث عن الهموم السردية داخل فضاء السرد، حيث يبرز سارد يوظف غالبا ضمير المتكلم ليعلن صراحة عن نيته كتابة نص سردي أو حكائي أو يكشف عن رغبته بالعثور على مخطوطة أو وثيقة أو مدونة شفاهية او مكتوبة، فيبدو السرد متماهيا الى حد كبير مع السرد الاوتوبيوغرافي ـ السيري الذاتي، لذا فهو السرد حول السرد بتداخل الراوي بمج?ياته مخاطبا المتلقي او محاورا شخصياته الروائية وتندرج هذه التقنية الأسلوبية التي تقدم على فكرة التداخل النصي ضمن اطار النقد الأدبي التطبيقي ما بعد الحداثوي بتوظيف آليات قرائية تكشف عن عناصر النص ومكوناته ووظائفه وصوت الروائي المتوحد والراوي المركزي الذي يتدخل ليفصح عن نظرته للإبداع أو يقدم تصورا روائيا مغايرا باعتماد التعددية كقيمة سردية جمالية، كون "المتعدد هو الأساس الإدراكي والمعرفي لأي ممارسة فنية أو أدبية أو علمية".
مرحلة الستينيات من القرن الماضي تعد مرحلة التجريب على مستوى البناء والصياغة بتوظيف عدد من التقنيات الفنية منها تقنية الميتاسرد التي دعمت بدراسات وتنظيرات من قبل نقاد وروائيين، و"المبنى الميتا ـ سردي في الرواية"، المنجز النقدي الذي بيّن رؤاه النقدية الحداثوية التي احتضنت سبعا وثلاثين عنوانا وتمهيداً حول أطروحة الكتاب التي تنهض على "فرضية أن أشكال البناء الميتاسردي او الميتا روائي في الرواية العربية وقبل ذلك في الرواية العالمية.. هي تنويعات وتمثلات لما بعد الحداثة في الثقافة". وهي بمجموعها تشكل احد المؤلفات?التنظيرية لهذه التقنية الادبية والتي شكلت الرواية فضاءها الرحب، اذ يتناول الناقد الاليات المشكلة للميتا ســرد "المخطــوطة/ المــدونة الرقــمية/ التحقــــيق الصحفي/ اليوميات بوصفها مدونة وثائقيــة/ مخطـــوطة العائلة والميراث/ صناعة الطاغية ميتا سرديا فاللغة السردية والتخيل التاريخي لثنائية الطبيعة/ الثقافة وأخيرا انثى السراب بوصفها لعبة ميتاسردية.. فتذييل اللعبة الميتا سردية بوصفها تجريبا.. ثم يعرج الناقد على بعض النماذج الروائية ناقدا لها ومطبقا للمنهج الميتاسردي منها:
"سابع ايام الخلق" للروائي عبدالخالق الركابي و"كراسة كانون" لمحمد خضير و"رغوة السحاب" لمحمود عبدالوهاب، وغيرها، ثم يكتب الناقد في السرد الواقعي والسرد الغرائبي ويكون سليم مطر في "امراة القارورة" انموذجه بوصفها رواية تنتمي الى مخيلة فنطازية وهي تقيم تناصا بنيويا وسرديا مع حكاية المصباح السحري في "الف ليلة وليلة"، اما في المدونة الرقمية كبنية سردية فيتخذ الناقد من رواية "بنات الرياض" للسعودية رجاء عبدالله الصانع انموذجا، كونها تتخذ من المدونة الرقمية منطلقا لها في بناء الخطاب الروائي من خلال استثمار طاقات الش?كة العنكبوتية والانترنت للاتصال التفاعلي مع الاخر. أما التحقيق الصحفي كبنية ميتاسردية فتشكل رواية "الراكض وراء الذئاب" لعلي بدرهي الانموذج..فـ "قراءة في بلاد سعيدة" لشاكر الانباري والتي هي مزيج من الحاضر اليومي لعراق ما بعد الاحتلال وتفاصيل الماضي البعيد المستعادة في ذاكرة ابطاله وشخصياته.
هذا يعني ان الرواية تنهض على استثمار خزين السيرة الذاتية للمؤلف، لكنها "سيرة ذاتية ماكرة مموهة ومتشظية، فالمؤلف وزع بمهارة مكونات سيرته الذاتية على شخصياته الروائية، كل شخصية تحمل جانبا من خزين تجربته.. وتحت عنوان الرواية تشظي الثيمة المركزية.. كانت رواية المنعطف لحنون مجيد انموذجا.. أما البطل الجماعي وإشكالية التبئير السردي فرواية عبدالله صخي "خلف السدة" التي تتجاوز الاطر التقليدية والمحاكاتية للسرد الواقعي.. اذ تتميز "بغياب مفهوم البطل المركزي وسيادة البطل الضد او البطل اللابطولي" فجميع الشخصيات تنتمي ال? نمــط الشخصيات الثانوية وهي شخصيات بسيطة مستمدة من القاع السفلي للمجتمع.. اما تحت عنوان السرد وتصدع البنية الاطارية فيكون فيها محمود الظاهر ورواية "تقاطع الأزمنة" وأسئلتها الخاصة بلغة السرد والبناء وزاوية النظــر وبناء الشــــخصيات وحركيــتــها انموذجا.. كونها تعتمد على بنية ميتاسردية تقوم على اشتغال بنية اطارية سردية تتمحور حول الطبيب الجراح الذي يستقبل في المشفى مريضا يحمل في يده رزمة من الأوراق يكتشف الطبيب بعدها ان هذا المريض مشهور فيقرر ان يجرب عليه جهازه العلمي الجديد القادر على قراءة أفكار مريضه وت?جيلها على الورق.. ومن ثم ينتقل الناقد دارسا رواية موسى كريدي "نهايات صيف" التي مثلت تتويجا لتجربته التي تكشف عن جوهر ميتاسردي منذ بدايتها.. اذ تدور حول تجربة عبدالله الذي يحلم ان يصبح مؤلف قصص وروايات.. بعد هذا يعرج الناقد على الميتاسرد وفتنة النص المتفرع والوقوف على رواية "اوتار القصب" للناقد الدكتور محسن الموسوي والتي تعتمد بشكل مقصود للافادة من فكرة النص المتفرع واثراء المتن النصي الاصلي بمجموعة كبيرة من الهوامش والحواشي التي تعلق على الحدث الروائي.. وتحت عنوان من الوعي القائم الى الوعي الممكن تشكل رواية "الصليب حلب بن غريبة" لفهد الاسدي مجموعة من الاسئلة حول طبيعة تجربة الاتجاهات الواقعية في الادب العراقي منها الطريقة التي اعتمدها الراوي في توظيف اللغة الشعبية والريفية ومحاولة تفصيحها او الابقاء على مفردات شعبية مثل "الهوسات" الشعبية.. كما تطرح الرواية بعض الاشكاليات الخاصة بطريقته في تحقيق لون من التناوب السردي في المنظورات ووجهات النظر الخاصة بالشخصيات الروائية الرئيسة..ثم ينتقل الناقد الى الهوية السردية للمدينة التي هي جزء من نظرية سردية واسعة طورها بول ريكور في كتابه "الزمان والسرد".. ونص بصرياثا.. صورة مدينة لمحمد خضير انموذجا.. فاليوميات بوصفها مدونة وثائقية ميتاسردية ورواية "العمامة والقبعة" للمصري صنع الله ابراهيم.. وهي تحاكي بنية اليوميات التي كتبها مؤرخ مصر عبدالرحمن الجبرتي والتي دون فيها يوميات الحملة الفرنسية لاحتلال مصر والموسومة بـ "عجائب الاثار في التراجم والاخبار".. فمخطوطة العائلة والميراث الميتاسردي والتأمل النقدي في رباعية عبدالخالق الركابي
اما رواية "لعبة النسيان" للمغربي محمد برادة فقد درسها الناقد تحت عنوان اللعبة الميتاسردية والتنازع السردي.. والتي تنفتح منذ بدايتها على منزع ميتاسردي يكون فيه فعل الكتابة والسرد قصديا وواعــيا ومتقـــلبا حسب لعبة المؤلف او راويه الضمني.. وتحت عنوان عندما يشترك الضحية والجلاد في اللعبة الميتاسردية يتناول الناقد رواية "قشور الباذنجان" للقاص والروائي عبدالستار ناصر كشهادة شخصية عن تجربة عاشها المؤلف في المعتقل.. اما رواية "حكايات دومة الجندل" لجهاد مجيد فقد كانت تحت عنوان بين لغة الموروث الشفاهي ولغة السرد الحديث.. والتي تستحضر الماضي برؤيا حديثة.. اذ يحاول الحفيد "بطل الرواية" وراويها المركزي لاستكمال مهمة البحث التي قام بها جده عن مدينة الاسلاف الافتراضية "دومة الجندل".. ولفاضل العزاوي كان اختيار الناقد لرواية "الاسلاف" انموذجا تحليليا تحت عنوان الاختراق الميتاسردي للفنطازيا.. كونها تتكئ على المخطوطة بوصفها نصا سرديا مستقلا.. حتى انها تشكل المتن النصي الأساسي للرواية باستثناء المقدمة التي تروى من قبل راو ضمني يصف نفسه بـ "الناشر"..
وتحت عنوان اللعبة الميتا سردية وخيارات السرد المتعدد يكون مهدي عيسى الصقر في روايته "امراة الغائب" انموذجا نقديا.. اما جمعة اللامي في روايته "مجنون زينب" التي اندرجت تحت عنوان عندما يتحول الميتاسرد الى لعبة ماكرة.. والتي تتشكل بنيتها من تسعة مقاطع تتراوح بين نصوص شعرية وعرفانية ورؤى تخييلية واناشيد ومذكرات وتجليات وصحائف صوفية.. فضلا عن ثيمتها المركزية المتمحورة حول شخصيتي "زينب والمجنون" خط سردي تمثله مرويات وحكايات الراوي.. ثم ينتقل الناقد لقراءة الروائية لطفية الدليمي عبر روايتها "سيدات زحل" تحت عنوان الكتابة الميتاسردية ملاذا من جحيم الموت.. فرواية عزازيل للروائي يوسف زيدان والتي احتضنها العنوان شخصية القرين وثنائية العرفاني/ البرهاني.. والتي تتشكل من مقدمة ومتن مخطوطة كتبها راهب من اصل مصري يدعى "هيبا"..
وتحت عنوان "الحب ضحية لإرهاب الحرب" فقد وجد الناقد ان اللعبة الميتاسردية تتمثل في رواية "اسمه الغرام" لعلوية صبح.. اذ يجد الناقد انها "من الروايات القليلة المحتشدة بالعناصر الميتاسردية الواضحة عبر فصولها.. ففيها تركيز استثنائي على فعل الكتابة السردية.. وللروائي الفلسطيني حسن حميد يتناول الناقد رواية "جسر بنات يعقوب" منطلقا نقديا تطبيقيا للميتاسرد تحت عنوان بين ما يقوله المؤلف وما يقوله النص.. كونها تتشكل من متنين نصيين مستقلين الأول يتمحور حول الدير المطل على قرية الشماصنة وراهباتــه الثلاث.. والنــص الأ?اس الذي يتمحور حول المهاجر يعقوب وبناته والجسر الذي استحوذ عليه.. اما رواية "الخائف والمخيف" للروائي زهير الجزائري فقد كانت انموذج الناقد لبابه "صناعة الطاغية ميتاسرديا" وفيها يعتمد الروائي تقنية الميتاسرد في بناء الحدث على توظيف اللغة السينمائية عبر تقنية السيناريو الذي يعمد الى خلق مشاهد ولوحات بصرية بعيدا عن تدخل المؤلف.. وقد اعترف "وليد" سارد الرواية مع نفسه عن هذا المنحى في التقاطه وتناوله للاحداث.. اما باب "اللعبة الميتاسردية والتخيل التاريخي لثنائية الطبيعة/ الثقافة" فقد كانت رواية "القوس والفراشة" ?لروائي المغربي محمد الاشعري.. وهناك تحت باب "التاريخ بوصفه حاضرا في الخطاب الروائي" فقد كانت رواية "دروز بلغراد..حكاية حنا يعقوب" للروائــي اللبناني ربيع جابــر.. وفــي باب "انثى السـراب بوصفها لعبة ميتاسردية" فتكون رواية "انثى السراب" للروائي واسيني الاعرج التي تعلن منذ البداية عن لعبتها الميتاسردية.. كونها قائمة على تلفيق افتراضي وتخيلي لخلق شخصيات وأجواء وصراعات على الورق.. وأخيرا يقف الناقد على عملية التجريب القصصي في بابه الأخير "تذييل اللعبة الميتاسردية بوصفها تجريبا على مستوى البنى واللغة والأساليب ووجهات النظر والرؤى.. ويشير الناقد الى ان عقد الستينات من القرن الماضي كان قد شهد الاقتران الابرز بين القصة القصيرة واللعبة الميتا سردية.. كما في قصة "همس مبهم" لفؤاد التكرلي و "اهتمامات عراقية" لجمعة اللامي و"الدائرة لا باب لها" لعبدالرحمن الربيعي و"العلامات المؤنسة" لمحمد خضير و"اوراق ضالة لرحلة قصيرة" لموسى كريدي و"وقفة عند جدار الموت" ليوسف الحيدري و"في زورق واحد" لجليل القيسي و"الانشودة الأخيرة لهوميروس" لخضير عبدالامير..
وبهذا الكتاب تكون المكتبة قد احتفلت بالجديد المقالي والتاليفي الذي شكل اضافة خلاقة للوجود الانساني..
لذا كانت شهادة الدكتور حامد ابو حامد المنشورة في جريدة الشرق الاوسط في محلها.. والتي تقول:"في عقل فاضل ثامر انفتاح وحداثة ينفرد بها عن مجايليه من النقاد في مجال الترجمة واستخدامها في ميدان النقد.. وهذه العبقرية يشهد لها معظم الباحثين والنقاد والدارسين.. فهو لا يكتفي بتناول مشكلات المنهج والنظرية والمصطلح في الخطاب النقدي العربي ولا يغمط النقاد العرب حقوقهم.. بل على العكس من ذلك يدرس نظرياتهم ويضعها ضمن السياق النقدي العالمي".
وبذا كان الناقد فاضل ثامر علامة مضيئة في مسيرة النقد المعاصر.. كونه يتميز بمرونة فكرية وعقل متأمل بعيد الآفاق بطموحاته.. اذ انه يطمح الى تشكيل رابطة النقد الأدبي في العراق من اجل تفعيل النقد وتحفيز الفاعلية النقدية وتنظيمها.