ادب وفن

زبائن المقهى الثقافي العراقي في لندن يحتفلون بثورة 14 تموز وإنجازاتها الثقافية/ عبد جعفر

أربعة أستاذة كبار من المبدعين، كانوا ضيوف زبائن المقهى الثقافي العراقي في لندن يوم 27-7/2014 في أمسيته الممتعة عن ثورة 14 تموز والثقافة وبحضور ملفت للنظر.
والضيوف هم المعماري رفعة الجادرجي، والفنانة ناهدة الرماح، والمترجم والشاعر صلاح نيازي، وشيخ الصحفيين فائق بطي.
وفي تقديمه، قال الفنان فيصل لعيبي: نتوقف اليوم مع نخبة من المثقفين المبدعين عند حدث العراق الكبير، ثورة 14 تموز المجيدة، الذي هز الشرق الأوسط وجعل العراق محط أنظار العالم، والعلاقة الجدلية بين الثورة والثقافة والمعرفة ، وتأثيرات الحداثة والتنوير الحضاري على ثقافتنا الوطنية وتوجهاتها الجديدة ، خصوصا وأن ضيوف المقهى، واكبوا أيام الثورة والفترة التي سبقتها، وساهموا في منجزها الثقافي، وعاشوا أنتصارها وإنتكاستها.
وفي حديثه عن تموز والصحافة، أوضح فائق بطي انه في نفس يوم الثورة اتصلت بالضباط الأحرار ومنهم سليم الفخري الذين اعطوني تصريحا لإصدار (البلاد) التي كنت رئيس تحريرها. وقد صدرت في اليوم الثاني 15 تموز، وفيها وصف كامل لأحداث وبيانات الثورة، ومقالا افتتاحيا كتبته باسم الصحيفة لمباركة العهد الجديد. وكانت نصف الصفحة الاولى تحوي ما نشيت الثورة وتحتها إعلان الجمهورية العراقية، وتحتها عبد الناصر يهنئ الشعب العراقي، وكانت بخط الشاعر صادق الصائغ الذي كنت أنا وهو وصالح سليمان والعامل اللبناني (أبو جان) الوحيدين الذين أصدرنا هذا العدد.
وأضاف كانت البلاد الجريدة الوحيدة الصادرة في عموم الجمهورية، وقد طبعنا منها عدة طبعات ووصل عدد المباع منها الى 40 ألف نسخة.
وتناول دور صحافة اليسارية في زمن الثورة ومنها إتحاد الشعب التي كانت متميزة في غنى مواضعيها وجماهيرتها، على عكس الصحف الرجعية الصفراء.
وكرست همها للدفاع عن الثورة وإنجازاتها ومكاسبها الكثيرة وحقوق المواطنين وكانت بحق أكاديمية لتخريج الكوادر، وقد برزت منها أسماء متميزة منها عبد الجبار وهبي أبو سعيد ورشدي العامل ابراهيم الحريري ومهند البراك وغيرهم.
ويرى أن فترة تموز رغم الاشكالات الكثيرة ، تعد العصر الذهبي للصحافة، رغم أن الثورة لم تلغ قانون الصحافة الجائر الذي كان مثل السيف المسلط على رقاب الصحفيين و جرى اضطهاد الصحفيين وإعتقالهم، كما دخل قاسم في إشكالية مع إتحاد الأدباء ورئيسه الشاعر محمد مهدي الجواهري.
وتناول بطي بإسهاب اشكالية الثورة وزعيمها عبد الكريم قاسم مع اليسار والقوى الديمقراطية والصحافة اليسارية، ودور القوى الرجعية وصحفها في إعاقة تطور مسيرة الثورة والتآمر عليها وانتكاستها لاحقا في انقلاب 8 شباط الاسود.
وأكد صلاح نيازي في تناوله موضوعة الأدب والثورة ، إن قيام 14 تموز كانت بالنسبة لنا مثل (المهدي المنتظر) التي كنا نحلم ونفكر بها ليل نهار، وأشار الى التحولات الفكرية والثقافية قبل الثورة التي مهدت له، ومنها منجز رواد شعر التفعلية (الشعر الحر) قبل الثورة، وتاثر الشعراء بالسياب معتبرا أن ديوان إنشودة المطر أهم حدث في تاريخ الشعر العراقي، مشيرا الى إشكالية ابراز الثقافة الجديدة للبياتي على حساب السياب.
وأضاف عندما جاءت الثورة أصبح الشعر والرواية والقصة غير مواكبين للحدث، فبدأ الاتجاه أكثر نحو كتابة المقالات وقد برز كتاب مهمون في ذلك الحين منهم عبد الجبار وهبي (أبوسعيد) وفي الاذاعة شمران الياسري (أبو كاطع).
وكما أنعكست إنجازات الثورة على أداء الاذاعة والتلفزيون وخاصة الأغاني التي خرجت من أيقاعها الكئيب.
وتناول نيازي موقف الثورة وزعيمها عبد الكريم قاسم من المثقفين من خلال تجربته الشخصية، مشيرا الى أنه في أيام الثورة كلف في إخراج برنامج لفيلم وثائقي عن دور قاسم في حرب فلسطين عام 48، و عندما رفض الموضوع على إعتبار أن المادة الاساسية من الصور لاتصلح للعمل، وجد تفهما من الزعيم، بل دعوة للإهتمام به.
وقالت ناهدة الرماح في موضوعها عن السينما والمسرح أن المسرح والمسرحيين قبل تموز كانوا محاصرين بهموم ومشاكل كثيرة، فهنالك شحة واضحة في قاعات للعرض كما لا توجد عناصر نسوية بحكم أن سمعة الفن ذاك الوقت غير جيدة، كما لايوجد دعم للفرق، بل كانت تفرض على المسرح ضربية الملاهي تصل الى 70% من الوارد العام. ولا أماكن للتدريب، وتجري تدربياتهم في البيوت، وبعض النوادي الرياضية . وتعزو الرماح سبب وجود النشاط المسرحي قبل الثورة الى إيمان المسرحيين بأهمية المسرح ودوره، وخاصة الرواد أمثال حقي الشبلي، وجعفر السعدي، وبدري حسون فريد الذين ساهموا بخلق فرق مسرحية عديدة ومن أبرزها فرقة المسرح الحديث التي انتمت لها عام 1957 والتي تعد اكاديمية حقيقية للتخريج الكوادر.
واشارت الى أنه بعد الثورة، إنفتحت الأبواب لكل الفنانين وقدمت الكثير من الأعمال الى التلفزيون والمسرح ومنها مسرحية (أنا أمك ياشاكر) من تأليف الفنان يوسف العاني والتي اشتركت فيه أيضا الراحلة الفنانة زينب.
وأستمر عمل المسرحيين بشكل دؤوب في تقديم العديد من الاعمال، وخصوصا وأن حكومة عبد الكريم قاسم ألغت الضربية على المسرح ودعمته فأنتعش كثيرا. وعلى صعيد اخر تأسست مصلحة السينما والمسرح عام 1961 وأصبح يوسف العاني مديرا عاما لها. ونشطت حركة الانتاج السينمائي.
مؤكدة أن ذلك العصر- فترة تموز من 1958- 1963- تعد بحق عصرا ذهبيا للفن حيث كثرت العروض وغاب الرقيب عنها وزادت حرية الفنان، الى أن جاء انقلاب 8 شباط الاسود فأغلقت المسارح وأعتقل أعضاء الفرق.
كما تناول رفعة الجادرجي الذي قدم مدخلاته فيصل لعيبي لتعذر حضوره بسبب المرض، الحركة التشكيلية في العراق ، مؤكدا الى (أنه لم تتمكن العمارة اللحاق بفن الرسم إلا في أوائل الخمسينات، متمثلة بتجارب عمارة رفعة الجادرجي في مجال معالجة هموم حرارة المناخ. و من ثم عمارة قحطان عوني، و د. محمد مكية و أصبح هؤلاء في خط معرفي و فني مواز مع الرسم، و أحيانا متداخل، يتمثل بقحطان عوني. كان قحطان رسام، يشترك في المعارض كغيره من الرسامين الآخرين. كما كان معظم المعماريين أصدقاء الرسامين، و مساهمين معهم في تطور التنظير في مجال الفن. و المعماريون هم: قحطان عوني، ومدحت علي مظلوم، وعبد الله أحسان كامل، ورفعة الجادرجي، و د. محمد مكية.
عندما حدثت الثورة، يوم 14 تموز عام 1958، كانت الساحة الثقافية مهيئةً لأستقبال الجديد والراديكالي من الأفكار.
وقد لعب عدم تدخل السلطة في الفن أو في عمل الفنانين وخاصة من قبل الزعيم عبد الكريم قاسم، دوراً هاماً في تحرير الأساليب من القيود الشكلية التي كانت سائدة، فقد كلفني الزعيم عبد الكريم بتصميم (نصب الجندي المجهول ) من خلال التلفون ولم يسألني عن ماهية فكرة النصب لم يعرف عنه إلآ في يوم إفتتاحه، لأنه كان يثق بي وبالفنانين العراقيين، وكذلك الحال مع نصب الحرية، الذي أبدعه جواد سليم، إذ لم يتدخل في مضامينه ولا في طريقة تنفيذه، رغم ماأثاره الفنان خالد الرحال من مشاكل تحت ذريعة عدم وجود صورة الزعيم في النصب. والذي كادت أن تلغي إقامة النصب، لكن عبد الكريم قاسم لم يستمع لمثل هذا النفاق، إلا ان ماقام به خالد الرحال ، قد سبب في أزمة قلبية قضت على جواد سليم قبل أن يرى نصبه قائماً في ساحة التحرير مع الأسف.
كان عبد الكريم رجلاً نزيهاً ومخلصاً للعراق وصادقاً وعفيف اللسان والنفس. وكان يفكر في نهضة فنية شاملة في العراق وحسب طريقته هو، ولهذا اعطى كامل الحرية للمبدعين في القيام بما يستطيعون التعبير به فنياً عن الثورة. وهكذا نفذ فائق حسن جداريته الشهيرة عن ( الثورة ) في ساحة الطيران وتمثال ( الأم ) لخالد الرحال وغيرها من الأعمال التي رافقت مسيرتها الأولى بشكل خاص، فظهرت لوحات محمود صبري المتضامنة مع الفقراء والكادحين وأعمال الفن الجداري الذي نشأ بعد الثورة مباشرة وأنتشر بسرعة في مختلف المدن العراقية رغم أن بعضه كان دون المستوى وبحرفية ضعيفة ولا ترتقي مع المهام التي ينبغي للفنان القيام بها.
لقد تبدلت ألوان محمود صبري الرمادية والزرقاء والحمراء القانية الى الوان مبهجة ومفرحة مليئة بالضوء والحياة، كذلك الحال مع بقية الفنانين،خاصة فائق حسن وجواد سليم و حافظ الدروبي وعطا صبري وأكرم شكري وخالد الجادر وإسماعيل الشيخلي وغيرهم . كما تمت إقامة (معرض الثورة ) للتشكيليين العراقيين الذي يعتبر أول معرض يختص بالحدث، وتم إنشاء اكاديمية الفنون الجميلة أيضاً.
لقد تبنى العديد من الفنانين الكثير من مفاهيم الثورة وأصبحت جزءًا من مواضيعهم التي كانت تنفذ آنذاك، فصار الجندي والعامل أو الفلاح والطبقات المسحوقة تظهر بشكل مختلف عن ما قبل الثورة، الذي كان يقدمها على شكل فولكلوري وسياحي عموماً. بينما اصبحوا ابطالاً مهمين في اللوحة العراقية بعد الثورة. وهذا ما نلاحظه بوضوح في نصب الحرية لجواد وجدارية الثورة لفائق حسن وأعمال محمود صبري بشكل خاص إضافة للعديد من اعمال الفنانين الآخرين.
لقد توسعت أيضاً حركة إرسال البعثات الفنية الى الخارج وتنوعت الى بلدان مختلفة شملت المعسكر الإشتراكي أيضاً، وهذا ما ساعد على تنوع الأساليب ووجهات النظر المختلفة في أن ترفد الحركة الفنية العراقية بأفق اوسع وتجارب مختلفة مما أغنت تجربتنا التشكيلية ودفعتها الى الأمام خطوات اخرى.
كانت السنة الأولى والثانية للثورة من أهم سنواتها التي برزت فيها أعمال فنية مرموقة ورائدة، لكن مع تدهور الوضع وإشتداد الصراع بين أجنحتها بدأت الحياة الثقافية بالهبوط أيضاً، وقد قضى الإنقلاب البعثي- القومي في 8 شباط عام 1963 على أخر نفس للحرية النسبية التي كانت قائمة قبل ذلك).
كما اشترك كل من الأستاذين خالد القشطيني وعبد الرزاق الصافي في مداخلتين اضافتين عن الثورة، اشار فيها القشطيني الى بعض المفارقات والطرائف التي واكبت الحدث.
بينما أضاف الصافي أن الثورة رغم أهميتها ودور الشيوعيين في دعمها وعلاقتهم مع عبد الكريم قاسم لم يكن لهم وزير في الحكومة، وحتى حجب عنهم إمتياز الجريدة لفترة غير قليلة مما ادى الى أن يكتب الشيوعيون في صحف أخرى، وبعد تحسن العلاقة مع قاسم وإصدار صحيفة إتحاد الشعب التي كانت تعد قفزة ونقلة نوعية كبيرة في الصحافة العراقية.
وفي الختام طرح زبائن المقهى عددا من الأسئلة والمداخلات عن الثورة ومنجزاتها، وحدوث العنف في بداياتها في مقتل الملك والعائلة المالكة، وهل هنالك ضرورة له ؟ وغيرها من المداخلات التي أثرت النقاش.