ادب وفن

نصوص / عبد الكريم كاصد

الحذاء والملكخرج حذاءُ الملك للنزهة يوماً
ولمّا عادَ قال للملك:
"خشيتُ على سلامتكَ يا مولاي
فآثرتُ التنزّهَ وحدي
حتّى ظنّني الحرسُ النائم
سنجاباً أو قنفذاً يمرّ
كانت الشوارعُ تهبطُ كأنّها تنحني لي
والمنازلُ تنهضُ كأنها تأتمرُ بي
والقمرُ كأنّهُ حارسٌ"
ثمّ وقف ذليلاً عند قدمي الملك
قال الملك:
"لا تثريبَ عليك
ولكنْ حذارِ!
مِنْ بطش العامّةِ
وكيد الدّهْماء
فأنا أخشى عليك في الليل
مثلما تخشى عليّ في النهار"
فازداد الحذاءُ التماعاً حتّى كاد أن يصيحَ بالملك:
"أنا الشمس"
ومنذ ذلك اليوم
والحذاءُ يخرجُ في الليل
وينامُ في النهار
عارفاً أسرارَ العباد كلّها
صغيرَها وكبيرَها
شاردَها وواردَها
حتى حانَ موعدُ تنصيبهِ تاجاً للملك
قال الملك:
"يا حذائي
ويا تاجَ راسي"
* *

شجرات محمود الثلاث
ولدتُ إلى جانب البئر
والشجرات الثلاث الوحيدات كالراهبات
محمود درويش:"لاعب النرد"
"الشجراتُ الثلاثُ الوحيدات
كالراهباتْ"
يجاورنك الآن
يُنصتنَ
كالزائراتْ
*
الشجراتُ الثلاثُ الوحيدات
يُطرقنَ
والناسُ يأتون
في موكبٍ صامتٍ
يضعون الزهورَ ويمضون
ما أوحشَ الشجراتْ..!
*
هناك
على تلّةٍ
تعصفُ الريح
تعبثُ بالشجرات الثلاث
وتحملهنّ بعيداً
وراء التلال
*
في انتظارك ثَمّ رصيفٌ
ومقهىً
ومستقبلون
ووردٌ كثيرٌ.. كثيرٌ
وما من قطارٍ يجيء
*
يهمسُ الموت:
"ثمّة متسعٌ
- لو تمهلتَ -
للانتظار"
يهمسُ البحر
- حين عبرنا الزقاقَ إليه
ولم تعترضنا المتاريس-:
"ثمة متسعٌ
للرحيل"
يهمسُ الليل
- حين عبرنا الحدود
وصادفنا الطفل-:
"ثمة متسعٌ
كي نعودْ"
(حين عاد إلى بيته الطفل، مستتراً بالظلام، ولم يجد البيت، آوى إلى حفرةٍ عن عيون الجنودْ)
*
سبعةٌ
في غرفةٍ مظلمةٍ
كانوا
وكان الطفل
يدعو الشمسَ أن تأتي
لكي يقرأ فصلاً من كتاب الناس
كان الطفل
خلف الليل
والقضبان في السجن
وحيدْ
*
الشجراتُ الثلاثُ
الوحيدات
كالراهبات..
يملنَ إلى الأرض
يهمسنَ للميْت شيئاً
ويرحلنَ
كالساحرات..