ادب وفن

جائزة ابسن المسرحية تمنح الى الكاتب النمساوي بيتر هاندكه / عبدالله حبه

جرت في المسرح الوطني في اوسلو عاصمة النرويج مراسم منح جائزة ابسن، وهي اكبر جائزة مسرحية عالمية وقيمتها 300 ألف يورو ، الى الكاتب النمساوي بيتر هاندكه المقيم في فرنسا حاليا. وقد تلقت بعض الاوساط المحافظة النرويجية قرار منحه الجائزة اليه بالاستنكار بسبب موقف هاندكه من حرب الناتو ضد صربيا في اثناء ازمة البلقان . فقد اعتبر الكاتب قصف طيران الناتو للمدن الصربية جزءا من مؤامرة كان هدفها الرئيسي تفتيت يوغسلافيا الى عدة دويلات صغيرة لا صوت لها على الصعيد العالمي بعد ان كانت سابقا زعيمة حركة عدم الانحياز. وكان هانكه يرتبط بعلاقة صداقة مع الزعيم الصربي سلوبودان ميلوشيفيتش الذي توفي في السجن بعد ان ادانته المحكمة الدولية الخاصة بيوغسلافيا بالسجن مدى الحياة. علما ان هاندكه كان في اثناء حرب الناتو في البلقان في طليعة المثقفين الاوروبيين البارزين الذين ادانوا قصف مدن يوغسلافيا. ووجهت اليه الصحف آنذاك تهمة دعم ابادة البشر والتي وجهت في حينه الى ميلوشيفتش. ووصف المتظاهرون هاندكه بـ " الفاشستي" . لكن الدوائر الثقافية في فرنسا والمانيا اعتبرت ان من حق هاندكه الاعراب بحرية عن رأيه في الاحداث الجارية في اوروبا كأي انسان آخر.
ويعتبر هاندكه بحق احد ابرز الكتاب المسرحيين المعاصرين وحاز الشهرة بعد ان اخرجت مسرحيته " السماء فوق برلين" التي اخرجها صديقه فيم فيندر . وتروي احداثها كيف ان السلام في العالم هش. وقال الكاتب في كلمته لدى منحه الجائزة : من يستطيع اليوم القول من هو الطيب ومن هو السئ في عالم اليوم المتغير بوتيرة متسارعة؟. فقد اختلطت الأمور.
لقد ولد هاندكه في قرية نمساوية قريبة من حدود يوغسلافيا من أب نمساوي وأم صربية . ويعزى الى ذلك سبب دفاعه عن الصرب وشجبه لتقطيع اوصال يوغسلافيا وتحويلها الى دويلات صغيرة. لكن شاغله الرئيسي في اعماله الادبية والمسرحية هو رفض الحرب مهما كانت دوافعها. ويعتبر كثير من المراقبين انه ليس من حق احد ادانة المبدع لمواقفه ازاء ما يجري من احداث لا علاقة لها بالادب او الفن. وغالبا ما يخرج المحتجون ضدهم الى الشارع بتحريض من قوى سياسية ما لها مصلحة في ذلك. وعندما واجه الكاتب الحشد الغاضب الذي ردد الهتاف :" فاشستي.. فاشستي "، ورفع الايدي بالتحية النازية لم يجد هوندكه ما يقابلهم به سوء بالانسحاب الى داخل المسرح حيث جرى الاحتفال بتكريمه. انه يشبه في هذا بطل مسرحية ابسن " عدو الشعب" الذي واجه الحشد الغاضب ضده أيضا بعد أن ادرك انه لا يريد أحد معرفة الحقيقة ، لا السلطات ولا حشد الناس. وبدلا من الاستماع الى حججه هاجموا بيته وكسروا زجاج نوافذه وابوابه.
لقد انهال الصحفيون من انصار الناتو بالنقد اللاذع على الكاتب حين نشر في عام 1996 كتابه " رحلة شتوية في الدانوب "، الذي كشف فيه واقع الحال في البلقان وبشكل مغاير لما دأبت وسائل الاعلام الغربية على نشره آنذاك . وفيما بعد نشر مسرحية "افادات كاذبة" فضح فيها تزييف الحقائق في المحكمة الدولية لأغراض سياسية بالاعتماد على افادات شهود الزور. وفي حديث له مع صحيفة " لي فيجارو " الفرنسية أشار هوندكه الى ان تاريخ شعوب البلقان في القرن الماضي مترع بمحاولات اثارة الفرقة والشقاق بينها لتحقيق اهداف البلدان الغربية الكبرى التي وصفها بأنها " محتالة".
ان مواقف بعض المحتجين من هوندكه لم تقلل من قيمة الكاتب الذي تقدم مسرحياته وتنشر رواياته وكتبه اليوم في الكثير من بلدان العالم. والمشاهد حين يتابع احداث المسرحيات لا يهتم بموقف الكاتب من الصرب ومن قصف المدن الآمنه في البلقان من قبل طيران الناتو، بل بمغزى دعوته الى السلم والصداقة بين الشعوب.
لقد حصل هوندكه في عام 1978 على جائزة فرانز كافكا الادبية لقاء بعض اعماله الروائية والمسرحية. وقد مارس الترجمة من الانكليزية والفرنسية واليونانية القديمة الى الالمانية، كما ترجم بعض اعمال الكتاب غير المشهورين الى اللغة الالمانية بهدف التعريف بهم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*بيتر هاندكه Peter Handke (ولد في 6 ديسمبر 1942 في جريفن في مقاطعة كيرنتن) هو كاتب ومترجم نمساوي.
25/09/2014