ادب وفن

الشاعر عادل الصويري.. هاجس الشعر وذاكرة الابداع / سفاح عبد الكريم

تلقى الاغاني بظلالها وأنغامها على المتلقي لتنهض به، غايتها إشباع رغبته لتفض عنه غبار الزمن المتردي وتخفف من حزنه آملة انها قد أوفت ما أريد منها باللحن الجميل وتوقظ احلام الرغبة. وما ترنيمات "لعيونچ أغني" للشاعر المتحضر المعاصر "عادل الصويري" إلا اصبوحة شعرية نطقت بما هو لازم عليها أن تكون وهي تمر عبر بوابة الشمس دون ضجيج وبهمة شبابية كان لها حضوراً ووقعاً واضحاً لما تحمله من مضامين وانهيالات توحي بانها انطلقت من حنجرة مرنة تجيد الغناء وتنعش شغاف القلب كما يقال وهي تطلع دائم تشدك الى زمن نحلم به ونعان منه وما صاحبها المتيقن من تجربتها يبحر في عالم الواقع مروراً بالمعاناة التي تكبدها هو وابناء جيله وسواهم في وطن اغتالته ايادٍ سلبت جمالياته واحلامه.
وقصائد الشاعر "عادل الصويري" في هذه المجموعة الشعرية تترجم طموحاته ومهماته في البناء والتأثيث الشعري بشكل يرضي المتلقي لصراحته معه ومع نفسه في طرح هموم قضيته وباستخدامات صورية ولفظية نألفها وبالتقاطات ذكية يراد منها التأسيس لمشروعه الشعري والذي يضاف بنوعيته الى خارطة المشهد الثقافي الشعبي الجمالي والثوري معاً وبلغة قد لا نختلف عليها استخلصها الكاتب واختارها لتف بغرض كان المغزى منه التواجد الصحيح بالاختيار والمعاصرة دون الارتماس في متاهات وتفرعات قد لا تسمح ذائقة المتلقي في التذوق والاهتمام وهو في شعور دائم يتحسس به الم الفقراء وجياع المساكين التي تحفز فيه الكتابة لغرض السرد والمعالجة. ففي قصيدة "ترتيل الفقير" أجد في ذلك غصة وتمني وبعد في رسم خارطة التوجه بالوعي الصحيح لمشروعه الشعري القادم فهو في توجس صوري يدهش المتلقي بالاستماع الى اسلوبه في الكتابة والحضور.
"يا سمه اتلمني اذا رايد أطير...
الشمع كله امعشعش إعله اجناحي
الخفافيش الأجت ذبحت ضواي...
مشت جنازة ابنعش مصباحي..."
ان الاشارة الواضحة بدلائلها توحي لك باقتدار تقمص الاشياء ووضعها في مسارها الذي يراد منه انماء ذاكرة المتلقي في الاسترخاء والاستمتاع الى معان تترجمها الصورة الشعرية المعبرة عن المقصود المعلوم في هذا الانجاز الرفيع.
والشاعر يعاني وهو في زنازين الوجود التي توقظ جراحاته غير المندملة في وقع وهول التردي والانهيار. وهو في نطق دائم لم تسكت معاناته جدران الصمت وأقبية الظلام وبالرغم منها أوصل رسالته الى بعد وزمن آخر فيقول:
"هاك اخذ مني رساله.. يمهه يضحك سّن "يزيد"...
اتنگط الدم من جرح صوت "الحسين"
والشاعر في سفر وشعور دائم لأجل من استشهد من أجل قضية آمن بها اولاً.
"وبجوازات السفر مشهد غريب
ابكل جواز انرسم كوكب "حمزه".. حاير
دندن بجرحه القديم.. يا طيور الطايره عوفي هلي
الله ربه العنده "؟"... او يلگه زاغور اليلمه..."
ان حضور التجربة الشعرية قائم لدى الشاعر "عادل الصويري".. فمن حالة الى اخرى تتحسس بانه يلازم لغته ويطوعها بقدر كاف من الفهم والتأمل لرسم ملامح واشتغالات تكويناته السردية والشعرية معاً.
ناهيك عن حبه تعبيرية صورية طافحة بالفهم والمعاني المستمدة من الحضور والوقع الشعبي المدرك، بعد طرحه لمجموعة اسئلته الشعرية.. التي لا تخلو من فهم وجواب واضح.
"النخل بالعّجه دوباسه يطيح.. ابيا عجاج يطيح دوباس البشر..!؟
وكذلك في تأمل شعري آخر..
"صرت منشور سري ابكل حرف شايط
گبل طرّة الفجر چتفني شرطي الليل..
گلي بالسجن ينتظرك الحايط... "من قصيدة أوراق مبعثرة"
ان المناجاة دون ذكر بعموميتها يغادرها ليضع في خصوصياته امتيازاً آخر يحتفظ بذكريات لم تزل عالقة في ذهنه باستذكار شعراء استمتع بتجربتهم ومنهم الشاعر الشطري "فائق عبد سعدون" الذي غادرنا ورحل عنا بعد عناء ومكابرة والذي استحضره في مهماته الشعرية الاخرى ليشكي حالة الشعر والوطن المتردية.
"ليش غرگانه ضفتك.. ما لگه بالليل المسودن جرف!
ما لگت بالنجمه لمضة اتفيض ماي او يغسل اسيان الحرف
او ليش كلشي انطفه ابعينك..
كل فوانيس البخت تبچي إعله شباچ انتظارك" – من قصيدة انتظار-
وكان للحبيبه حصة قد تختلط مع همومه والتي ينجو بها ويحرك ثلج صمته بالمحتويات الظاهرية التي تهزم صبره وحدود معاناة الجزئية بحضورها المتوقد وبخطابه لها قد حظي بضالته:
"بخدودچ ينفخ جهنم شوگ..
وأنهار الجنان ابشفتچ تغرگ"
وهو في قصائده المتوقدات الاخرى يبقى طائراً في العتمة والافق الضيق متأملاً رغبته في التحليق بعالم الشعر والابداع:
" إنريد انطير...
إو تتبسمر خوف الجنحان..
إندگ بيبان.. بچفوف الماكلهه الخوف إندگ بيبان
نصرخ عطشانه الگيعان.."
ورغم كل هذه الاشياء الخسارة لا تعني له شيئاً بقدر ما تشد من عزمه في الحضور والظهور بجلباب آخر وبوجه ناصع البياض يلتقي به حبيبته لغرض الخلاص من عتمة حزنه المبتلى به كغيره من المتطلعين.
"انا إمتانيلي نثيه التطوي من بلواي.."
تاخذنيي الصدرها وجرحي يتدنه..."
والشاعر عادل الصويري في هذه المجموعة الشعرية يتربع على عرش مفرداته وتكويناته المقبولة تاركاً وراءه الفاظ لا يستشفها في وعيه الذي لا يخلو من ملوحة الاشياء التي تحتاجها القصيدة الشعبية في قبولها ومعاصرتها. ففي "قناص الضماير" هذه القصيدة التي اتسع صدره فيها لمحاسبة ضميره رغم مطاوعته ويقظته فهو في حساب دائم معه لغرض الاصلاح والمداولة والتنظير.
"إگعد يا ضميري انسولف آنه إوياك..
عيف الليل.. عيف الميل والساعه.."
فالوقت عنده قائم لا سكوت فيا جمال قصائده الأخريات "مسافات وكحل، شتال الطيف، الهياكل لها مواضيع اخرى تصب في مصلحة الشعر الحديث المعلنة فيه ليلقي بهد مجدداً احلام رغبته ومعاناته التي قد تستمر مع اتساع قصائده ورؤيتها فبقوله الآخر يكون قد ادرك مع ما نطق به من توجس مليء بعالم التوجه الصحيح لمشروع كتاباته المستقبلية وهي من جملة التساؤلات التي يتبناها ويتطلبها الشعر الحقيقي الذي يحتفي بمجموعة من الاسئلة المشروعة.
"مدري وين الگه رصيف اليفرش اهمومي قصائد..
يشتريها الماعرف معنى الربح..
يا شتال الطيف خضرلي رصيف..
الضماير حيل صفره.. والحلم بالات مركونة بزواغير الجرح والجوع والهم
هذه وقفة موجزة مع لعيونچ أغني" المجموعة الشعرية التي أوضحت عن قدرة صاحبها الشاعر "عادل الصويري في مشروعه التوجهي والابداعي الصحيح".