ادب وفن

في ذكرى رحيل بابلو نيرودا .. تشيلي في القلب / عبد الكريم كاصد

هادئةٌ تشيليهادئةٌ كلُّ وجوهِ الصبيةِ في تشيلي
هادئةٌ عرباتُ المترو
فارغةٌ عرباتُ المترو
هادئةٌ بقعُ الدّم فوق الإسفلتْ
هادئةٌ حتى الطلقاتُ المكتومةُ في الصمتْ
هادئةٌ
*
في الدرب إلى سنتياغو
لم يتوقفْ عند البار الزنجيّ
في الدرب إلى سنتياغو
أحذيةُ الجندِ السوداء
في الدرب إلى سنتياغو
كان دمي ينزفُ فوق الخشبهْ
في الدرب إلى سنتياغو
لم يفتح ضوءَ العربهْ
شعرُ نرودا
*
في ركنٍ من حيّ العمّال الشعبيّ
لم تفتحْ تيريزا نافذةَ الأزهار
لم تتحسسْ في يدها الأغطيةَ البيضاء
والأدويةَ المرّةَ، والخبزَ الحار
وكوبَ الماء
وعبيرَ الياسنتْ
لم تبصرْ تيريزا دمَها المتناثرَ فوق أثاثِ البيت..
وفوق حذاءِ الجنديّ
*
الضجيجْ
يقرعُ المطرقهْ
الضجيجْ
يكسرُ الطرقَ المغلقهْ
يتناثرُ فوق سطوح البيوتْ
زجاجاً، ويرتدّ إطلاقةً في السكوتْ
الضجيجْ
يتأرجحُ في المشنقهْ
*
أسمعُهم يأتون
من النافذةِ المحروقةِ،
من شرفاتِ المنزل
من أبوابِ المترو الواقف
من أعماقِ مناجمهم
يأتون
يُقيمون متاريساً في الساحاتْ
مصطبغين برائحة الأفران وزيتِ الآلاتْ
كاميلو..!
أنتَ رفيقي في الزاوية اليمنى
يا منْ كنتَ معي
انظرْ
هل تبصرُ جثتك المحروقةَ ينزفُ منها الماء؟
هل تبصرُ ظهري المحنيّ
والرّكبَ المطويةَ تحت الشمسِ على ظهر الملعبِ بين السجناء؟
ها أنا ذا أسمعُكم يا كاميلو
ها أنا ذا أبصرُكم يا راؤول
ها أنا ذا أتبعُكم يا تيريزا
ونسيرُ ظلالاً تتأرجحُ في الأضواء
تتعلّقُ في قدمِ الجنديّ
تتقاطعُ في الطرقاتْ
تباغتُهم في الضوء
تباغتُهم في الظلّ
وتباغتُهم في منتصف الليل
ها أنا ذا أبصركم في ركنٍ سريّ
تقتسمون الخبزَ مع البحارةِ في الحاناتْ
وتعودون خفافاً في ساعاتِ الليل الأولى
تطرق كفّاك أيا كاميلو بابَ البيتْ
تطرقُ..
تطرقُ..
لا صوتْ
حتى تسقطَ كفّاك الميّتتان
حتى تدمعَ عيناك الميتتان
وتدقّ الساعة دقّتها الأولى
حتى يتناوبَ في الساحات الجندُ، وتصمت كلّ الساعاتْ
وترنّ الأحذيةُ اللماعةُ فوق الإسفلتْ
ويدوّي الصمتْ
تشيلي الأرضُ يهزهزها مهرٌ في حافرهِ
تشيلي مهرُ دمٍ وبكاء
تشيلي مهرُ الفقراء