ادب وفن

(زرياب القادم من الشرق .. مر من هنا) / تحية لفرقة طيور دجلة في مهرجانها الخامس

محمد الكحط
تصوير: سمير مزبان
زرياب القادم من الشرق مرّ من هنا، نعم مرّ في ستوكهولم تاركاً بصمة وأثرا جميلا، سنتذكره دوما، مرّ راسماً الفرح والأمل، ناثراً ورود السلام والأمان، كانت لحظات من الألق، وعيدا حقيقيا لأبناء الجالية العراقية والعربية، بل وحتى السويدية، عيد الأضحى وعيد تألق الفن، فلم يكن مهرجان فرقة طيور دجلة السنوي الخامس يوم 4 أكتوبر/تشرين الأول 2014م الذي أحيته في ستوكهولم وفي صالة راديو السويد، مهرجانا عاديا، فقد كان هذه المرة مع الفرقة السمفونية السويدية بقيادة المايسترو Michael Bartosch وبوجود الفنان لطفي بو شناق القادم من تونس الخضراء، كانت ليلة من ليالي ألف ليلة وليلة.

هذا المهرجان الذي استغرقت الجهود لإنجازه شهورا طويلة من التدريب والتمرين والإعداد من قبل عضوات فرقة طيور دجلة، بقيادة المايسترو علاء مجيد، والذي كان تحت عنوان (زرياب القادم من الشرق .. سيمر من هنا).
على هامش المهرجان وخلال الافتتاح أقامت جمعية المصورين العراقيين في السويد معرضا فوتوغرافيا وثائقيا تحت عنوان ((طيور دجلة .. أصالة.. إبداع .. وإصرار))، المعرض كان كأرشيف لنشاطات فرقة طيور دجلة، وكان بمشاركة المصورين سارة سمير واوليفر البازي ومحمد عماد وحسين جيكور وسمير مزبان، ضم المعرض 50 صورة لنشاطات الفرقة منذ تأسيسها حتى اليوم، وقد طاف الحضور قبل الدخول إلى القاعة بالمعرض وأستذكروا تلك المهرجانات والنشاطات التي اقيمت خلال السنوات الماضية، كما زار المعرض عدد من السفراء العرب والأجانب وعدد من الدبلوماسيين.

في الصالة الكبيرة التي تتسع لأكثر من 1300 شخصا والتي أمتلأت بالحضور، تقدمت الإعلامية السيدة أنعام عبد المجيد لترحب بكلمات جميلة بجميع الحاضرين وبالسفير العراقي والسفراء العرب والأجانب، والدبلوماسيين من عرب وسويديين، وممثلي الأحزاب السويدية والشخصيات الوطنية والثقافية، وتحدثت عن الأمسية وبرنامجها لتقدم الفرقة السمفونية السويدية وفرقة طيور دجلة، وليستقبل الجمهور الفرقتين بالتصفيق والترحيب.
شخصيا حضرت البروفات النهائية للفرقة قبل أيام من الحفل، وكنت قلقا من صعوبة الانسجام بين الفرقة السيمفونية وعزفها والتنسيق مع الأغاني العراقية التراثية القديمة، وأعتبرتها مجازفة كبيرة من قبل المايسترو علاء مجيد، فكنت واضعا يدي على قلبي.
بدأت الأغاني تتوالى حيث قدمت الفرقة الأغاني التالية على التوالي: نشيد طيور دجلة، قدمه الكورال/ ثم أغنية مروا بنا من تمشون، الكورال/ تاذيني، الكورال/ الصبغ دارا، صول أداء ليلى خلف/ بين دمعة وابتسامة، الكورال/ أتدلل، الكورال/ أريد أنساك، صول أداء وفاء العائش/ مالي شغل بالسوق، الكورال/ مروا عليه الحلوين، صول أداء حنان نيسان/ لا تلزم أيدي، الكورال. وكان الجميع يردد مع الفرقة كلمات تلك الأغاني التراثية التي علقت بالذاكرة وأصبحت تمثل جزءاً من الفن العراقي الأصيل. صفق الحضور ووقف يهنئ الفرقة على أدائها الراقي، ويهنئ الفرقة السيمفونية على ما أبدعته من عزف جميل وتنسيق رائع مع فرقة طيور دجلة.
وبعد استراحة قصيرة حلت الفقرة الثانية من الحفل، قام السفير العراقي السيد بكر فتاح حسين كرم فرقة طيور دجلة والفرقة السيمفونية السويدية والفنان لطفي بوشناق، ثم تبدأ الفرقة المرافقة للفنان لطفي بوشناق بقيادة الموسيقي التونسي عبد الحكيم بلقايد، كانت إطلالة للفرح والبهجة، تحدث الفنان بوشناق قائلا، لنغني من أجل الحياة...نغني لنحيا وتحيا الحياة...، لقد أستحوذت كلماته وأغانيه والأشعار التي قدمها على عقول وعواطف الجمهور الذي صفق مطولا له، فبأسلوبه الراقي في الغناء وجمالية الإلقاء وتميزه أحتكر قلوب الجميع، ((خصوصا عندما ألقى قصيدة للشاعر آدم فتحي التي قالها في حق العراق وقد ترنم بهذا القصيدة الفنان لطفي بوشناق بإلقاء مميز، والقصيدة هي:
((أنا العراق للشاعر التونسي آدم فتحي
أقول أنا العراق و كلّ أرض ** بها روح تقول أنا العراق

أنا ذكر القطيع و أفردوني ** لكي يستفردوا بمن استناقوا

فهل فهمت شعوب الأرض درسي ** و أبناء العمومة هل أفاقوا ؟

أ لا يا كون طال بك التنائي ** وساقك باعة الدمّ حيث ساقوا

يحاصرني الجراد و أنت حولي ** وثاق أو شقاق أو نفاق

إذا ذاق الجراد اليوم لحمي ** أتضمن أنّ لحمك لا يذاق ؟

و أنّك لا تعضّ غذا بناب ** ولا تمشي على عينيك ساق

أنا حلم الشعوب بشمس عزّ ** و فجر لا يمرّ له مذاق

فيا عربيّ إليّ إليّ .. عندي ** سلام القادرين أو الفراق

أمدّ يدي حبّا لا سؤالا ** و أحمل صابرا ما لا يطاق

و أنبئكم بأنّ غدا لمثلي ** و لن يقوى على شمس وثاق

فقولوا للذين رأوا دمائي ** تراق و لم تسؤهم إذ تراق

إذا قال العراق فصدّقوه ** فإنّ القول ما قال العراق))

وليكمل أغانيه الرائعة وسط ابتهاج الجمهور فقدم موال المسافر، وعش كما أنت، وأنا مواطن وأنتظر منكم جواب، أنا عربي أصيل، وأغنية ناظم الغزالي أم العيون السود، لاموني، ويغاروا مني، سمرا يا سمرا، لقد غنى للسلام وللتضامن بين الشعوب ونبذ العنف وحب البشر، فنال التصفيق والاستحسان.

وفي فقرة التكريم كانت اللحظات الأخيرة جميلة ومليئة بالشجن، حيث قلد السيد رولف سكود براند مؤسس منظمة اللاعنف في سويسرا، فرقة طيور دجلة والتي استلمتها سكرتيرة الفرقة السيدة ميلاد خالد، والمايسترو علاء مجيد، والفنان لطفي بوشناق وسام وشهادة سفير النوايا الحسنة مع كلمات مليئة بالشعور العالي بالقيم الإنسانية حيث عبر عن مشاعره، ((لقد قضينا ليلة غاية في الروعة، ونظرتنا تتغير ونحن نسمع هذه الألحان البهيجة من قبل فرقة طيور دجلة والفنان لطفي بوشناق، فالموسيقى على الإطلاق من الفنون التي تقرب الشعوب وتدعو للسلام واللاعنف...))، وتحدث عن نهج المنظمة والتي شعارها المسدس المعقوف التي تناضل من أجل السلام وإنهاء العنف.
كما قام المايسترو علاء مجيد بمنح السيد رولف سكودبراند وسام فرقة طيور دجلة، بعدها قدم رئيس اتحاد الجمعيات الإبداعية العراقية الدكتور لميس كاظم باقة زهور لفرقة طيور دجلة، كما قدمت الدكتورة أسيل العامري بأسم تحرير مجلة ننار درعا وشهادة تقديرية للفرقة، وقدم رئيس الأكاديمية العربية في الدنمارك درع الأكاديمية للفرقة ووسام للفنان لطفي بوشناق. كما تم تكريم الفنان علي الخصاف الذي قام بالتوزيع الموسيقي لأغاني فرقة طيور دجلة بوسام الفرقة، وقدمت السفيرة التونسية باقات من الزهور للفرقة والفنان لطفي بوشناق.
هذا وقد أشاد الجميع بالعرض الجميل الراقي وثمن جهود جميع الذين ساهموا بأحياء هذا الحفل.

وكانت الخاتمة مع أغنية بغداد وهي من كلمات الشاعر كريم العراقي وألحان المايسترو علاء مجيد، والتي قدمتها فرقة طيور دجلة والفنان لطفي بوشناق معاً، وهي دعاء من أجل العراق وأهله والأمل بأن يجتاز محنته، وينتهي عصر الإرهاب والعذاب، ليبدأ مرحلة البناء والأمان.

وكان لنا لقاء سريع مع الفنان لطفي بوشناق، فهو فنان ملتزم بقضايا وطنه والقضايا العربية والإنسانية، فتوجهنا له ببعض الأسئلة، أجابنا عليها مشكورا.
- حمدا على سلامة الوصول وأهلا وسهلا بحضرتك هنا في ستوكهولم، كيف تقيم هذه الفعالية وما دور الفن في الحياة....؟
- الفن هو أهم الأشياء التي بقيت لنا، أنه آخر سلاح بأيدينا لإنقاذ واقعنا العربي وتلميع صورته، أهم شيء هو الثقافة والفن، يتطلب دعم الثقافة ماديا ومعنويا وإعلاميا، فلم يأخذ الفنان العربي حقه ودوره، وما نشاهده في القنوات الفضائية العربية للأسف لا يعبر عن الفن والدور الذي يجب أن يلعبه في هذه الحقبة الزمنية الصعبة.

- كيف نضجت فكرة مساهمتكم في هذا المهرجان، وكيف ترى الأهداف المرجوة من هذه الفعالية، على ضوء ما تقدم...؟
- لقد عرض علي المايسترو علاء مجيد الفكرة فوافقت وبدون تردد وبلا شروط بكل سرور وبكل فخر، فالفن هو الجسر الذي يربط الشعوب، والموسيقى والغناء هو حوار إنساني لا يعرف الحدود ولا العوائق أنه حوار الروح، وما نريده هو أن نبلغ رسالة وجسور محبة بين الشعوب، لعلنا نساهم في تبليغ وتلميع الصورة، وتثبيت الهوية، فصورة الإنسان العربي قد شوهت بشكل مباشر وغير مباشر، واستغل الأعداء ذلك، والحقيقة مغيبة، لذا فهذه الفعاليات تعطي صورة مغايرة وتعكس الحقيقة التي يحاول الأعداء طمرها بأساليبهم من أجل الإساءة للعرب.
المهرجان فرصة لتثبيت هويتنا وثقافتنا وفننا وإيقاعاتنا ونغماتنا الموسيقية وغنائنا، فنحن لم نأت من لاشيء، وكلما تتاح فرصة علينا نقدمها بأحلى صورة وأجمل حلّة.

- الفنان لطفي بوشناق فنان ملتزم بقضايا شعبه وهموم الشعوب العربية وله وزنه وبصماته المعروفة، كيف تقيم التغيرات في تونس بعد الثورة...؟
- تونس عاشت تجربة صعبة ولا نستطيع أن نحكم على ثورة عمرها ثلاثة سنوات، الثورات عبر التاريخ حكمنا عليها بعد 200-300 سنة، فثورتنا مولود جديد علينا أن نحتضنه ونحافظ عليه، ونعلمه ليكون بالسكة الصحيحة، وبالنسبة لي لابد أن أكون متفائلا.

- ما هي ثمار الثورة حتى الآن مثلا هل لازالت المرأة التونسية تتمتع بتلك الحقوق السابقة والتي كنا نحسدها عليها في الدول العربية الأخرى.
- الثورة لم تعط ثمارها بعد، ولكن أكيد ستكون الظروف أفضل، نعم حقوق المرأة لا زالت وستظل، فالمرأة التونسية كان لها دور فعال، وحقوقها واحترامها ودورها في بناء البلاد والمجتمع فعال جدا، ونحن فخورون بها.

- ما هي مشاريعك اللاحقة...؟
- لي العديد من الجولات الفنية في المغرب العربي ودبي والشارقة وكندا وغيرها.
- نتمنى لكم المزيد من العطاء والنجاح.

كلمة لابد منها:
ان هذا الحدث الفني الرفيع، لم يكن سهلا، ولربما تعجز عن إنجازه مؤسسات دولة، سيما وأن الفرقة لم تحصل على أي دعم من مؤسسات الدولة العراقية المعنية بالثقافة والفن، لكن بإصرار عضوات فرقة طيور دجلة، وتضحياتهن ومواكبتهن التدريب المستمر رغم مشاغلهن، وخصوصا أن أغلبهن موظفات وأختصاصيات، وأنهن هواة وليس محترفات، لكن كان التحدي كبيرا، مع وجود قائد فني للفرقة توفرت فيه القدرات الفنية مع القدرات القيادية للفرقة وهو المايسترو علاء مجيد الذي أنتقل بالفرقة إلى مرحلة متقدمة استحقت فيها كل هذا التكريم وهذا الإعجاب، وكان لحضور الفنان لطفي بوشناق جعل للحفل نكهة خاصة جمعت المشرق العربي مع مغربه، في ليلة عيد حقيقي عاشه الحضور. تحية لعضوات فرقة طيور دجلة، ولكل من ساهم في إنجاح هذا الحفل، والى مزيد من العطاء المتميز.