ادب وفن

«سارقة الكتاب».. آخر عروض نادي سينما الشباب / عبد العزيز لازم

إقترن ظهور نادي سينما الشباب بيوم الشباب العالمي 12/8/2014 بشكل مبادرة شبابية حرة غير مقيدة بأفكار مسبقة سوى فكرة الثقافة التنويرية، وتأخذ على عاتقها اعادة إنعاش الثقافة السينمائية التي تعيش تراجعا في ظروفنا الحالية وصولا الى تطوير ذائقة فنية متنورة تخاطب الوعي الشعبي بتغذيته بالحقائق الانسانية المستمدة من ظروف المجتمع المتحركة.
يقول السيد أحمد علاء أحد ناشطي النادي: أن هناك لجنة متخصصة تقوم باختيار عنوانات الأفلام العالمية عالية النوع على اساس الجمع بين الجودة الفنية وعمق الفكرة, ويضيف السيد علاء بان نشاط النادي يهدف الى استقطاب المتخصصين الشباب في مجال الفن السينمائي لمناقشة وسائل تطويرالانتاج وخلق علاقة جديدة بين الجمهور والسينما. وأوضح بان هناك جهودا تستهدف الحصول على دعم مؤسسات الدولة الثقافية والتعليمية لدعم النادي وخاصة الموافقة على اتاحة الفرصة لاقامة عروضه في صالاتها خاصة وزارة الثقافة والتربية ووزارة التعليم العالي ووزارة الشباب، خاصة وإنها تضم قطاعات شبابية واسعة. لكن النادي يعتمد اليوم في عمله على التنسيق مع ادارة بيتنا الثقافي في الاندلس لعرض الافلام التي يختارها وهناك تعاون مع اتحاد الادباء والكتاب في العراق في هذا المجال ويسعى النادي الى تطوير مستوى ونطاق نشاطه مستقبلا ليشمل مجالات نوعية أخرى.
"سارقة الكتاب" أو "لصة الكتاب" كما تقتضي الترجمة الحرفية لعنوان " The book thief" أو كما يرد في ترجمة الحوار في الفيلم هو في الاصل عنوان لرواية كتبها الأمريكي ماركوس زوساك استمدت منها أحداث العمل السينمائي. ففي الرواية تبدو البطلة سارقة للكتب لتبيعها ، بينما في الفيلم تؤكد "ليزل" بطلة الفيلم التي تقمصت دورها الممثلة "صوفي نيلسي" أنها تستعيرها ولا تسرقها كما أنها استعارت كتابا واحدا "دون معرفة أصحابه" وليس كتبا للبيع ثم اعادته الى صاحبة المنزل التي كانت اطلعتها عليه اثناء ايصالها الغسيل الى العائلة بعد ان تنتهي والدتها بالتبني من انجازه. أحداث الفيلم تجري قبيل الحرب العالمية الثانية واثنائها في بلدة عمالية فقيرة معزولة خارج مدينة ميونيخ . إن استبدال السرقة بالاستعارة ربما يناسب الدرس التربوي الذي اراد المخرج براين بيرسيفال ان يؤكده في بيئة عمالية كادحة ، فهؤلاء رغم ظلم ظروفهم التي خلقها المستغلون يأنفون الاستحواذ على املاك غيرهم لأنهم جربوا الاحساس بالقسوة الناتجة عن تعرضهم للسرقة من قبل أرباب العمل. ويشير الفيلم الى ان العائلة التي تبنت ليزل بعد أن فقدت والدتها الشيوعية متعاطفة مع الضحايا "الشيوعيين واليهود" الذين تلاحقهم السلطات النازية ولعب دوري الأب والأم فيها الممثلان جيوفري راش وإميلي واتسون .استطاعت ليزل تعلم القراءة والكتابة بسرعة بمساعدة والدها بالتبني وبالقراءة المتواصلة للكتب التي تقع في يديها. حاول المخرج الابتعاد بفلمه عن الدعاية السياسية، فالقذائف التي تسببت في قتل عائلة لزلي وصديقها في الطفولة هي قذائف بريطانية وليست المانية بينما تكلف النظام النازي باساليب القمع الأخرى التي عرف بها. حاول الفيلم تشريح النظام القمعي النازي من خلال مواقف عائلة لزلي الانسانية ومن خلال مواقف خارجية. فعائلة لزلي الت? سحقها الققر والعوز اضطرت الى تقديم العون الى مطارَد يهودي يطلبه الغستابو كالتزام اخلاقي لرد الصنيع على عائلته التي سبق وإن قدمت خدمة الى الاب. آوت عائلة لزلي الشاب اليهودي في سرداب البيت لاخفائه عن انظار الغستابو فكانت سلسلة من موجات القلق والترقب أقّضت حياة العائلة ليلا ونهارا. في ظروف هيمنة الدكتاتورية الفاشية تبرزآفتان تنقضّان على حياة الناس هما الحرب والقمع البوليسي وكلاهما يتغذيان على الإجرام. لكن الضحايا لديهم جواب آخر، فكيف عالج المخرج مجريات الاحداث التي تحركها مواقف الطرفين؟
يمكننا تأشير ثلاثة محاور فنية وجهت اليها الكاميرا أولها عنصر المفارقة وثانيهما الرفض الشعبي للحرب واللمسات الانسانية التي لم تستطع الحرب والفاشية طمرها. ومن المفارقات ذات الدلالة النافذة هي ان الفلم ابتدا بمحرقة هائلة للكتب نفذتها الاجهزة القمعية بدعوى "تنظيف" عقولهم من الافكار الغريبة، وتدخل هذه الحادثة في تناقض مع عنوان الفيلم "سرقة كتاب واحد" استطاع ان يساعد لزلي التي اقدمت على إنقاذ كتاب محترق في ذلك الجحيم النازي على تجاوز جهلها في القراءة والكتابة. إن خطوتها تلك كانت ستؤدي بها الى الموت فهي تدخل ضم? حالات التمرد والرفض ضد النازية الفاشية، لكن والدها بالتبني ساعدها على تجاوز ذلك. يعد ذلك إحدى عقد التوتر الكثيرة التي ترسم صورة الرعب التي يصنعها القمع الجائر. لكن السكان ابتكروا طرقهم الخاصة للحفاظ على انسانيتهم عبر رفضهم للظلم. تفجر ذلك من قبل لزلي وصديقها الفتى رودي، وقفا على منصة نهرية وسط الخضرة وهتفا بأعلى صوتيهما: "أكره هتلر!" وتردد الصوت الشبابي المدوي في أرجاء المكان. كذلك اقدم الشاب اليهودي على الخروج من منزل العائلة بعد ان شعر ان وجوده معهم قد يسبب الاذى لهم في موقف تضامني مشتق من الموقف العام ?لذي خلقته العائلة المسحوقة. بل ان السكان المغدورين ابتكروا وسائلهم للسيطرة على رعبهم، فكانت لزلي داخل الملجأ تروي الحكايات على المحتمين به من الغارات وكانوا هم يستمعون اليها بشغف بل يطالبونها بالمزيد سعيا منهم لنسيان الرعب، وكانت تلك الحكايات التي اقتبست لزلي قسماً منها من الكتب التي اطلعت عليها وقسماً آخر ابتكرتها مخيلتها الخصبة سلاحا معنويا استطاع الناس استخدامه للحفاظ على رباطة الجاش لديهم وكان ايضا ردا انسانيا على همجية الحرب الغاشمة.
المخرج استخدم الكاميرا المحايدة، اي انه لم يجعلها تقترب بلقطات "كلوز" من الملامح البشرية للشخوص لاكتشاف تعبيرات استثنائية. لا تسمح طبيعة الاحداث المتلاحقة وما رافقها من لمسات انسانية تشكل الهوية الآدمية للضحايا بظهور تفسيرات قابلة للجدل قد تصورها لقطات الكلوز فالحرب هي حالة اسثنائية بينما تكون حالة السلم وحياة الصداقة هي القاعدة وستحرز تفوقها على قوى الحرب. وهذا ما حصل في النهاية، حيث انتهت الحرب وانتهت معها النازية، وتزوجت لزلي من الشاب اليهودي الذي جاء مع القوات الدولية المنتصرة وانجبت ثلاثة أولاد في حياتها الجديدة، في إشارة إلى تجدد الحياة والاصرار على حياة السلم والكرامة الإنسانية.
إن تجارب الشعوب متكاملة في دروسها فما اشبه ما جرى في احداث الفلم بما جرى في بلادنا إبان الحكم الدكتاتوري المباد قبل سقوطه المدوي عام 2003 بعد سلسلة حروبه ليس ضد الشعوب الاخرى فقط بل وضد شعبه ايضا، ولعل دخول رجل الشرطة النازي الى بيت العائلة للبحث عن طريدهم ومن ثم طلبه من الاب الانتماء الى الحزب النازي كي يحسن ظروفه المعيشية ، مثال مطابق تماما لما كان يفعله ازلام النظام السابق مع أبناء شعبنا. فهل يتعلم القائمون على امور الناس الجدد من الدرس؟