ادب وفن

دَع دُموع العين فلتصبِ / عبدالمحسن الكاظمي

عبدالمحسن بن محمد بن علي النخعي الكاظمي. ولد في بغداد، وتوفي في القاهرة. عاش حياته في العراق ومصر، وطوَّف بالعديد من البلاد العربية. تعلم مبادئ اللغة العربية والفارسية على يد بعض المعلمين، كما حفظ أجزاءً من القرآن الكريم. وحين بلغ سن الشباب مارس التجارة - مهنة أبيه - غير أنه لم يوفق فيها، فعكف على الدراسة على يد أخيه، كما كان لاتصاله بجابر الكاظمي أثره الكبير فيه، حيث شجعه في بداية نظمه للشعر.
تنقل بين عدد من البلاد: إيران ثم الهند، حتى استقر في مصر "1911" فتزوج فتاة مصرية من أصل تونسي، واتصل بالشيخ "محمد عبده" الذي رعاه بمصر، فلما توفي "1905" تولى رعايته "سعد زغلول" الذي أجرى له راتبًا من خزانة الأوقاف.
تواصل مع أدباء عصره وشعرائه في مصر، ومنهم: مصطفى صادق الرافعي، وحافظ إبراهيم، وعلي يوسف، وغيرهم.
دعاه الملك فيصل الأول في أثناء مروره بمصر عام 1921 - في طريقه لتولي عرش العراق - للعودة، فاعتذر إليه.
شَيّدت له الحكومة العراقية ضريحًا في مقبرة الإمام الشافعي بالقاهرة، ونقلت رفاته إليه عام 1947 .
لُقّب بشاعر العرب. له ديوان يحمل اسمه صدر في عدة مجموعات هي: ديوان "الكاظمي شاعر العرب": المجموعة الأولى - نشرها حكمة الجادرجي - مطبعة ابن زيدون - دمشق 1940، قدّم للديوان الشيخ مصطفى عبدالرازق وعباس محمود العقاد، ثم ديوان "الكاظمي شاعر العرب": المجموعة الثانية - حققها ونشرها حكمة الجادرجي - دار إحياء الكتب العربية - القاهرة 1948 "قدم له روفائيل بطي والشيخ عبدالقادر المغربي"، ثم ديوان "عبدالمحسن الكاظمي": المجموعة الثالثة والرابعة - دار الحرية للطباعة - بغداد 1987.
شعره دعوة للحرية، وتمجيد لقيم العروبة. وله شعر في الرثاء، كما كتب في المناسبات . وهو في رثائه ومناسباته يعبر عن اعتزازه بقادة الأمة ومفكريها.
ساير أسلافه من الشعراء في مناجاة الطلل والديار الدوارس، وهو في كل هذا شاعر تقليدي، يتميز بقوة عبارته، وسلامة تراكيبه، وحدة خياله. حافظ على النهج الخليلي في النظم، وجارى شعراء عصره في فرادة الموهبة وغزارة الإنتاج ومواكبة التطور والعناية باللغة، وطول النفس وتمكن القوافي.
دَع دُموع العين فلتصبِ
دَع دُموع العين فلتَصُبِ وَسِهام البين فلتُصِبِ
فَلَقَد بانَ الخَليط ضحى وَبِهِ برح الغرام وَبي
آه لَو شاهدت وقفَتَنا وَالهَوى جاثٍ عَلى الركبِ
وَترانا يَوم فرقتنا بَينَ بسّامٍ وَمنتَحبِ
أَيّما صبّ أَخي شجنٍ قلق الأَحشاء مُكتَئِبِ
أَخذت بِالقَلب لوعتهُ أَخذات النار بالحطبِ
وَمشَت في الخدّ عبرتهُ مشيةَ الأَنهار في التربِ
أَنا في حلّ وَمُرتَحلٍ حاضِر الأَشواق لِلغَيبِ
لَم أَزَل أصفي وَأَمحضهم ماء ودٍّ غير مؤتشبِ
إِن يَكُن جِسمي تجنّبهم فَفُؤادي غير مجتنبِ
وَكَذا شَخصي مَتى رغبوا باِقتراب منه يقتربِ
هم بَنو ودّي وَأَين بنو ال ودّ عَن ذي لوعة وَصِبِ
كلّ علويّ السنا قمر لَم يَكُن آناً بمحتجبِ
من رأى إِشراق غرّتهِ صاح يا شمس الضُحى اِحتَجِبي
أَو رأى فعلَ التفرّق في جِسم هَذا الكاسف الشحبِ
تَرك الأَنفاسَ في صعد وَدُموع العين في صَببِ
أَينَ عنّي صاحبي فَأَنا لِسواه غير مصطحبِ
قَلّبتني كلّ راحلة وَإِليهِ كانَ منقلبي
وَأرَتني كلّ مضطرب فَرَأتني غير مضطربِ
أَيُّها الساري إِلى دكن سر إِلى ذاك الفَضا الرحبِ
واِجتَذِب منّي ممنعة لَم ترضها كَفُّ مجتذبِ
واِحتَقِب عَنّي مولهة ما رَأَتها عين محتقبِ
وَاِسلبنّي كلّ غالية لَم يَطلها باع مستلبِ
وَاِعقرنها مِن جوى مهجا حيث يَبدو الجوّ من كثبِ
جوّ خير الطيّبين ومن بِسواه النَفسُ لَم تطبِ
بَينَ أَضلاعي محلّته ثمّ بَينَ العين والهدبِ
وَإِذا أَدركتَ ساحتهُ وَشهدت الدار من صقبِ
وَرأيت الأَرضَ قَد فرشت عِندَها بالأَنجم الشُهُبِ
قُل وَخير القَول أَلينه بلسان المدمع الرطبِ
هَل إِلى وَصل الأَحِبَّة من ساعَة تَدنو لمرتقبِ
أَم إِلى ماء الجَنينة من نهلة أطفي بها لَهَبي
من معيد عهدَ كاظمة بَين جدّ القَول وَاللَعِبِ
يا عُهوداً طالَما سمحت بِوصال الخرّد العربِ
وَبُدوراً طالَما طلعت في ظِلالِ الأثلِ والغربِ
لا عدت أَيّام صبوتنا مستهلّات الحيا السربِ
وَسَقت عنّا منازلنا واكفات العارض السكبِ
وَلليلاتٍ لَنا سَلفت كنّ في أَمنٍ من الريبِ
طافَ فيها كلّ مكتحلٍ عطر الأَنفاس مختضبِ
بِأَباريق مُفضّضة وَمَجامير من الذَهَبِ
خنث الأَعطاف ذو غيدٍ عَنهُ كلّ الغيد لم تنبِ
وَقوام كالقَضيب مَتى جَذبته الريح ينجَذِبِ
وَجُعود ساب مرسلها كاِنسياب الأيم في الكثبِ
وَخُدود وضّح هتكت محكم الأستار وَالحجبِ
يا غَزال الجزع تَرى والِهاً يَدعو وَلَم تجبِ
أَتراني أَبتَغي بدلاً عنك يا ذا الأَلعس الشنبِ
أَم تَرى قَلبي تروحه نَسمات النور وَالعشبِ
فَإِذا ما عَنَّ ذِكركَ لي صحت يا قَلبي عَلَيهِ ذُبِ
صل وَلا تَقطَع ببعدك لي حبلَ وَصل غير منقضبِ
هَذه روحي وَهبتُكَها وَهيَ لَولا أَنت لَم نَهبِ
هاكَها مَوثوقة جنبت بِحبالِ الوَجدِ وَالطربِ
يا زَمان الأمنِ لا علقت بك كَفُّ الروع وَالرعبِ
كَم قَضَينا فيك من وطرٍ وَبلغنا فيك من أَربِ
ما لأحشائي مَتى ذكرت عهد أَيام الصبا تجبِ
إِنَّني قَد كُنتُ أَعهده خضل الساحاتِ وَالرحبِ
وَلَقَد كانَ السُرور به يَزدَهي في بُرده القشبِ
قَد غَدا وَالسَهمُ مُعتكِفٌ في مَحاني ربعه الخربِ
أَيؤوبُ الأنسُ ثانيَةً ليَ أَم وَلّى وَلَم يؤبِ
ما لِهَذا الدهر صَيَّرَني شَرِقاً بالبارِد العذبِ
أَبَداً تُبدي عَجائِبُهُ عَجباً يأتي عَلى عَجَبِ
يا لقَلبي مِن نَوائِبه كلّما قُلتُ اِكفُفي تنبِ
أَنا أَأبى أن أُسالِمَهُ إِذا غَدا حرباً لِكُلِّ أَبي
فَإِلى كَم لَيثَ غابتها لابدٌ في خيسك الأشبِ
أَوَ ما آنَ النُهوضُ لَنا عَن ثغور الضيم وَالشعبِ
وَلَنا عَزمٌ تَخِرُّ لَهُ راسياتُ القور وَالهضبِ
سَترانا طالعينَ لَها من بروج الكور وَالقتبِ
بِخَميسٍ مِن عَزائمنا يَلتَوي بِالجحفلِ اللّجِبِ
وَلَدَينا كُلُّ مُعتَدِلٍ عاطِف بَينَ الحَشا حدبِ
وَرَهيف الحدّ ذي هَيَفٍ بِهلال الحتف منتقبِ
خافت بطنَ الغمود وَإِن شحذته الكفُّ يَلتَهبِ
فَتَرى ذا ساكِناً وَمَتى حَلَّ في الأَحشاءِ يَضطَربِ
وَتَرى ذا ضاحِكاً وَمَتى مَرَّ بالأَعناق يَنتَحِبِ
فقراع الهامِ في رهجٍ عندَنا أَحلى من الضربِ
وَدِماء القَوم سائِلَةً لي أَشهى من دم العنبِ
أَوَ أَخشى القتل أَم خطرت بِفُؤادي خطرة الرهبِ
وَأَحَبُّ العمر أَقصَرُهُ يَنقَضي بالفتك وَالسلبِ
إِنَّ من شَبَّت عَلائِقُهُ بحجور الحرب لَم يَشبِ
وَالَّذي طالَت مَنيَّتُهُ قصرت مِنه يَدُ النَسَبِ
فَإِذا نارُ الوَغى اِضطَرَمَت وَأُنيرَ الأفقُ بِاللَهبِ
وَغَدَت فرسانُ غارتها ما لَها منجى سِوى الهربِ
تَلقنى وَالخَيلُ عابِسَةٌ باسِماً عَن ثَغري الشَنبِ
وَكَذا الآساد إِن غضبت كَشَّرَت عَن نابها الذَربِ
وَلأن فتّشت عَن شيمي وَأَجلت الفكر في حسبي
لا تَرى في الناس قاطِبَةً مثل أُمّي في العلا وَأَبي
أَنا مِن قومٍ بيوتهم في العُلا ممدودة الطُنبِ
بَزَغوا إِمّا دَعوا لندى مِن قصور العِزِّ وَالقببِ
وَإِذا حربٌ ذكت طَلَعوا مِن ثَنايا السمر وَالقضبِ
وَكَذا الآساد تطلع من أَجم الطَرفاء وَالقصبِ
وَثَبوا وَالأسد إِن سَمِعت بحماها صارِخاً تثبِ
رَفَعوا الرايات واِنتَصَبوا بَينَ مرفوع وَمُنتَصِبِ
هَذِهِ قَومي وَذاكَ أَنا إِن تشم عاباً بِنا فعبِ
قُل لِمَن أَمسى يُطاوِلنا قصر في باعك التربِ
بذكا يدعى وَلَيسَ يرى وَذكيّ عدّ وَهوَ غَبي
ذاكَ من طارَت فَرائصه عِندَ ذكر المَوت وَالعطبِ
لقّبوهُ بالأديبِ وَما عنده شَيءٌ من الأدبِ
لَم يَكُن إِلّا اِسمه علماً ما حَوى منه سِوى اللقبِ
لَو تَرى حلمي يُطاوعني لَمحا آثاره غَضَبي
أَيُّها المزجي مطيّته تصل التَوخيد بالخببِ
لِمَن الأَموال تكسبها رُبَّ مالٍ غَيرَ مكتسبِ
وَإِلى كَم أَنتَ مطلب كلّ وفر غير مطلبِ
كَم قطعت البيد مقفرة بِبَنات القفرة النجبِ
وَلَكم جُبنا بهنّ إلى كلّ واد قطّ لم يجبِ
لَم تفز مِن ماءِ درّتها بِسوى الضحضاح وَالكثبِ
عزّ مِثلي من فَتى دنفٍ نازِح الأَوطان مغتربِ
أَبَداً يَرمي نَقيبته من إِبا في مسرح الشجبِ
كَم نَحَتني النائِباتُ وَكَم لجّت الأَحداثُ في طَلَبي
فَرَأتني أَيّما رجل صابِر في الدهر محتسبِ
وَبلت منّي أَخا جلدٍ لم تلن من عوده الصلبِ
كَيفَ أَخشاها وَكُنتُ مَتى شَمِلتني ظلمة النكبِ
لُذتُ من كرب الحَشا بِأَبي ال قاسمِ الكشّافِ لِلكُرَبِ
ذَاكَ مِن إِن نابَني زَمَنٌ كانَ لي عَوناً عَلى النوبِ
وَإِذا الأَسبابُ بي اِنقَطَعَت كانَ مَوصولاً بِهِ سَبَبي
بشهاب العَزم داس عَلى جبهات السَبعة الشهبِ
وَبسهمِ الفكرِ سار إِلى كلّ أَمر قطّ لَم يُصَبِ
هُوَ قطبٌ وَالأَنامُ رحى هَل رحى دارَت بِلا قطبِ
لَيسَ إِلّاهُ أَخو ثقة وَعده بالخلق لَم يشبِ
ما لَهُ وَقف لديه على كلّ ظمآن الحَشا سغبِ
فَإِذا ما قيل أَيّ فَتى طابَ مِن رأس إِلى ذَنبِ
قُلتُ وَالآثارُ شاهِدَةٌ أَن قولي لَيسَ بالكذبِ
رجل الدُنيا وَواحدها وَزَعيم العجم وَالعربِ
غوثُها الزاكي محمّدها غَيثها في الماحل الجدبِ
أَبَداً يُحيي لَنا نَشَباً وَيُعيدُ الثكل للنَشَبِ
أَنتَ عنوان لكلّ هدى وَمراح السالك التعبِ
نَهتَدي منه بكلّ سنا مِن وَراء الغيب ملتهبِ
كَم جَلا منك اليَقين لَنا غامِضات الشكّ وَالريبِ
لَكَ في العَلياء مرتَبَةٌ دونَها الأَعلى من الرتبِ
وَاِعتِزامٌ تستزلّ به محكمات البيض وَاليلبِ
وَشَبا رأي تفلّ به كلّ عضب الحدِّ ذي شطبِ
وَيراع لَو أَذنت لَه طبّق الآفاق بالخطبِ
إِنّ رَبعاً لست تقطنه لَم يَكُن بالمربع الخصبِ
دُم دَوامَ الدهر وَاِبقَ لَنا عمر الأزمان وَالحقبِ
رافِلاً وَالأنس مُقتَبِلٌ في جَلابيب الهَنا القشبِ