ادب وفن

شاكر السماوي / ريسان الخزعلي

« لا ادري أنا..
هل العشق جسرٌ حسي للموت..،
أم الموت جسر روحي لبنادم.. أم إبنادم جسر جسدي للموت؟
لكني أدري، ان جدل التناسق وتناسق الجدل قطبان لولادة مستديمة الفناء..
الفناء من اجل إنسان أنقى وعشق أرقى وموت أبهى...»
شاكر السماوي
هكذا يرى الشاعر الكبير شاكر السماوي جدلية العلاقة الوجودية بين العشق والموت وابنادم، في خلاصة واحدة، ان يكون الموت بهياً ومن أجل الانسان. والسماوي في هذه الرؤية، يبدأ من تكوينه السياسي الفكري المبتكر، حيث ارتبط بالحزب الشيوعي العراقي المجيد، منذ سنوات وعيه الاولى وهو في سن (18) من العمر، في مدينة الديوانية، وواصل عمله النضالي بحماس يعرفه رفاقه واصدقاؤه. ومن مصادفات تشكل وعيه، ان يكون المناضل الشهيد سلام عادل معلماً له في الابتدائية، وفي سنوات لاحقة، بعد ان ادرك وادركه الوعي، كان المناضل الشهيد ذاته، هو من سلّمه بطاقة العضوية في الحزب.
وكانت ظلال الحزب في عائلته تتسع، لتشمل أمه وأخوته وأخواته، حيث كان يمتلك قدرة الإقناع التي أوجدها الحزب في ذاته وتكوينه، وحكم عليه ثماني مرات طيلة حياته الحزبية، كان الاعدام في ثلاث منها، إلا ان مصادفات الظروف السياسية وتحولاتها حالت دون ذلك، وكان في آخر سجن مع السيد عزيز الحاج في سجن بعقوبة، والذي تنبأ له، بأن يصبح شاعراً ذات يوم، وهذا ما حصل فعلاً، واصبح من مجددي القصيدة الشعبية في اضافة نوعية بعد التجربة النوابية. ومن نتائج تراكم التجربة الحزبية وامتداداتها الروحية، تمسرحت ذاته وكتب المسرحية والنقد المسرحي والدراسات الفكرية.
في الذكرى الاربعين لتأسيس الحزب الشيوعي العراقي المجيد، ساهم في مجموعة (قصايد للوطن والناس)، وفي الذكرى الثمانين، أوصاني بتأكيد ان أوصل قصيدته (يا حزبنه) الى جريدة «طريق الشعب»، فنشرت في الصفحة الأخيرة. ولم يكتف بقصيدته المنشورة في (قصايد للوطن والناس) عام 1974، بل كتب مجموعة (نشيد الناس) التي تضم اربعين قصيدة عن الحزب، اي بعد سنوات الذكرى في حينه. وقد صدرت المجموعة في بيروت بعد ان غادر السماوي العراق إضطرارا عام 1979 الى المنافي، كي يحافظ على الذات والتكوين.
في بغداد، وفي سبعينيات القرن الماضي، كان يشكل تمركزا واستقطابا للشعراء الشعبيين في المقاهي والمهرجانات والنوادي الاجتماعية وكان هاجسه ان يقف الشعر مع قضية الحزب، من أجل وطن حر وشعب سعيد.
رحل الشاعر شاكر السماوي في المنفى، كما هو حال المبدعين العراقيين، تاركاً اللوعة في قلوب محبيه ومتابعي ابداعه، رحل وكان يخطط للعودة في بداية عام 2015، الا ان تخطيط الموت كان أسرع، غير ان سرعة الموت لا تستطيع ان تخطف ما ترك من ابداع في الشعر والمسرح والفكر، وها هي أعماله «إحجاية فرح، رسايل من باچر، تقاسيم، نعم أنا يساري، العشك والموت وابنادم في الشعر الشعبي، رقصة الأقنعة، كوميديا الدم، سفرة بلا سفر، القضية، في المسرح، اللاديمقراطية عربياً، مقامات الغضب، حدائق الروح- الألواح الضوئية، في الفكر» تبقى تشير الى حضوره الذي سيستمر طويلا في الذاكرة الفكرية والابداعية، وها هم تلاميذه وطلابه من خريجي الدراسات الابتدائية والاعدادية، وقد علمهم الحرف والاشارة الطبقية، يقيمون العزاء روحيا، بترديد قصائده ورسم عصاه المدرسية التي رفعها بوجوههم، كي يكونوا القادمين.
وبالعراقي كان يرى جرح شعبه جرحاً فيه:
«جرح يلتم.. جرح يدّي..
جرح ما طاوع الشدّي..
إو جرح صبّت إجروح الغير بيه او فاض عن حدّي..»