ادب وفن

جميل صدقي الزهاوي

1279 - 1354 هـ / 1863 - 1936 م
هو جميل صدقي بن محمد فيضي بن الملا أحمد بابان الزهاوي.
شاعر، نحا منحى الفلاسفة، من طلائع نهضة الأدب العربي في العصر الحديث، مولده ووفاته ببغداد، كان أبوه مفتياً، وبيته بيت علم ووجاهة في العراق، كردي الأصل، أجداده البابان أمراء السليمانية "شرقي كركوك" ونسبة الزهاوي إلى "زهاو" كانت إمارة مستقلة وهي اليوم من أعمال إيران، وجدته أم أبيه منها. وأول من نسب إليها من أسرته والده محمد فيضي. نظم الشعر بالعربية والفارسية في حداثته. وتقلب في مناصب مختلفة فكان من أعضاء مجلس المعارف ببغداد، ثم من أعضاء محكمة الاستئناف، ثم أستاذاً للفلسفة الإسلامية في "المدرسة الملكية" بالآست?نة، وأستاذاً للآداب العربية في دار الفنون بها، فأستاذاً في مدرسة الحقوق ببغداد، فنائباً عن المنتفكَ في مجلس النواب العثماني، ثم نائباً عن بغداد، فرئيساً للجنة تعريب القوانين في بغداد، ثم من أعضاء مجلس الأعيان العراقي، إلى أن توفي.
كتب عن نفسه: كنت في صباي أسمى "المجنون" لحركاتي غير المألوفة، وفي شبابي، "الطائش" لنزعتي إلى الطرب، وفي كهولتي، "الجريء" لمقاومتي الاستبداد، وفي شيخوختي، "الزنديق" لمجاهرتي بآرائي الفلسفية، له مقالات في كبريات المجلات العربية.
وله: "الكائنات -ط" في الفلسفة، و"الجاذبية وتعليها -ط"، و"المجمل مما أرى-ط"، و"أشراك الداما-خ"، و"الدفع العام والظواهر الطبيعية والفلكية-ط" صغير، نشر تباعاً في مجلة المقتطف، و"رباعيات الخيام-ط" ترجمها شعراً ونثراً عن الفارسية. وشعره كثير يناهز عشرة آلاف بيت، منه "ديوان الزهاوي-ط"، و"الكلم المنظوم-ط"، و"الشذرات-ط"، و"نزغات الشيطان-خ" وفيه شطحاته الشعرية، و"رباعيات الزهاوي -ط"، و"اللباب -ط"، و"أوشال -ط".
نصوص
لموت الفَتى خير له من معيشة
جميل صدقي الزهاوي
لموت الفَتى خير له من معيشة يَكون بها عبئاً ثَقيلا عَلى الناس
وأنكد من قد صاحب الناس عالم يرى جاهلاً في العز وهو حقير
يَعيشُ رخيَّ العيش عِشرٌ من الوَرى وَتسعة أَعشار الأنام مناكيد
أَما في بَني الأرض العَريضة قادرٌ يخفف وَيلات الحَياة قَليلا
إذا ما رجال الشرق لم ينهضوا معاً فأضيع شيء في الرجال حقوقها
إذا نات أوطانٌ نشأت بأرضها خراب ولم تحزن فأنت جماد
بربك قلبي أنت لا نترك الهوى سواءٌ سلا يا قلب غيرك أم هاما
اتصلح في الشرق الحكومات شأنها لعل الغنى والعلم يجتمعنان
أَفي الحق أَنَّ البعض يشبع بطنه وأَن بطون الأكثرين تجوع
تقدم أهل الغرب حتى تحرروا فما منع الشرقيَّ أن يتحرّرا
أسائلتي عَن غاية الخالق اسكتي فَما لي عَلى هَذا السؤال جواب
إذا حيي الإنسان صادف منكراً وإن ماتَ لاقى منكراً وَنَكيرا
ترقب سقوطاً يا ابن آدم قاتلا فإنك لو تدري على جرف هار
لقد قال كل في الحياة برأيه تعددت الآراء والحق واحد
إذا قلت حقاً خفت لوم مخاطبي وإن لَم أَقل حقاً أخاف ضَميري
أَرى الناس إلا من توفر عقله من الناس أعداءً لكل جَديد
خذ العلم إن الفضل للعلم وحدَه وإن رجال العلم وحدهمُ الناس
إباؤُك والإذعان شرٌّ كلاهما على أن بعض الشر أهون من بعض
لقد عاش في الدنيا كما يرتضي امرؤ يميل مع الأيام حيث تميل
رَأَيت جياعاً يفخرون بجوعهم فأضحكني ما قد رأَيت وأبكاني
وَما الناس إِلاّ خادِع في مَقاله يريد به الدنيا وآخر مخدوع
تأَخرت بعد الأربعين كأنما أماميَ في سيري إليهِ ورائي
ألا لَيتَ أَعمالي إذا كنت ميتاً وَقَد نقدوها لا عليَّ ولا ليا
لقد سار آبائي جميعاً إلى الردى وإني على آثارهم سأَسير
يعود إلى بدءٍ له كل ذاهب وليس لأيام الشبيبة من عود
أَتَت صور الماضي تباعاً فمثلت لعيني لهواً مرَّ ثم اِضمحلت
أتينا إلى الدنيا فرادى وهكذا سنمضي فرادى واحداً بعد واحد
فحصت بطون الكون فحصاً فَلَم أَجِد سوى حركات فيه لَم أَدرِ ماهيا
ألا أيها الإنسان فيك معايب وأكبر عيب فيك أنك فاني
إذا خلَت الدنيا من النفر الألى أَحب فؤادي فالسَلام عَلى الدنيا
تمرُّ الليالي ليلة بعد ليلة وحزني عَلَى ما فاتني ذلك الحزن
وكنت أرجي أن أفوز ببغيتي فأدركني بعد الرجاء قنوط
وما أنا إن أخفقت فيما رجوته بأوَّل سارٍ عن محجَّته ضلا
إذا كان بعض الناس يملك بلغة ولم يختلط بالناس فهو سعيد
حياتي وإن كانت إليَّ عزيزة إذا نالني ضيمٌ عليَّ تهون
إلى اليوم لم أحسد على شيء إمرأ وقد كان عند الناس ما لم يكن عندي
أخو العقل يرجو نيل ما هو ممكن وأكثر آمال الجهول محال
بنفسيَ أفدي من إذا قال ما هذي وإن مرَّ بالعوراء مرَّ كريما
أَنا اليوم أَمري في يَدي غير أَنَّني أُحاذر من أَن يخرج الأمر من يَدي
إذا كانَ في بيت مَريضاً عَزيزُهُ فَسكان ذاكَ البيت كلهم مَرضى
يرجي الفَتى أَن الثراء يعينه عَلى نائبات الدهر حين تَنوب
أَسر مَكاناً لي عَلى الارض ربوة إلى جانبيها روضة وَغَدير
ألا ايها الناس ارحموا الناس واركنوا إلى السلم إن السلم خير من الحرب
وأَحسن أَوقات الفَتى وقت نومه إذا كانَ ذاكَ النوم خلواً من الحلم
وَهَل كبر الجثمان ينفع ربه إذا كانَ فيه العقل غير كَبير
أخي إن أسرار الطبيعة جمة وما اكتشفت منها العقول قليل
تمنيت لَو أني وَقد غبرت على وَفاتي أَحقاب رجعت إلى الدنيا
تؤمل نفس المرء طول بقائها وليس على نفس تؤمل من بأس
رغبت عَن الدنيا كأَني ميت قَريباً وَفي الدنيا كأَنّي لا أَفنى
يَقولون إن الملح يصلح فاسِداً فَما حيلة الإنسان إن فسد الملح
أقول لشيخ ينحني عند مشيه أتنشد في هذا شبابك إذ ضاعا
وكم قد نجا باغ فما صدق الذي يقول على الباغي تدور الدوائر
أكل امرئ يا أيها الناس إن رأى من الصدق ما يخشى يفر إلى الكذب
لقد خاب من يخشى مقالة كاشح وما فاز باللذات غير جسور
من الناس من إن غبت عنه فإنه عدوّ وإن لاقيته فصديق
كذاكَ اِختلاف الناس في كل حقبة محاسن قوم عند قوم قبائِح
أعاذلتي لا تعذليني على البكا فإن الذي قد نابني لشديد
أحس بجسم العدل شبه حرارة فأحرز ظنا أنه لم يمت بعد
وأحلَمُ من يمشي مع الناس صافحٌ إذا سبه الجهال قال سلاما
لمن لاذ بالحكام من شر ظالم كمن فر من حر الهجير إلى النار
إذا كانَ في الدنيا عدوٌّ يضرني فَذاكَ لساني ثم ذاكَ لِساني