ادب وفن

شاكر السماوي.. سكون الألم المضيء / ثامر الحاج امين

فجر يوم الثلاثاء الموافق الخامس والعشرين من شهر تشرين الثاني2014 غيّب الموت في منفاه السويدي المناضل والشاعر الرائد (شاكر السماوي) الذي يعد رمزاً ثقافيا عراقيا وركناً مهما من أركان الشعر الشعبي العراقي، حيث كان واحداً من الشعراء الذين رسخّوا مفهوم الحداثة الشعرية في القصيدة الشعبية الى جانب حياته النضالية الغنية بالعطاء والتضحيات. ً
وفاء وتكريماً لمنجزه الشعري وتاريخه النضالي نضع هذا الملف بين يدي القراء.
طفولته ونشأته:
في منطقة الفرات الأوسط وتحدبدا في مدينة الديوانية التي ولد فيها عام 1935 عاش الشاعر(شاكر السماوي) طفولة شاقة ومريرة، فقد عانى قسوة الأب ـ المتحدر من الريف ـ الذي كان ذا نزعة صارمة، الأمر الذي جعله يلوذ بالكتب التي غدت ملاذه الروحي الى درجة صارت (رئته الثالثة) ـ كما يحلو له أن يصفها ـ وأول درس تلقاه في العنف عندما قام والده باخراجه من المدرسة لكي يتفرغ لإدارة دكان العطارة وبسبب هذا الاجحاف بحق طفولته بالتعلم مثل باقي اقرانه فقد قام بحرق دكان والده ويستذكر هذا الحادث الذي شكل لديه بدايات الرفض للظلم والوقوف بشدة ضد الاستغلال فيقول (عاقبني أبي بكيّ يدي اليمنى حين أحرقت دكانه للعطارة الذي أخرجني بسببه من مدرستي لأديره له) هكذا واجه العنف وهو لايزال صغيرا وهوالأمرالذي جعله ـ فيما بعد ـ يضيق بكل سلطة تشبه الأب ًوأولها الضيق بالحكومة ورجال السياسة والدين والمال لكنه لم يستسلم انما عاد الى مدرسته حيث أنهى الابتدائية والاعدادية في الديوانية، وكانت فيها بدايات تفتحه على الافكار والثقافات فقد اصدر في خريف 1953 نشرته الجدارية (الصرخة) وكان حينها يترأس فرع اتحاد الطلبة في الديوانية واتخذ منها وسيلة لنشر موضوعات الوطنية والحرية والتحريض الثوري وأداة للتنوير والتثقيف، وكانت تستصرخ الطلبة لكي يرفضوا الخنوع بكل أشكاله ومصادره وتحثهم على التمرد، ولكن حينما اكتشفت المدرسة دوره التنظيمي في الأنشطة الطلابية واستقطابه عدداً من الطلبة قامت بفصله ثم مطاردته. ونتيجة الخبرة التي تحصلت له في (الصرخة) فقد قام بإصدار كراسين فيهما طموح مبكر للتنظير.
سيرته النضالية:
خاض (السماوي) غمار الإلتزام بالعمل الوطني من خلال انتمائه الى صفوف الحزب الشيوعي العراقي في خمسينيات القرن الماضي وكان أهلا لكل مهمة نضالية يكلف بها وبسبب نشاطه الفاعل وتفانيه واخلاصه لمبادئه التي عرف بها لدى جماهير الشامية والفرات الأوسط، فقد دخل السجن ثماني مرات وهو لم يبلغ الثالثة والعشرين بعد، حيث تفرغ للعمل الحزبي وأخذت تتقاذفه بعد ذلك السجون والتشرد الى ان جاءت ثورة تموز 1958 التي حررته بعد 7 أيام من قيامها عندما كان يقضي فترة الحكم بالابعاد لعامين في مدينة الناصرية، وكتب عن سيرته النضالية الاستاذ ذياب آل غلام يقول (عّرفني عليه ابن عمي ورفيقه في النضال الوجيه والشخصية الوطنية في الفرات الأوسط والشامية عبد الواحد حبيب غلام قال لي: هذا الشاكر فتحنا له قلوبنا وبيوتنا لكونه كان ربيب الحزب ومن قادته في العلن والسر في شاميتنا والديوانية، وله خطوات لاتنسى في الأرياف، تعرفه فاختة النخيل والشواطئ والصفصاف في ريف جنوب الشامية كان يعيد مع رفاقه ترميم الصرح الشيوعي بعد هجمة الحكم الملكي المباد، كان شاكر ورفاقه معاصرين لقيادة الشهيد سلام عادل تلك سنوات الحب والعشق والجمر والنضال وسنوات الطريق (لشعب سعيد وعمل دؤوب لوطن حر)، وحتى بعد خروجه من الحزب واستقالته عام 1958 فان تلك الاستقالة لم تطوّح به صوب الشواطئ المعادية لولائه الأول انما ظل مزهواً بانتمائه الى الفقراء والمظلومين وشهداء الحركة الوطنية وهو ما تشير له قصائده التي كتبها في السبعينيات حيث جاءت لتؤكد قبضة الشاعر على بوصلته الروحية وقيمه الضميرية ومنها قصيدة (نعم.. أنا يساري):
يمكن أجهل شكل الخوف ابگلبي، او انسى طعم الحقد
او أهمل عمدا لون الغيرة، ولا اتذكر وين تصير
نكهة كل لحظه من الحب
لكن ما أنسى ولا أجهل
ـ مثل اجروحي اليسارية ـ
گلبي انحط، وعاش، او يبقى:
ايدگ ويرف..
ابعشه المبني بين اضلوعي اللي ع اليسرى.
ببلوغرافيا:
- شاكر عبد سماوي
- من مواليد الديوانية 1935
- 1966 هاجر للمرة الاولى الى بغداد الشعر والضوء والحرية وأكمل دراسته الجامعية البكالوريوس في قسم اللغة الانكليزية ولكي يسد متطلبات الحياة الصعبة فقد مارس العمل الصحفي الى جانب التدريس الثانوي.
- بدأ كتابة الشعر عام 1966
- بعد الهجمة الدكتاتورية على القوى التقدمية عام 1979 هاجر الى الجزائر وعمل فيها مدرسا بين 1979 ـ 1983.
- 1983 استقر في سوريا
- أيلول 1989 استقر في السويد
- 1990 عضو اتحاد الادباء السويدي
- 1993 عضو اتحاد المسرحيين السويدي.
إصدارته:
في الشعر.
احجاية جرح / شعر شعبي عراقي 1970ـ رسايل من باجر / شعر شعبي عراقي 1975ـ نشيد الناس / شعر شعبي عراقي 1982 ـ العشگ والموت وبنادم / شعر شعبي عراقي 1984 ـ تقاسيم / شعر شعبي عراقي 1989 ـ نعم أنا يساري / شعر شعبي عراقي 1999.
وعلى مستوى المسرح لديه:
خبز وكرامة، بشرى الثورة، بقايا تحتضر، صوت النخل، رقصة الاقنعة، سفرة بلا سفر، كوميديا الدم، القضية.
وفي الفكر والثقافة له:
مقامات الغضب: خواطر سياسية
اللاديمقراطية عربيا ـ ج1: فكر سياسي
اللاديمقراطية عربيا ج2: في الثقافة
حدائق الروح
ثقافته:
تبلورت ثقافة السماوي من خلال علاقته المبكرة بالكتب وساهمت هذه العلاقة في اعلاء واثراء مسارات نموه العقلي والنفسي في تجربته الابداعية حيث تجد بداياته الشعرية مشحونة بايقاعات وجماليات الدراما، فقد قرأ اللغة والتاريخ والاسطورة واللاهوت، وكان يقرأ الدواوين الشعرية والقصص الاجنبية بلغتها الأم، عشق شكسبير وجوسر والمتنبي ودستوفسكي ولهذا جاءت قصائده متأثرة بقراءاته الانكليزية، وتميز شعره بنسيج لغوي خاص وانماط من الصور الفنية المركبة، كما تظهر فيه وفرة من الرموز التي استخدمها باتجاه توسيع وتعميق مسارات مضامين قصائده الشعرية فأنت تقرأ فيها اور، بابل، آشور، نفر، سومر، الحسين، جيفارا، حيث وظفها في شعره واعطاها أبعد من مداها، وفي الستينيات عندما سئل الشاعر الكبير مظفر النواب عن متابعته للجديد من تجارب ونماذج الشعر الشعبي العراقي قال (انني اقرأ شعر شاكر السماوي فيستهويني) يذكر ان السماوي التقى النواب مرات متباعدة في اواسط الستينيات في سجن القلعة في الحلة حين كان يزور شقيقه الناقد الدكتور سعدي السماوي. كما انه لاينسى فضل السويد على ثقافته فيقر لها بتطوير ثقافته وحماية حريته وتوفير فسح التفرغ للابداع والعطاء.
السماوي مسرحياً
السماوي شاعر ثوري في رؤيته وفي تفاعله مع التجربة والمعاناة وقد عبر عن ذلك بأجناس أدبية متعددة منها المسرح الى جانب الشعر فهو الى جانب كتابته للشعر كتب عشرات المسرحيات ومثلت في العراق وسوريا واليمن والجزائر وظل هذان الرافدان (الشعر ـ المسرحية) زاخرين بالعطاء في تجربته الابداعية فقد قرأ المسرح وعاشر المسرحيين وتعلم منهم وخلص في تجربة كتابته للقصيدة والمسرحية الى ان (أرقى مايسمو اليه الشعر هو حين يمتلئ دراما، وان أرقى مايحظى به المسرح هو حين يشعشع الشعر على جوانبه واعماقه). وعندما عرضت مسرحيته (رقصة الاقنعة) على المسرح في بغداد عام 1979 كتب عنها الدكتور علي جواد الطاهر (لو كان بيدي أمر لألقيت بالمؤلف في مسارح العالم لينهل التجارب من ينابيعها حين ذلك سيجني البلد ثمرة ناضجة من شجرة ناضجة، اذ لايتهيأ لنا شاكر السماوي في كل حين) وقد أوصى السماوي بأن تنقش هذه الوقفة التقيمية على شاهدة قبره لاعتزازه بوزن الطاهر الثقافي والاكاديمي، ولاندري هل ستنفذ وصيته التي لم تفتح لغاية اعدادي هذا الملف.
من أشعار شاكر السماوي
(ياحزبنه) قصيدة تتغنى بالحزب كتبها في 12/12/1979 عندما كان في الجزائر نختار منها:
هلا ابحزب الشدّايد والشهاده
هلا ابتاريخ مجدك والضماير والولادة
هلا ابحلمك
هلا ابعلمك
هلا ابزلمك
هلا ابشعب الذي انطاك الرياده
حزبنه
ياحزبنه
ياحزب كل زين تمتحنه التجاريب
ياحزب المعامل والمناجل والمراجل...
والصدگ والطيب
تعلمنه الشهامه منك وبيك
اوتعلمنه الشعب تفديه اويفديك
اوتعلمنه العصر تهديه اويهديك
اوتعلمنه الوطن:
بس بيك ينطيه السياده
نحبك تنجرح تجرح
يلن غيرك وفي ماصح
اويلن حبك يدلينه
على السچه التجي منهه السعاده