ادب وفن

ناهض الخياط في ومضه البرقي / علوان السلمان

الشعر.. فن الإثارة التي لا تعرف الحدود.. ووسيلة التعبير الموحي بنزوعه صوب التأصيل واختزال الزمن والحكايا والأحداث.
و"أيها البرق.. أنت أنا" المجموعة الشعرية التي نسجت عوالمها انامل مبدعها الشاعر ناهض الخياط تشتغل على حداثة النص الشعري، وترسم حدود البنية البصرية من خلال دينوية النص على حد تعبير ادوارد سعيد.. إذ أنها تعبر عن لحظة انفعالية باقتضاب موح يعتمد البلاغة المحققة للانزياح بتوظيف المجاز واستنطاق الرمز والصورة.. فضلا عن أنها تتخطى الحسيات وتستقر في أفق الرؤيويات في بوحها الذاتي الذي يلتزم التكثيف والإيجاز واعتماد السرد الشعري منهجا بنائيا لنصوصه المكتظة بواقعيتها الممزوجة والتخييل الشعري من خلال تأملها لحركة الوجود الطبيعي والحياة بشمولية.. ابتداء من العنوان بفونيماته الأربعة المقترنة بالغلاف وسيميائياته اللونية الدالة على الحركة الضوئية الوامضة.. التي تكشف عن نص مشحون بطاقة شعرية متدفقة قائمة على تكثيف الصورة والمضمون الفكري مع اقتصاد في الألفاظ مما منحه بعدا تعبيريا متجاوزا حضوره الفعلي ومحققا لحضوره الافتراضي..
رأيت الليل
كيف يتعرى
حين ينزل في النهر
بين مصابيح ضفافه
فالشاعر يوظف تقانة السرد الشعري فيقدم تشكيلا صوريا يسهم في ارتقاء النص من خلال النزوع إلى الإيحاء والحركة والتجسيم وتوليد الإيقاع الذي يثري الذائقة الجمالية بعرضها تجربة ومضية غلفتها قوة اللفظ وتكامل المعنى الخالق لنوع من الدينامية عبر كينونته المتحركة بتدفق وتكثيف للرؤيا باستخدام الألفاظ المجازية التي تشكل الانزياح وتحقق ما قاله النفري الصوفي، "كلما اتسعت الرؤية ضاقت العبارة".. وبلورة التجربة الإبداعية باعتماد عنصرين فنيين:السرد والمفارقة..
في زمان ظليل
شممت نفحة عطر
لا ادري
من أية نافذة خرجت؟
لا تحدقوا بالجميلة هكذا
فالشمس تؤذي العيون...
فالشاعر ينسج نصوصه الومضية الخاطفة بدفقة وجدانية خالقة لتعبيرها المكثف الذي يستفز اللحظة الشعرية المكتنزة بشحنتها الدلالية المختزلة باعتماد جمالية اللفظ في تفجير طاقاته الشعرية التي تحمل الدهشة وتركز على المعنى باعتمادها الإيجاز المكتظ بالرمز القابل للتأويل بتدفق شعري يمازج بين الخيال والواقع وهو يستمد تأثيره من خلجات النفس وأحلامها السابحة في فضاء الخيال.. كونه يلج عوالم الومض بكل تجلياته ومفارقاته الممتدة في عمق الحلم والرؤية بتوظيف تقنيات أسلوبية وطاقات تعبيرية تخلق إشارة توحي ببنائه من خلال "الإيجاز والتكثيف وعمق المعنى".
عبر الأنفاق المديدة
وعلى السفوح والأنهار
تواصل القطارات انطلاقها مسرعة
بذلك المسافر الذي
لم يجد بعد محطته
خصلة شعرك المتدلية على جبينك
تحجز لي
موضع قبلتي
فالشاعر يؤثث لتجربته المشهد الشعري الذي ينم عن عمق فكري ووعي جمالي ينبثق من الفكرة التي تمثل حالا شعورية باعتماد محاور رؤيوية تتناغم فيما بينها مشكلة فضاءاتها الشعرية المتميزة بظلالاتها وتجلياتها الإنسانية عبر مستويين متداخلين: أولهما ذهني وثانيهما نفسي.. لذا فهي زاخرة بالصور والخيالات التي تخلقها لغتها المحكية التي نسجها الشاعر بتقنية فنية متوخيا الإدهاش ونبش الخزانة الفكرية للمستهلك "المتلقي" وإثارة مشاركته الوجدانية...
الفقراء
هم الأحياء الموتى
ولذا
فهم لا يخشون العيش بين القبور
الشاعر شمعة تذوب
ولا تنطفئ
فالشاعر يشكل جمله الشعرية ضمن هندسة بنائية تعتمد التكثيف والإيحاء والإيجاز والتركيز مع ضربة ادهاشية مفاجئة لخلق نص يقوم على صورتين متضادتين "الواقع والحلم" برصد دقائق الأشياء والعمل داخل اللغة من اجل أحداث علاقات بين الألفاظ.. مع تركيز على السياق لتحقيق الوظيفة الانفعالية التي تسهم في تحريك الذاكرة.. من خلال نص شكل دفقة شعورية تقوم على الفكرة وتتسم بالاختزال وهي تحمل بين طياتها ملامح سردية مع تصعيد درامي مفعم بالشعرية باستنطاق الذات وتوفير مساحة للحركة التأويلية..
عينني الشعر حارسا له
في غفوته على العشب
تحت ضوء القمر
دهشت
حين رأيت وجهي في المرآة
يبتسم لي الآن
فالنصوص تقوم على شعرية الرؤيا في إطارها البنيوي من خلال الارتقاء باللغة وخلق الصورة الدينامية التي تجمع بين المعنيين الحسي والذهني في لمحة حياتية لتحقيق العمق التصويري وتغيير البديهيات للأشياء.. فضلا عن خلق عنصر المفاجأة الادهاشية من جهة والمحققة لتأثيرها الجمالي من جهة أخرى عبر درامية وإيقاع التشكيل الفني..
وبذلك قدم الشاعر الخياط سونيتات ومضية حداثوية تقوم على التكثيف الدلالي وفق رؤيته ورؤياه مع اعتماد التكنيك الفني في بنائها المتكىء على اللغة الشعرية والصورة والرمز والمفارقة التصويرية المتماهية والهم الإنساني على المستوى الواقعي بتوخيها الإيجاز وعمق المعنى وكثافة العبارة الملبدة بأبعادها الرمزية التي شكلت دلالاتها بؤر ضوئية مشعة بإيقاعها المنبثق من ثنايا الألفاظ..