ادب وفن

دعوة لعودة تراث مصطفى عبدالله الى مدينته / جميل الشبيبي

ينتمي الشاعر الراحل مصطفى عبدالله الى جيل الستينيات من القرن العشرين، حيث واكب التحولات الثقافية والاجتماعية في الساحة العراقية بعد الهجمة الشباطية الشرسة عام 1963، اثر الهزيمة المرة لقوى اليسار العراقي وكل القوى الوطنية في العراق ،كان مصطفى من ذلك الجيل المتمرد والمنفتح على تيارات الثقافة الوافدة للعراق بعد تلك الهجمة الشرسة.
عرفت مصطفى في عام 1965من خلال الروائي اسماعيل فهد اسماعيل، كان يصغرنا بخمس سنوات، خجولا، لكنه يمتلك شخصية ثقافية واضحة ،وخلال فترة قليلة أصبح صديقا ملازما لنا.
في تلك الفترة منتصف ستينيات القرن الماضي لم يكن هناك تيار ثقافي قادر، بل مجموعة كبيرة من التيارات الثقافية، بعضها يحافظ على ثقافة ماركسية مشذبة بسبب الانتكاسة التي تعرض لها الحزب الشيوعي وبعضها يميل الى وجهة النظر الوجودية، وهناك أفكار كامو عن العبث وتأثيرها على عدد كبير من مثقفي المدينة كان اسماعيل واحداً منهم، أما الشاعر مصطفى فقد بدا محافظا يميل الى وجهات نظر دينية، لكنه سرعان ما تأثر بالتيارات الثقافية، دون تطرف، متخذا من السرد القصصي وسيلة للتعبير عن أفكاره وهي في طور التكوين، وكان أول كاتب بيننا ينشر نتاجاته في الصحف المحلية البصرية بعد إسماعيل فهد الذي كان قد أصدر مجموعته القصصية الأولى «بقعة داكنة» كانت قصص الراحل تتميز بالجدة والطرافة، وتبشر بقاص واعد لكنه، هجر كتابة القصة وجرب كتابة السيناريو والمسرحية الشعرية قبل ان يستقر على كتابة الشعر.
في سبعينيات القرن الماضي، انتمى مصطفى عبدالله الى الحزب الشيوعي العراقي وأصبح كادرا من كوادره الثقافية الى جانب الروائي عبد الجليل المياح والشاعر عبد الكريم كاصد ومجموعة من مثقفي المدينة، ولم يمنعه التزامه الحزبي من القراءة المتنوعة والخوض في النقاشات الدائرة في الساحة البصرية، كان فاعلا وجادا في عمله الوظيفي مدرسا للأحياء وفي عمله الحزبي، إضافة إلى حضوره الدائم في ندواتنا الثقافية التي نعقدها في المقهى عادة دون تحضير لموضوع أو محاضرة معدة سلفا وفي تلك الفترة نشر مصطفى قصائده في مجلة الأقلام والثقافة الجديدة وفي العديد من الصحف العراقية.
في معظم قصائده السبعينية، نجد تلك العلاقة الوثيقة بين الفني والأيدلوجي متضافرين في ضفيرة واحدة. كما نجد اهتماماته بحياة الناس اليومية، وربما نستطيع القول ان الراحل هو أول من دشن كتابة القصيدة اليومية بقصيدته الشهيرة «نزهة»، في رسم مشاهد مقربة وحيوية من حياة الناس الفقراء:
«لماذا ينزل أولاد الحيانية قبل وقوف الباص ؟
ويقتسمون مع الحر، سريعا، أبواب البارات
وأسواق الخضرة والساحات
وحين تنام الشمس على الطرقات
ينتصبون رفوفا للبارد والحلويات»؟
وكانت هجرته القسرية قد وضعت حدا بينه وبين من كان يدافع عنهم، لكنه طور أدواته الشعرية في الغربة فاتسعت اهتماماته الثقافية، وأصبح علما ثقافيا في بلاد المغرب التي تحتضن المثقفين والمبدعين، إذ أصبح مصطفى عبدالله ينافسهم حتى في كتابة تاريخهم الخاص «لدي مخططات على شكل خرائط عن الطوارق وعن قادتهم تمثل مشروعا للراحل عن حياة هؤلاء الناس في الصحراء وعن حضارتهم»، كما كتب قصصا للأطفال، ويقول صديقي الكاتب جاسم العايف ان الراحل «عاود نشاطه الثقافي الابداعي المتنوع في المغرب حيث نشر قصائده في الصحف المغربية وكتب بعض الدراسات الانثروبولوجية وكتب ثلاث سيناريوهات لصالح المنظمة الاسلامية للتربية والعلوم والثقافة «الآيسيسكو» كما كتب سيناريو لفلم رسوم متحركة بعنوان «زيدان الصياد» بالاشتراك مع الكاتب المغربي «ادريس الصغير» وكذلك كتب سيناريو «أمس الاثنين وغدا الثلاثاء» بالاشتراك مع ادريس الصغير وأمين عبدالله وكتب سيناريو فلم «كتاب الآس في حب فاس»
ان رحلة الشاعر مصطفى عبدالله الثقافية ،قد انتجت ابداعات مهمة في الشعر والقصة والمسرحية والسيناريو، تتطلب بعثها الى الحياة من خلال هذا المنبر التقدمي الرصين، بسبب ان هذه النتاجات غير معروفة حتى عند مثقفي مدينتنا، خصوصا الشباب منهم بسبب هجرة الشاعر المبكرة وبسبب التعتيم الاعلامي المقصود لإبعاده عن الساحة الثقافية مع مجموعة كبيرة ومبدعة من شعراء المدينة وكتابها،ولذا فان من واجبنا ان نسهم في التعريف بمنجز هذا الشاعر ،عبر أقامة ملتقى باسمه وبالتعاون مع جامعة البصرة، أو تخصيص احد المرابد وليكن القادم، ليحمل اسم الشاعر مصطفى عبدالله، فهو قامة مبدعة، تقف الى جانب قاماتنا الابداعية المعروفة، وليكن اسم مصطفى ومحمد طالب محمد الى جانب شعراء المدينة المبدعين: عبد الكريم كاصد، مهدي محمد علي، كاظم الحجاج، حسين عبد اللطيف، مجيد الموسوي وغيرهم ممن ظهروا في الساحة العربية ،بعد جيل الرواد الكبار السياب وسعدي والبريكان.