ادب وفن

حلاّجٌ وحلاّج...! / ريسان الخزعلي

* الحلاّج، هو الحسين بن منصور الحلاج، شاعر متصوّف، مات سنة 305 هـ مصلوباً بعد ان قُطّعت أطرافه.
يُروى أنهم جاءوه في الليلة الاولى التي حبسوه فيها، فلم يجدوه في السجن، فتفقدوا السجن كلّه فلم يجدوه. وفي الليلة الثانية، لم يجدوه هو ولا السجن، ومهما بحثوا عن السجن، لم يجدوه. وفي الليلة الثالثة، وجدوه في السجن، فقالوا: أين كنت في الليلة الأولى؟ وأين كنت أنت والسجن في الليلة الثانية؟ قال: في الليلة الاولى، كنت في الحضرة، وفي الليلة الثانية كانت الحضرة هنا، وفي الليلة الثالثة، أرسلوني لحفظ الشريعة. فتعالوا، وأدّوا عملكم.
ويروى ان ثلاثمائة رجل كانوا في السجن. فلما أقبل الليل، قال: ايها المساجين، سأحرركم. قالوا: ولماذا لا تحرر نفسك؟ قال: إنني في قيد الله، وأحظى بالسلامة. إن اردتم، حطّمت القيود كلها باشارة. ثم اشار باصبعه؛ فتحطمت القيود.
فقالوا: أين نذهب الان؟ وباب السجن مغلق. اشار فظهرت فجوات في الجدار.
وقال: تسللوا. فقالوا: ألا تأتي معنا! فقال: لي سرٌّ معه، لا يمكن إفشاؤه إلا على المشنقة. وفي اليوم التالي، قالوا: أين ذهب المساجين؟
قال حررتهم. قالوا: ولِمَ لم تذهب معهم؟ قال: لأن الحق عاتب عليّ، فلم اذهب.
ووصل الخبر الى الخليفة، فقال: انه سيشعل الفتنة، فاقتلوه، ثم أخذوه حتى يشنقوه. فصلوا يديه، فابتسم فقالوا له: لمَ تبتسم؟ قال: فصل اليد عن رجل مقيّد أمرٌ سهل. ثم قطعوا قدمه، فابتسم، وقال: كنت اسافر بهذه القدم في الدنيا. لكنني أملك قدماً أخرى أطوي بها العالمين. فاقطعوها ان استطعتم. ثم مسح وجهه بيديه المقطوعتين المخضبتين بالدم، فخضّب ساعديه ووجهه بالدم. قالوا: لماذا فعلت هذا؟ قال: نزفت دماً كثيراً، وأعلم ان وجهي قد ذبل، وحتى لا تظنوا ان ذبول وجهي بسبب الخوف، خضّبت وجهي بالدم، حتى أبدو أحمر الوجه في عيونكم. فلون الرجال من لون دمهم. قالوا ان كنت خضّبت وجهك بالدم، فلماذا خضبت ساعديك؟ قال: لأتوضأ. قالوا أي وضوء، قال: ركعتان في العشق لا يصح وضوؤهما إلا بالدم. وسألوه قبل الصلب: ما التصوّف؟ قال: أهونه ما ترون!
موقف الحلاّج هذا، ذكرّني بموقف الحلاّج الشيوعي، الشهيد المناضل سلام عادل، حيث مشتركات البطولة والصمود المتشابهة، والموقف تفصيلاً لا تسعه هذه الإشارة، وهو معروف، خلاصته (الأهون بالذي رأوه).
في الشعر العراقي (شعري) كان الحلاجان متوازيين، حلاّج وحلاّج:
* سألَ أحدهم (الحلاّج) وهو على عمود الصلب مقطَّع الأطراف:
- ما التصوف..؟
قال:
أهونه ما ترى..!
* (سلام عادل).. في موقف حلاّجي، قال عن تصوّفه الشيوعي:
- أهونه ما أرى..!