ادب وفن

هون عليك يا ولدي انه نور الشفق المبشر بالولادة / محمد كريم فتح الله

الى الاطفال والكبار الذين يرعبهم دوي المعارك الاجتماعية الكبرى..
الى اولئك الطيبين الذين يرغبون في النور الاحمر الذي يتوسط ظلمات السيل الشقاء، ونهار الحياة السعيدة ناراً تلتهم حقوقهم، وأسوق هذه الحكاية..
يقال ان صبياً غراً تشاجر ذات يوم مع والده الثري العصبي المزاج وترك البيت والمدينة، هائماً على وجه الى ان التقي على مشارف قرية صغيرة شيخاً منسياً: متمدداً وسط حقل من سنابل الحنطة التي كانت شمس حزيران قد لونتها بلون الذهب.
سلم على الفلاح الشيخ، وعرض عليه استعداده للخدمة، والبقاء عنده طوال الحياة، لقاء ان يوفر له الشيخ لقمة العيش، وسريراً يتوسد إليه في وقت الراحة.
قال له الفلاح المسن بعد ان تمعن فيه:
- انا لا ارى في وضعك وملامحك، امارة العوز والفاقة يا فتى، فمن انت وما هي حكايتك؟
وبعد ان سرد الفتى زعلان- قضيته للشيخ، وتصميمه على ألا يعود الى جحيم العيش مع والده مرة اخرى. قال له الشيخ متأسياً:
- ما كان لك ان تتصرف هكذا يا بني،
- اني اريد الاعتماد على نفسي يا عم.
- ما الذي تجيده من الاعمال؟
- لم أتعلم بعد مهنة ما، لكني مستعد لان اتقن ما تكلفني به.
- حسناً .
- حسناً، فما دمت مصراً على السير على هذا الطريق اني اعتبرك ابناً لي منذ اللحظة، وسأعاملك كأب عطوف.. ولا اريد منك لقاء ذلك سوى ان تتناوب الحراسة معي ليلاً على هذا البيدر. وفي اوقات حراستك، كل ما اطلبه منك هو ان توقظني حالماً ترى بصيصاً من النار يمس الحقل او يكاد في جانب من جوانبه.
وذات يوم كانت نوبة حراسة الفتى قد صادرت الهزع الاخير من الليل.. ما هي إلا برهة قصيرة حتى علا صارخاً وهو في حالة فزع شديد:
- استيقظ يا أبي.. عجل.. استيقظ!! فتح الفلاح العجوز عينيه ونهض مرتبكاً..
- ما الذي حدث يا ابني؟
- لقد وقعت الكارثة يا ابتي.. انظر.. انظر فها هي النيران تلتهم حقلنا من هذه الجهة.
حول الفلاح عينيه الى جهة الشرق حيث يشير الفتى، ثم خفض عينيه ونبتت على شفتيه ابتسامة جميلة وادعة، وبعد برهة صمت حسها الفتى دهراً قال الفلاح الاب بنبرة هادئة مطمئنة:
- هون عليك ياولدي، فان حقلنا بخير.. وان ما تراه يشبه النار الحمراء المشتعلة، وليس ناراً في الحقيقة، وانما هو نور الشفق المبشر بولادة صباح يوم جديد.. انه الايذان بان ساعات الخطر على سلامة حقلنا قد اشرفت على نهايتها.. وان الحقل سيكون تحت حراسة هذا النور المتوهج طوال ساعات النهار.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قصة قصيرة نشرت للرفيق الراحل في "طريق الشعب" بمناسبة اعياد ثورة تموز المجيدة عام 1974