ادب وفن

"الشاعر الحاج زاير الدويچ رنين الوتر الفراتي" للكاتب ريسان الخزعلي / سفاح عبد الكريم

لا يختلف اثنان عن اهمية هذا المطبوع وثقافة الشاعر والناقد والكاتب ريسان الخزعلي في رفد المشهد الثقافي العراقي بشتى انواع علوم المعرفة الأدبية. فهو فاعل وناشط يشار اليه بالبنان.
إذ تكمن روعته في تنويعاته اليومية الابداعية المتقنة والتي يفاجئنا بها وباستمرار نتيجة لرغبته الأكيدة في تقصي الحقائق وايصالها الى المتلقي بروح حضارية ورياضية عالية واثقة الخطى واضحة المعالم وهي ترنو صوب المحطات البعيدة والقريبة والنبوءات التي لم تكتشف بعد أن تم التعبير عنها بصورة لم تعط لنا سوى التلذذ المؤقت ولمواقع تستقر فيها ذكرياته واشتغالاته وهو يتمنى أن تكون رؤياه مقروءة ويتوافق عليها الجميع وقد تختلف أو تتفق عن دراسات قام بها الباحثون وتأخذ مساراً متفرداً في حدود الذائقة والسمع واسلوب التجديد في الكتابة الواقعية اليسيرة. ناهيك عن توجسات الكاتب ريسان الخزعلي في الحوارات والجلسات التي تغني الذاكرة وينتفع من أبجدياته الآخرين المتواصلين معه في الثقافة وبتطلع مشهود. وكم اشار البعض الى كتابات الشاعر اليسارية المرتكزة على الحس الثوري والانساني والتعبوي والتأملي وهو يتغنى بصوفياته التي يؤمن بها قطعاً ومن خلال زجاجياته التي يرنو من خلالها للثقافة الشعبية وغيرها المؤثرة في المجتمع والتاريخ. وقد تغنى بمسافات الحلم والهور واستذوق مذاقات واضاءات المدن التي أعطته الكثير وباتجاه لغوي وتعبوي آخر اذ خط لنا اسلوباً ونمطاً واقعياً ومتشابكاً مع الرمز احياناً. إن هذا التلوين والتأمل والتشكيل في طروحات الخزعلي لم تأت اعتباطاً وانما عن تجربة اصولية متفرعة مرتكزاً على القوامات الكبرى (التراث- والبيئة) وغيرها من التكوينات الابداعية الثابتة في التطرق الى حالة الثقافة والبحث عن المعرفة من جديد. وفق كل هذا والمهم تحسب لصالحه وصالحنا معاً وهي تصب في مشروعه التوجهي الشعري الشعبي والثقافي المتحضر والمتعدد والاتجاه الصحيح في المساهمات الجادة المخلصة دون الارتماء في وقع وثقافة الغير في التأسيس لمفاهيم بحثية ونقدية نستمتع بها جميعاً. ان الطفولة هي زمن النبوءة الصحيح المتضمنة البراءة والانهماك في التعلم من مدرسة الحياة النموذجية الخالصة. إذ بنتاجه هذا وجمعه لشاعر تربى عليه الكثيرين يكون قد أملى الفراغ الذي انتابنا من زمن التصحر والهلوسة واللا ضمير ومسؤوليه. سوى الانفراد هنا وهناك. ان امتداد الطاولة الحوارية- النقاشية التي يرتادها الكاتب مع مؤيديه والذي لا تنقصهم سوى المواصلة والاتصال.
لقد فعلها الصديق الشاعر ريسان الخزعلي وكنت قبل هذا أبحث عن الشكل الاول للمطبوع الصادر في بداية الافينيات لأجد الفارق وكما علمت ان هذا الموسوم منقح ومضافاً له اشياء لم يدرجها في نتاجه الاول عنه. وكم كان محقاً وأنا أتفق معه وهي كالقصيدة التي كتبت في زمن ونظر اليها حديثاً، واضاف لها بهرجة لم تغير في محتوى النص. وعندما استهوته الكتابة عن الشاعر العملاق الحاج زاير تراءى له بانه لم ينجز بعد ما كتب عنه في غيبوبة الحلم والسفر المضني في بحر لم تكتشف عوالمه بعد. وعندما اكثر الكاتب من اظهار الكثير من نتاجات الشاعر المحتفى به لاهميتها وتنويعاتها واغراضها الشعرية ولان الحاج زاير يمتلك ارثاً كبيراً.
وهنا اريد أن أعزز رؤياه في اتجاه الكتابة التقويمية والنقدية في البحث عن مكامن الجمال والبديهية السريعة عنه والذي شغل الناس المبدعين والمؤرخين والقراء بمواويله وابوذياته وبعضاً من قصائده التي اجاد بها لاشد من أزره على هذا المطبوع القيم وسوف ابقى منحازاً له رغم البحث عنه في اتجاهات يرغبها لم تكتشف.
في هذا المطبوع الجميل اعتمد الشاعر والكاتب ريسان الخزعلي على مصادر مؤرشفة او غيرها أغنته واضافت له معلومة واشياء كثيرة ارتكز عليها في تدوينه لنصوص منقولة عبر كتب التراث المقروءة.
إنه مطبوع قيم يحوي دلالات الحداثة والاشتغال ولم يكن أحد من قبله تناوله في هذا الاسلوب الحضاري حيث الرؤى المعاصرة للادب استهوته أن يبحث عن هذا الشاعر بهذا الاسلوب الذي نرغبه وباختصار.
انها صيحة ايقظت الرغبة فينا للتقصي اكثر او التطلع من جديد بالمحتفى به الذي يعرفه الأقدمون والمعاصرون واللاحقون وفي زمن كنا نحتاج الى مثل هكذا رياح تكشف عن مجسات الارض التي تحتوي على أرث وقيم المبدعين التي لم تكتشف.
ان البداهية والبراءة في اشعار الحاج زاير جعلت من الكاتب شغوفاً باستفزازاتها له وهي كالغناء الذي يلتجأ المغترب في عزلته وأزليته الجديدة التي يعتاد عليها. إنه تأمل في الواقع والحلم. وانها الحياة الاخرى بعد فناء الجسد لا الروح. إنها الحميمية التي التصق بها منذ طفولته. وهنا أؤكد ان «رنين الوتر الفراتي».. هو انعكاس الذاكرة الممتلئة بحنين الذكريات ومنابع وأزمنة التكوين. وفي زمن باتت فيه الشرقة عقاراً للطارئين وكانما الحاج زاير لم يكن قد وضع اللبنات الاولى المميزة التي لا يمكن لمسها ابداً سوى الاستماع والاستمتاع بها والنظر اليها.
ان الغفلة للبعض اليوم باتت مكشوفة ومعلنة ومقروءة إذ ان هكذا مطبوع ذات الاهمية قد اختصر الزمن وأوصل الموروث الينا باكتشاف وروءى جديدة وبات كغيره مصدراً حديثاً للبحث والقراءة العصرية والتحديث عن التراث بلغة نحتاجها فعلاً في يومنا هذا.
ان النماذج الشعرية التي اختارها الباحث ريسان الخزعلي هي مرتكزات متنوعة المعاني والاغراض وقد اعتنى بجماليتها واهميتها والمناسبة التي استوجبت حضور الشاعر الحاج زاير.
تحية لهذا المطبوع المعافى الجديد ورحم الله امرئ كشف الغم عن غيره او اعطى انطباعاً يؤسس له في الكتابة البحثية او النقدية سواء كان ذلك في التتويج لتلك المفخرة العظيمة او التلذذ والشغف بالمنجز الشعري الجديد «الحاج زاير رنين الوتر الفراتي» للكاتب والشاعر الناقد ريسان الخزعلي.