ادب وفن

«ملتقى إبداع الثقافي» في القطيف يحتفي بالشاعر منيرالنمر

القطيف- خاص
حملت قصيدة
«بغداد حلمُ الأنبياء»
بين حروفها الألم العراقي النازف بفعل الإرهاب، وحمَل الشاعر والإعلامي السعودي منير النمر فيها هموم العراق، مختصرا الجراح في صورها الشعرية المتفردة بقوله:
«بغداد موت آدميٌّ ما انتهى «الحجاج» منها، ما انتهى منها «الدواعشُ»..
ما انتهت منها الرصاصات التي قتلتْ بقلب الطفل زهرهْ.
بغداد حلمُ الأنبياءْ.
لا «داعش» فيها تمرُّ ولا انحناءْ».
وحلق الشاعر في أمسية شعرية أقامها «ملتقى إبداع الثقافي» مؤخرا في محافظة القطيف في المملكة العربية السعودية وقدمها الشاعر جمال الحمود بقوله:»إن بعض النبوءة شعر، بعض الإعجاز شعر، بعض الرقي شعر، بعض الحب شعر، بعض الإنسانية شعر»، مضيفا «الشعر حالة إنسانية راقية تتولد منها ترجمة لمشاعر نحياها، أو تتلبسنا من واقع معاش، أو وصف، أو بعض خيال، الشعر حالة وحي وإلهام تسكن أرواحنا وتهواها قلوبنا، وهو ما سنجده هذا المساء بحضرة الشاعر وحضرتكم».
والأمسية التي حضرتها نخب شعرية وأدبية وجمهور من محبي الشعر في المحافظة لم يغب عنها الواقع الدموي المعاش حاليا في الوطن العربي، الأمر الذي عكس عمقا كبيرا في تجربة الشاعر المتجاوزة للذات حسبما أفاد به شعراء ونقاد حضروا الأمسية، وأشادوا بتجربة الشاعر وعمقها.
وعلى الرغم من الواقع الدموي الذي هجاه الشاعر بغير قصيدة في الجولة الأولى ، إلا أن مساحة الحب كانت طاغية في الأمسية التي حضرتها نخب شعرية وأدبية، وجمهور الشعر. وأكد شعراء ونقاد حضروا الأمسية على تفرد التجربة الشعرية ونضوجها، مشددين في أوراق نقدية ومداخلات على أهمية النسق الشعري الذي يسير فيه النمر، وبخاصة في الأسلوب التعبيري والتركيبات الشعرية.
وعبر الشاعر السيد هاشم الشخص عن إعجابه بتجربة النمر الشعرية، وقال: «نحن أمام شاعر يمتلك الجرأة ليقول ما يؤمن به، ولديه شجاعة ووطنية، ويعكس شعره إطلاعا واسعا وظِّفَ في أشعاره التي تناولت المآسي العربية»، مضيفا «إنه يمتلك قدرة الدخول للنفس سريعا بشكل غير متكلف، وهو غير مغرق في الرمزية، وهذه من صفات الشاعر الأصيل الذي نراه يكون على هذا». وعن القصائد الغزلية قال: «إنه شاعر رائع في الجانب الغزلي»، داعيا الشاعر إلى الابتعاد عن المباشرة في التجسيد، مؤكدا أن تجربه الشاعر ستكون إلى الأفضل.
وقال الشاعر والناقد الدكتور أحمد سماحه في ورقة نقدية: «عايشت بدايات الشاعر الشعرية التي تسامت كثيرا؛ لتتخطى دائرة النقد الذي طالها مني، ومن البعض في امسيات ادبي الشرقية الذي كان الشاعر مواظبا علي الحضور والمشاركة في امسياته الإبداعية». وأضاف «اتابع ابداعاته الشعرية الجديدة، ولمست تخلصه الى حد كبير من التأثر بالآخرين خاصة الجواهري الذي شغف به، وحاول كثيرا ان يكونه ابداعيا لكنه بحسه المرهف ووعيه أدرك ان ذلك لن يتحقق، الا اذا تخلص من التأثر المفرط الى التأثر المبدع، وهذا ما كان لنشهد شاعرية منير التي بدأت تتشكل عبر اعماله الأخيرة التي سيقرأ منها الليلة».
وتابع «إن منير النمر شاعر مرهف لم يتخل عن شاعريته، وقدم لنا العديد من القصائد الملفتة، فها هو وعبر «ارتداء جسد» شاعر مغاير حاول ان يقدم لنا ذاتاً جديدة، ذاتاً اخرى ربما كما قال تحررت من ذاكرتها «القديمة» وان ينحي كل الالوان؛ ليكون اخضر متحررا من كل ما شاب هذا الاخضرار الابداعي، يقول:
أنا أخضر متحرر من كل ذاكرتي،
ومن جسدٍ أطال بقاءه عمري العليل.
ورأى د. سماحه» بأن النمر طلق ظلمته السرية ليخرج الى العلنية الإبداعية بلون آخر ورؤية أخرى اتجهت نحو تجسيد الصورة الشعرية بريشة الفنان، وبخاصة أنه فنان تشكيلي، وبسؤال جديد عن ذاته التي تشكلت واوقعته في حيرة الكينونة مرة اخرى؛ ليتجه بسؤاله لا الى ذاته او الى ذوات بشرية اخرى، ولكن الى الخالق فهو العالم بالباطن والظاهر، يقول:
بشر أنا أم ذكرياتٌ…، ما أنا يا ربُّ قل لي ما أنا؟!
وتابع «لم تكن ذات الشاعر رغم ما تموج به من حيرة بعيدة عن عالمها، وعن واقعها، وعن عاطفتها، فها هي تتأثر بما حدث ويحدث حولها سواء علي المستوي الجمعي الذي شكلته الثورات العربية في تونس، وغيرها ام على مستوى الفرد وشغف الذات بالحبيبة»، مضيفا «لن اكون مجاملا اذا قلت ان منير شاعر مرهف يمتلك ادواته الابداعية التي يبددها احيانا في اتجاهات شتي»، مستدركا «عندما يدرك شاعريته يتجه الى القصيدة، او يحاول ان يجسد الحروف في لوحة تتسم بالشاعرية وتبدو كقصيدة من خطوط والوان وعلاقات تتجسد في عالم اللوحة».
وأضاف «ورغم انه يرتدي جسده، الا انه يتحرر من ربقته احيانا؛ ليجسد ما يريد من شخصيات مبدعة او خيالية او غيرها، وتلك سمات المبدع وحيرته الدائمة ازاء الكون والوجود والآخر فهو يحيا.
«قَدْرَ أمنيته». كما يقول في إحدى قصائده:
ما زلتُ أحيا قَدْرَ أمنيتي
قَدْرَ ابتسامتكِ البهية في السهولْ.
قَدْرَ المنايا في حكايانا، وقدر الأمنياتْ.
قَدْرَ الجنازةِ، وهي تتعب مثلنا.. تنوي الرحيلْ
وليس بعيدا عن الورقة النقدية التي قدمها «د. أحمد سماحه» شدد الكاتب باقر الشماسي في مداخلة له على أن الشاعر المعاصر والمتمكن هو الذي يرسم بريشته المبدعة لوحة الواقع المعاش، مؤكدا أن الشاعر له تجربة بعيدة كليا عن التجارب الكلاسيكية الركيكة الممجوجة، مضيفا «ما استمتعت له متحرر من قمقم «الفوبيا» المعوقة لمسيرة الابداع الادبي الانساني النهضوي». وتابع «إن شاعرنا صاحب الامسية الشعرية شعلة اضاءات فهو شاعر وكاتب وصحفي وفنان».
ودعا الكاتب علي البحراني الشعراء، ومنهم الشاعر النمر إلى التركيز أثناء الإلقاء، وقال: «إن الشاعر منير شاعر مشاكس وحان الوقت لمشاكسته، فهو ألحن غير مرة أثناء الإلقاء»، الأمر الذي برره الشاعر في رده على الاستفسارات بـ»الخطأ غير المقصود». وقال: «لا يتقصد الشاعر اللحن، وإن حصل فيعود لأسباب تتعلق بالحياة اليومية المعتمدة على اللهجة العامية، بيد أن الشاعر يعرف تماما أنه ألحن، مستبعدا افتراضية الجهل باللغة، بدليل أن الشاعر نفسه يصحح المسار في اللحظة ذاتها».
يشار إلى أن الشاعر ألقى سلسلة من القصائد التي تنوعت بين الشعر العمودي، وشعر التفعيلة غير التقليدي على مستوى الموسيقى، وحملت عنان القصائد تمردا كما لغتها الشعرية، منها القصيدة العارية، نصف دقيقة، الحرب، قلبي وطن أخضر، خذيني إلها جديداً، عابرة في سرير شهي، سادية، رصيف ساخط، دم العروبة.