ادب وفن

تراجع الحيوية والطموح والابداع عن السينما العراقية / جاسم المطير

في احاديثي مع الهولنديين، الذين يزوروني يومياً، يتركز الاتجاه ، عادة ، على النفط العراقي واسعاره ومشاكله أو على التمور ونوعياتها أو على الاهوار العراقية وبيئتها أو على ملحمة كلكامش وفنونها أو على الدولة الإسلامية (داعش) وجرائمها ، لكن حديثي يوم امس اثار استغراب أحدهم من الهولنديين حين تحدثت معه عن انشغالي بمشاهدة فيلم سينمائي عراقي إذ لم يكن قد سمع أو قرأ، عن سينما عراقية اصيلة ولا يعرف شيئا عن رموزها ومرجعياتها وجمالياتها.
حين اردت الكتابة عن فيلم (بغداد حلم وردي) بعد مشاهدته ، مرتين، كان التوتر ينتابني حقاً فقد وجدت نفسي امام مهمة اعتراض على لعبة افعال وانتاج حوالي 25 فيلما سينمائيا بمناسبة بغداد عاصمة الثقافة العربية عام 2013. كان هذا الانتاج كله، بنظري، نموذجاً جديداً أريد له إبقاء روابط الانتاج السينمائي العراقي مقيداً بــ(تبعية جديدة) للسلطة الطائفية الحاكمة حالياً الهادفة إلى تحويل الفنانين من صفات (المبدعين) إلى صفات (المنتفعين)، تماماً كما كان وضعها خلال 35 عاما في ايام السلطة الدكتاتورية 1968 – 2003 .
ما يهمني اليوم هو قضاء ساعة حرجة من الحديث عن فيلم ارتضاه مخرجه فيصل الياسري. ربما لم يكن راضيا عنه، لا أدري..! خاصة وانني لم اجد في الفيلم اسلوباً جديداً مستنفراً الان في كل العالم السينمائي ، حيث تسود الاساليب الجديدة في الاخراج والتمثيل واستخدام وسائل جديدة متميزة في التعبير الفني السينمائي المتميز بإدخال وسائل وادوات سينمائية مؤثرة على المشاهدين عموماً بعد ان اصبح الفيلم السينمائي اداة داخل نظرية الصراع بين الافكار.
كنت اعتقد ان مناسبة بغداد عاصمة الثقافة العربية يمكن ان تكون محاولة جادة من بعض المخرجين السينمائيين العراقيين ومنهم او في مقدمتهم فيصل الياسري لإنقاذ سفينة السينما العراقية، الغارقة او المغرقة في اعماق النسيان او الاهمال المتعمد، لكن مشاهدتي لهذا الفيلم جرتني الى نوع من التحفظ حول هدف انتاج مجموعة من الافلام السينمائية العراقية بأساليب متورمة بالكثير من الامراض كما قرأت عن ذلك كثيرا منذ عام 2013 حتى اليوم . كان الانتاج السينمائي العراقي، بهذه المناسبة، يبدو بواقع إداري فوضوي، تماماً كما هو الواقع السياسي الفوضوي السائد ببلادنا منذ 12 عاما . وجدت ان الفوضوية السياسية (غير الخلاقة) انعكست ايضا على خصائص الانتاج السينمائي، الذي لم تستطع افلامه الاخيرة ان تخرج السينما العراقية من ظلامها الدامس الى ضيائها الابداعي.
عرفت فيصل الياسري فناناً سينمائياً منتجاً عامراً طيلة 5 عقود بالخيال والعمق وتركيز الشخصيات التي يريد تصويرها مدفوعاً برغبة تقديم نموذج سينمائي على ضوء انطباعاته التحليلية بما يرضي طموحه الفني ورغبته العارمة في النفاذ إلى أعماق الموضوع، الذي يعالجه وينتجه فنياً، كما في افلامه السينمائية وبرامجه التلفزيونية الشهيرة. كنت اعتقد ان فيصل الياسري وفيلم (بغداد حلم وردي) كان يمكنهما أن ينقلا السينما العراقية من حالة المرض المريرة التي تعانيها منذ عقود عديدة، الى حالة الشفاء ، اي نقلها من حالات المفارقة والتناقضات والصراعات والادارة القاسية والتبعية الازدواجية المتخلفة ، الى حالةٍ تناظر بعض الانتاج العربي على الأقل، بمحاولة صنع فيلم واحد من أصل سلسلة 25 فيلما جديدا في عام الثقافة العربية 2013 .
كان يفترض ان تكون هذه المجموعة من الافلام قادرة على الارتفاع بمستوى التعبير عن علاقة إيجابية بين مادة ادبية عميقة في المضمون والسيناريو مع كل وسيلة يمكنها أن تغني فن السينما العراقية في زمان بلغت فيه السينما العالمية والعربية مكانة عظيمة على اساس من قواعد سينمائية تجديدية، في الأساليب والمضامين . لكن ما يؤسفني هو ان اقول ان اللوحة السينمائية العراقية ، بعد انتاج 25 فيلما دفعة واحدة ، ما زالت قاتمة تختلط فيها وتتشابك الكثير من حالات التخلف في تنظيم الحياة السينمائية العراقية وعجزها عن تحقيق ولو خطوة واحدة في تقدمها.
حسناً فعل الياسري حين قرر كتابة سيناريو فيلمه على أساس عمل أدبي كتبته الروائية العراقية ميسلون هادي وقد أطلق على فيلمه عنوان (حكاية 2008) ..!. هنا أواجه نفسي بسؤال جديد هو : هل كان اختيار (الحكاية) موفقاً لإنتاجها فيلماً سينمائياً في زمان سياسيٍ كان عام 2008 غاية في التعقيد والصعوبة في ظل دولة المحاصصة والطائفية وهي دولة اللادولة في حقيقة صيغها واشكالياتها .
كنت في تسعينات القرن الماضي قد قرأت روايتين لميسلون هادي لكن ما قرأته لم يترك عندي اي ملامح روائية حتى انني نسيت بهدوء ما قرأت. في الواقع انني لم أقرأ رواية ميسلون هادي التي وجدتها متحولة بثلاثة عناوين فالعنوان الاصلي للرواية هو (حلم وردي فاتح اللون) ثم وجدته في تايتل الفيلم بعنوان (بغداد حلم وردي). اما في تايتل الفيلم باللغة الانكليزية فقد وجدته Baghdad my rosy dream وهو عنوان لا موقع له بين العنوانين السابقين. ولا ادري هل استطاع الياسري التعبير في فيلمه عن مبنى ومغزى رواية ميسلون ام انه اضطر او وجد نفسه مرغما على مغايرة الاصل الروائي في بعض او اغلب مشاهد فيلمه.
في اطار كل هذه التصورات احدد اخيرا مسار رؤيتي في فيلم (بغداد حلم وردي) ومغزاه السياسي – الاجتماعي بما يحتمله الفيلم من تفسير او تحليل، خاصة وان الحكاية لم اجدها من الحكايات السيكولوجية ولا من الحكايات الفلسفية ولا العاطفية ولا من السيرة الذاتية ولا الجرائمية ولا القصص الاجتماعية ولا من حكايات الرحلات.. ربما حملت ألواناً مختلفة من الحكايات العراقية مما اضعف معمارها السينمائي وشتت صلاتها بواقع لا يسمح للمخرج السينمائي أن يقدم تصوره أو خياله الفني.
تركز موضوع الفيلم على تحديد دور معين للقوات الامريكية التي احتلت بلادنا منذ 9 نيسان عام 2003 لكن هذا التركيز كما شاهدته لم يكن قد تناوله السيناريو بمفصلية جلية واعية قائمة على نظرية سينمائية معينة أو على اسلوب سينمائي مفترض أو مبني على التحليل النفسي الفرويدي أو على التحليل السياسي العلمي، بل قام السيناريو بإسقاط تركيزه عن طريق شكل من اشكال المراوغة السينمائية الكلاسيكية فقد قام على فكرتين الاولى: (جمود) الحركة في بيت مهجور منذ الاحتلال. والثانية: (حركة) طاقة عسكرية امريكية متمثلة بمفرزة تفتيش تبحث عن أحد المطلوبين لها وهو رجل كئيب لم نره داخلا لا في حرب بغداد ولا في سلامها ولا في مقاومة الاحتلال، لكنه مع والدته يواجهان صراعاً سيكولوجياً مريراً يقصيهما، بعد الاحتلال، عن حياتهما الهادئة ليدخلا في تحالف زئبقي مع سائق تاكسي يعدهما بتهريبهما الى سوريا ، لكن اعماق الأبن تتحول خلال فترة قصيرة من الزمن إلى نزوة لتسليم نفسه الى الامريكان بعد تفتيش مسكنه لمرتين، بينما يختبأ في مخبأ سري بالبيت حيث لم يستطع المفتشون الامريكان من العثور عليه إذ أظهرهم الفيلم في حالة من الغباء البوليسي..!
في اثناء وجود بطل الحكاية في البيت ومن خلال العتمة يجد نفسه مندفعا نحو امرأة اخرى (هند كامل) وهي امرأة وحدانية ينبض في قلبها هاجس من هواجس الحب والاحترام للرجل المختفي عن انظار الامريكان .
اعتقد ان الاخ فيصل الياسري يشاركني الرأي القائل أن مشاهدي الفيلم السينمائي لا يكتفون بمجرد مشاهدة صور ولقطات معرفية يقدمها لهم الفنانون السينمائيون ،خاصة المخرج والممثل ، بل يعتقدون حال جلوسهم امام الشاشة السينمائية ان احدى ابرز مهمات الفن والفنان ان يقدما (المعرفة) بصورة كاملة أو بصورة باعثة على الجدلية الفردية ، جدلية المشاهد مع نفسه، خاصة وان المشاهد السينمائية اصبحت بمثابة محكمة صورية تحكم بالنتيجة على احد ابطال الفيلم او اكثر بالبراءة او الاعدام طبقا للدور الذي ينهض به ليكشف عن شخصيته التمثيلية داخل احداث الفيلم . لا بد هنا من التذكير ان المخرج الذي يعرف وظيفته ويبدع في تجسيدها يقود حملة تتزايد حركتها على الشاشة، لحظة بعد اخرى ،حتى يساعد المشاهد ان يدرك المحنة الكبرى التي يواجهها بطل او ابطال الفيلم من خلال ما يقدمه لهم المخرج نفسه من (معرفة) وقد كان فيصل الياسري قد بعث المسرة الى نفوس المشاهدين في غالبية انتاجاته السينمائية والتلفزيونية السابقة ، بما يجعلهم قادرين في نهاية الفيلم ان يرتفعوا الى مستوى عال من (المعرفة).
ترى هل استطاع الياسري ان يزود مشاهدي فيلمه الجديد (بغداد حلم وردي) ان يقدم (المعرفة) المعبرة عن محصلة تصادم وصراع القوى الاجتماعية والسياسية في فترة ما بعد سقوط الدكتاتورية عام 2003 ..؟ هل استطاع فيصل الياسري ان يجعل هذه (المعرفة) متحولة من واقع غير مرئي الى واقع فني اجتماعي عن علاقة ما جرى ويجري على سطح الشاشة كانعكاس لما جرى او يجري لإرادة القوة والهيمنة في المجتمع العراقي المتحول.
الجميع يعرف ان مجتمعنا قد تحول في ما بعد نيسان 2003 من (مجتمع شمولي جامد) الى (مجتمع رأسمالي لاهث) ساعياً وراء السلطة والجاه والمال ، اي الدخول الى عصر الرأسمالية الموحدة بفعل ودوافع وهيمنة امريكية من خلال احتلاله العراق غدا فيه العراق بلداً بلا دولة وبلا جيش، بلداً خائفاً منذوراً بسوء المصير من خلال سيطرة اشرار ومجرمين ولصوص ومزورين ومهربين على الساحة السياسية العراقية ومصارعة الناس باسم مذاهب منظمات متطرفة تدعي أن الدين الاسلامي سيدها وموجهها وقائدها بعد ان اسلمت الكثير من العصابات قيادها وفعاليتها الى تنظيم (القاعدة) الارهابي وتفرعاته ذات المسميات المختلفة .
اظن ان فيلم (بغداد حلم وردي) لم يستجب للتلمذة السينمائية الديمقراطية ولم يكن مشاهده محظوظاً او سعيداً بمجرد مشاهدة بعض لقطات سينمائية ميكانيكية لم تصل باي حال من الاحوال الى مستوى ما يملكه المخرج فيصل الياسري من تجارب غزيرة مع الكاميرا السينمائية والتلفزيونية . يؤسفني القول ان هذا الفيلم لم يخترع شيئاً جديداً ولم يقدم لمشاهديه فناً سينمائياً ذا قيمة كما كنت اتوقع شخصياً، خاصة وأن الفيلم تناول مجتمعنا في حقبة تحوله من (مجتمع مقموع) الى (مجتمع استهلاكي) بنوع من شرٍ جديدٍ تتلاشى فيه قوة وكرامة المواطن العراقي.
لا شك أن فيصل الياسري استطاع ان يستريح بنجاح تام في تحريك الممثلين امام الكاميرا بقدرة كبيرة من الأداء والإبداع جعلت هند كامل وسمر محمد واسعد عبد المجيد واميرة جواد وكريم محسن وخليل فاضل خليل وآلاء نجم ونزيه سعيد يملئون انفسهم بأفكار شخصيات سينمائية تعرف طريقها التمثيلي .تلك هي، بلا شك ، غاية من غايات الفن السينمائي واخراجه، غير ان روح المناظرة والجدل في مجموع مشاهد وسيناريو الفيلم لم تكن قادرة على تجسيد حقيقة المواطن العراقي بوصفه ذاتاً مرتبكة ومهزوزة وغير فاعلة وغير منتجة في حقبة الفيلم حيث تدهورت الانتاجية الوطنية في الميادين كافة وحيث ضعف الوعي الثوري وصار الوعي الجمعي – الحزبي – العشائري مندفعاً نحو فرض السيطرة والارادة . هذا الواقع المر الذي يشمل مساحة واسعة جداً لم نجده مرسوماً في الفيلم، بل وجدنا نحن المشاهدين ان الفيلم اتجه نحو تصوير الواقع بنوعٍ من مبالغات ابطاله نحو تصوير الواقع ضمن شبكة واسعة ومترابطة من مشاهد العلاقات الايجابية من دون التركيز على مخاطر الصراعات الطائفية والمحاصصة السياسية المتفرعة عن جهل مجموعة من قادة سياسيين جدد هدفها سحق الهوية الفردية امام القوة الهائلة للاحتلال ونتائجه المدعومة بماكينة اعلامية رسمية وغير رسمية من احزاب وتجمعات طائفية.
الخلاصة التي أريد قولها أن (تديين) الموضوع السينمائي لإرضاء اذواق بعض القادة الرسميين في الحكومة الطائفية او من قادة مهرجان بغداد عاصمة الثقافة العربية هو موضوع خطير كان المفترض رفضه بفنية سينمائية عالية المحتوى والمستوى من قبل فيصل الياسري.
كما اقول ان قدرة وثقافة ومهارة المخرج فيصل الياسري هي في جوهرها وحقيقتها اكبر واوسع لخلق عمل سينمائي يطلق فيه طاقة عمل فني سينمائي خلاّق بصورة افضل بكثير من فيلم (بغداد حلم وردي) من خلال افاق وافكار حداثية تتعلق بالدعوة إلى الديمقراطية - العلمانية التي هي الحل ، وتنشيط الدعوة الى بناء مجتمع مدني التي هي الحل، والعمل المتواصل من اجل بناء دولة تعتمد على مؤسسات ديمقراطية واسعة وتفصيلية التي هي الحل. بهذا الجوهر السينمائي – الفكري يمكن جعل بغداد بمستوى حلم وردي.
اقول ان اخلاق الكثير من العراقيين وشعورهم الوطني بعد عام 2003 اصبح امتدادا واسعا لتاريخ ما قبله وهي ظواهر اجتماعية منهارة لا تصلح أن تكون قواعد لحياة عراقية جديدة مما يلقي على عاتق المثقفين العراقيين والفنانين بما فيهم الفنانين السينمائيين ان يقدموا للشعب فكراً فنياً جديداً يدعو الى التمسك بالحقيقة الشعبية الوحيدة ، أي حقيقة النضال من أجل الديمقراطية السياسية والديمقراطية الاجتماعية . ذلك فقط هو الحلم الوردي الوحيد للبغداديين ولكل العراقيين.
يبدو لي من خلال بعض الكتابات الصحفية من داخل العراق ان مجموعة افلام مهرجان بغداد عاصمة الثقافة العربية قد نمت من بذرة الفوضى السياسية العارمة ، من بذرة ما يسمى الفوضى الخلاقة ، وليس من بذور الحرية والديمقراطية . كان المفترض في فيصل الياسري أن يكون أول المبشرين السينمائيين بفكرة جديدة على ضوء نظام جديد وأن لا يكتفي بالدعوة في فيلمه الى عالم من علاقات يسودها التقارب الانساني المجرد، رغم انه قدّم نظرة عاجلة ، بإشارات عاجلة، الى حقيقة ان المجتمع العراقي بعد 2003 وهو بدون شك فيه الكثير من الغرابة السلوكية ومن الشذوذ السياسي الصاعد والنازل في سلم الطائفية ، لكنه نسى ، مع الأسف، حقيقة اكيدة ان الفن السينمائي يمكن ان يقدم في هذا العصر صورة حياة مثلى للمشاهدين أمام الذين لا يستطيعون رؤية اعماق الحياة الواقعية بعيونهم مباشرة.
الجانب الايجابي الرئيسي اؤشره في فيلم فيصل الياسري انه كشف عن مشاعر ابطاله الوطنية وأنه أكّد على وحدة اهدافهم ووحدة شخصياتهم ووحدة سلوكهم في الحياة، رغم ما يحيط بهم وبواقعهم من اجواء التعاسة وما يميز اجواء معيشتهم من انسحاق ذاتي واجتماعي.
لكنني كنت اعتقد ان فيصل الياسري بالذات الى جانب بعض المخرجين العراقيين الاخرين سيتجاوزون الواقع العراقي الحالي مندفعين نحو النفاذ بنظرة سينمائية عميقة الى تحديد مصير المستقبل العراقي بالديمقراطية الحقيقية وبالحرية الحقيقية.
فيصل الياسري لم يفعل في سيناريو فيلمه كما فعل بلزاك في قصصه عندما جعل من قصصه محاولة ايجابية في سيطرة الناس الايجابيين على مستقبل حياتهم بالديمقراطية الحقيقية وليس بمجرد فهم الحياة . فيصل الياسري جعل شخصيات فيلمه كشخصيات دستويفسكي الروائية فهي غريبة ترتبط بالواقع من حيث هي مخلوقات من صميم الواقع لا تعرف اهدافها المستقبلية المحددة في عصرنا الحالي بالديمقراطية الحقيقية وبالوجود الاجتماعي الحر.
لا بد من الاشارة هنا الى ان الفيلم لم يتعمق في تجسيد المشكلات والتحديات التي واجهت الشخصية العراقية المتكاملة التي ضاعت صورها في تلك الحقبة . اكتفى فيصل الياسري بعرض المشهد السينمائي الاخير باحتفال صاخب بتحرر ياسر(أسعد عبد المجيد) من اليد الامريكية محاولا ان يرسم بغداد في ذلك المشهد انها مدينة فاضلة تصلح ان تكون حلماً وردياً بينما بغداد كانت كابوسا عام 2008 حالكا بالطائفية ، متجهمة بالعنف الذي يطعن انسانها وانسانيتها .
مرة اخرى اقول انني كنت اعتقد ان مواهب فيصل الياسري ستنتج فيلماً يتميز بالحيوية القادرة على تفجير ابداعه وابداع الكادر المنتخب من قبله ضمن موجة الحداثة السينمائية السائدة ، الآن ، في العالم كله وفي المهرجانات العالمية ، خاصة ان الياسري يملك وعيا فنيا – اجتماعيا عميقا يستطيع بواسطته ان يكشف هوية مجتمعنا والتحولات الخطيرة الواقعة في داخله .. كنت اظن انه سينتج فيلما يحمل قدرا كبيرا من الافكار الجديدة ، والحوار الجديد، والاساليب الفنية الجديدة ، في ظروف بالغة التعقيد والتشابك تمر ببلادنا مما يجعل واجب المثقفين ومنتجي الابداع جميعا ان يعيدوا اكتشافها وفق روح العصر والشفافية الديمقراطية .